حصاد ثمار الإصلاح وترشيد الدعم.. كيف أصلح المصريون خطيئة 72 عاما في ثلاث سنوات فقط؟
بعد سنوات عجاف على المصريين تحملوا خلالها قسوة إجراءات الإصلاح الاقتصادي وأصلحوا خطيئة 72 عاما في ثلاث سنوات فقط، جاء وقت جني الثمار، في الوقت الذي أطلق صندوق النقد الدولي شهادته بأن مصر واصلت على مدار الـ3 سنوات الأخيرة تطبيق برنامجها الوطنى الطموح للإصلاح الاقتصادى والذى استهدف تصحيح الاختلالات الخارجية والداخلية الكبيرة، وتشجيع النمو الاحتوائى وخلق فرص العمل، وزيادة الإنفاق الاجتماعى الأكثر استهدافًا، ونجحت جهود السلطات المصرية فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى، وإحداث تعافى فى النمو، وتحسين مناخ الأعمال.
تقرير الصندوق عن الإصلاح الاقتصادي ما بعد ثورة 30 يونيو، قال إن فريق من خبراء صندوق النقد الدولى بقيادة سوبير لال، قام بزيارة مصر فى الفترة من 5 إلى 16 مايو 2019 لإجراء المراجعة الـ5 والأخيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى الذى يدعمه اتفاق لمدة 3 سنوات فى إطار "تسهيل الصندوق الممدد".
ميعاد وصول الشريحة وقال مسؤول كبير فى الحكومة المصرية، إنه من المتوقع وصول الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولى، بقيمة 2 مليار دولار، فى شهر يوليو القادم، وبذلك تكون مصر قد حصلت على 12 مليار دولار من المؤسسة الدولية، على مدار 3 سنوات وعبارة عن 6 شرائح مالية، وذلك فى أعقاب التوصل لاتفاق على مستوى الخبراء بالصندوق يتيح صرف 2 مليار دولار.
وأضاف المسؤول، أن التعاون مع صندوق النقد الدولى مستمر عن طريق البعثات الفنية، ولا يقتصر التعاون فقط على الحصول على الـ12 مليار دولار من صندوق النقد، مؤكدًا أن تقرير صندوق النقد الدولى الصادر عقب مراجعة برنامج مصر الاقتصادى للمرة الـ5 يؤكد أن جميع مؤشرات الاقتصاد المصرى الكلية فى تحسن مستمر بما يدعم جذب الاستثمارات وفرص العمل.
وأكد صندوق النقد الدولى، ارتفاع نمو إجمالى الناتج المحلى من 4.2% فى العام المالى 2016 – 2017، إلى 5.3% فى العام المالى الماضى 2017 – 2018، وتراجع معدل البطالة من 12% إلى أقل من 9%، وتراجع عجز الحساب الجارى من 5.6% من إجمالى الناتج المحلى إلى 2.4%، ومن المتوقع أن ينخفض إجمالى الدين العام إلى نحو 85% من إجمالى الناتج المحلى فى العام المالى الحالى 2018 – 2019، بعد أن سجل 103% من إجمالى الناتج المحلى فى 2016 – 2017، وارتفع الاحتياطى الأجنبى لمصر، من 17 مليار دولار فى يونيو 2016 إلى 44 مليار دولار فى مارس 2019، وبذلك أصبحت مصر أكثر صلابة فى مواجهة ارتفاع عدم اليقين فى البيئة الخارجية.
وأكدت المؤسسة الدولية التى يقع مقرها الرئيسى فى العاصمة الأمريكية، واشنطن، أن البنك المركزى المصرى حدث إطار عمل سياسته النقدية، التى تركز على التضخم كهدف أساسى فى ظل نظام لسعر الصرف المرن، وتم ضبط موقف السياسة النقدية بصورة ملائمة، مما ساعد على تخفيض التضخم من 33% فى يوليو 2017 إلى 13% فى إبريل 2019 رغم الصدمات العارضة المتعلقة بعرض السلع والتقلب فى أسعار بعض المواد الغذائية، وتعتبر معالجة الاختناقات المؤثرة على حجم المتاح من المواد الغذائية بمثابة خطوات مهمة للحد من هذا التقلب، وذلك من خلال الاستثمار فى البنية الاساسية والتجهيزات اللوجستية ومنشآت التخزين والبنية التحتية للنقل وتخفيض الحواجز التجارية غير الجمركية.
ويستهدف البنك المركزى تخفيض التضخم إلى رقم أحادى – أقل من 10% - على المدى المتوسط، مما يساعد على تعزيز الاستقرار الاقتصادى الكلى، وتخفيض أسعار الفائدة، وجذب الاستثمار، ويضمن التزام البنك المركزى بسعر الصرف المرن أن يكون الجنيه المصرى انعكاسًا لأساسيات الاقتصاد، كما يضمن حماية الاحتياطيات الدولية، وتعزيز صلابة الاقتصاد فى مواجهة الصدمات الخارجية، ورسخ البنك المركزى مصداقيته كمصدر حماية لاستقرار القطاع المالى.
وقال صندوق النقد الدولى "مصر تسير على الطريق الصحيح لتحقيق الضبط المالى المستهدف خلال فترة البرنامج والممتدة لـ3 سنوات والذى يعادل تحقيق تحسن تراكمى فى الفائض الأولى قدره 5.5% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى، وأصبح هدف تحقيق الفائض الأولى البالغ 2% من إجمالى الناتج المحلى فى العام المالى الحالى 2018 – 2019، قريب من التحقق، وهو مستوى تنوى السلطات المصرية الحفاظ عليه فى المدى المتوسط لإبقاء دين الحكومة العامة على مسار تنازلى مستمر، ويوشك إصلاح دعم الوقود على الاكتمال بنجاح، وسيكون استكماله بمثابة إنجاز كبير، وساهم هذا الإصلاح بدور حيوى فى تحقيق أهداف المالية العامة التى حددها البرنامج الاقتصادى بجانب اصلاحات زيادة الموارد وترشيد الانفاق الجارى، كما ساهمت تلك الاصلاحات المالية على خلق حيز للإنفاق على برامج اجتماعية أكثر استهدافًا للمستحقين تساعد الفئات الأكثر احتياجًا".
ولفت صندوق النقد الدولى إلى أنه فى الفترة القادمة، سيكون من أهم الأولويات زيادة الإيرادات الضريبية لتوفير الإنفاق الضرورى على الصحة والتعليم والبرامج الاجتماعية، وسط تأكيدات ورغبة الحكومة المصرية فى الحفاظ على المكاسب التى حققها الضبط المالى أثناء البرنامج، والعمل على إحراز مزيد من التقدم فى تعزيز القدرات فى مجال إدارة الدين ومخاطر المالية العامة، وتحسين كفاءة الإنفاق، وزيادة الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بالمالية العامة.
وأشاد صندوق النقد الدولى بالسلطات المصرية لتنفيذها إجراءات الحماية الاجتماعية التى خففت عبء الإصلاح الاقتصادى عن محدودى الدخل. وقد كانت هذه الإجراءات بالغة الأهمية فى حشد تأييد عام واسع النطاق لإجراءات الإصلاح الصعبة، وجاء التمويل اللازم فى هذا الخصوص من خلال تخفيض دعم الوقود غير الموجه للفئات الاولى بالرعاية وغير الكف، والهدف من زيادة معاشات التقاعد والمبادرات الموجهة مثل تكافل وكرامة، وفرصة، وسكن كريم، إلى دعم الفئات الاكثر احتياجا وتقديم الخدمات العامة للفئات الأقل حصولا عليها.
ويوفر برنامج مستورة التمويل متناهى الصغر للنساء من أجل زيادة توظيفهن، وقد استفادت الطبقة المتوسطة من الزيادات المدروسة فى أجور القطاع العام والخصوم الضريبية التصاعدية. وهناك جهود جارية لتحقيق مزيد من التقدم فى تحسين استهداف شبكة الأمان الاجتماعى وتوسيع نطاقها.
وأكد صندوق النقد الدولى أن الهدف من الإصلاحات الهيكلية هو تحقيق نمو أعلى وأكثر شمولا لمختلف شرائح المجتمع وخلق فرص العمل للمصريين الذين تتزايد أعدادهم، وتمثل فئة الشباب النسبة الغالبة، وهناك تقدم مطرد فى تنفيذ إجراءات زيادة الإنتاجية، وإزالة الحواجز أمام الاستثمار والتجارة، وتحسين الحوكمة، وتقليص دور الدولة فى الاقتصاد، وتشمل مجالات الإصلاح الأساسية تحسين فرص الحصول على التمويل وتحسين طرق اتاحة الأراضى الصناعية وتشجيع المنافسة، وزيادة شفافية المؤسسات المملوكة للدولة وتحسين إدارتها، ومكافحة الفساد، ومن شأن استكمال الإجراءات المخططة فى الوقت المحدد أن يحقق مكاسب كبيرة من حيث زيادة الاستثمار والنمو الاحتوائى وخلق فرص العمل، ويرحب خبراء الصندوق بالتزام السلطات القوى بالحفاظ على واستمرار وتيرة الإصلاح خلال الفترة القادمة الممتدة إلى ما بعد البرنامج الذى تنتهى مدته فى نوفمبر القادم.
وتوجه فريق خبراء صندوق النقد الدولى، بالشكر إلى السلطات المصرية وفرق العمل الفنية، على ما أبدوه من روح تعاونية وصراحة فى المناقشات، وعلى ما حظيت به البعثة من كرم الضيافة، متطلعًا إلى استمرار تعاوننا الوثيق والحوار المتعلق بالسياسات.
وتوصل فريق خبراء صندوق النقد الدولى والسلطات المصرية إلى اتفاق على مستوى الخبراء حول المراجعة الـ5 والأخيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى الذى يدعمه الصندوق من خلال اتفاق للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممدد"، ويخضع هذا الاتفاق على مستوى الخبراء لموافقة المجلس التنفيذى للصندوق، وباستكمال هذه المراجعة سوف يتاح لمصر الحصول على 1432,76 مليون وحدة حقوق سحب خاصة – نحو 2 مليار دولار - ليصل مجموع المبالغ المنصرفة فى ظل البرنامج إلى حوالى 12 مليار دولار.