رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي.. كيف تفتح باب الحسم في الحرب ضد الإرهاب؟
الرئيس عبدالفتاح السيسي
كتبت: هناء أبو العز
الأربعاء، 06 فبراير 2019 02:32 م
تستعد مصر لفتح صفحة جديدة من تاريخها على صعيد السياسة الخارجية مع تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى منتصف الشهر الجارى، فى خطوة يعول عليها كثيرون داخل القارة السمراء لحل مشكلات الدول الأفريقية وفى مقدمتها التصدى لأعمال العنف والإرهاب، ونزع فتيل الأزمات العرقية والحروب الأهلية وغير ذلك من التحديات التى تواجهها القارة بأكملها.
ومع تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى، وبعد مسيرة امتدت لما يزيد على 6 سنوات كاملة للقفز فوق آثار سنوات القطيعة والعزلة الأفريقية فى العهود السابقة، يظل ملف مكافحة الإرهاب أحد أهم الملفات التى تستطيع مصر دعم دول القارة من خلاله، فضلاً عن حاجة تلك الدول لخبرات الدولة المصرية فى هذا المجال.
وأكد خبراء أن خبرات مصر وإمكانياتها الأمنية وما تمثله قوة الدولة المصرية الناعمة ممثلة فى الأزهر والكنيسة، بإمكانها لعب دور بارز فى مكافحة الإرهاب داخل القارة، مشددين على أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفى فالاتحاد الأفريقى يحتاج استثمار قدرات مصر للمساهمة فى نشر الفكر المعتدل ومكافحة التطرف.
وقالت الدكتورة هبة البشبيشى، الباحثة فى معهد البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة، إن كل دول القارة تقريبا تعتمد فى مواجهتها للإرهاب على دول أخرى، مثل منطقة غرب أفريقيا التى تعتمد بكاملها على قوات فرنسية، باستثناء مصر التى تحارب الإرهاب فى معركة شاملة بجهود وطنية خالصة، وهو ما يجعلها أكثر قدرة على مساندة دول القارة، خاصة فى ظل اشتراكها معهم فى الوعى بطبيعة المنطقة، واتحاد دوائر الأمن القومى بين القاهرة والظهير الأفريقى، مشددة على أن التحرك المصرى فى هذا الاتجاه سيحقق نجاحا سريعا وسهلا، فى ظل أن الدعم الغربى لدول القارة فى معركتها مع الإرهاب لم يحقق آثارا ملموسة وحقيقية حتى الآن.
ولفتت "البشبيشى" إلى أنه حال تفعيل التجربة المصرية على مستوى القارة، فستكون الفروق واضحة للغاية، وهو ما يمنح القاهرة موقعا أفضل على سلم التنسيق والعلاقات مع دول القارة، إضافة إلى أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى ستضمن لها حضورا أكثر استمرارية وفاعلية على خريطة القارة، وستساعدها على ابتكار واقتراح آليات عملية وتنسيقية داخل الاتحاد لنقل الخبرات المصرية، وتعزيز التعاون، وتسهيل العمل المشترك بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات الدينية فى الجانبين.
وأكدت هبة البشبيشى فى حديثها، على أن مواجهة الإرهاب فى أفريقيا يجب أن تعتمد على طريقتين، الأولى مباشرة تتمثل فى المواجهة التكتيكية على الأرض بالاتفاق بين كل الدول، والتحرك من خلال خطط استراتيجية مدروسة بعد توافر المعلومات، والقضاء على أوكار وتكتلات المتطرفين لمنع الإرهاب من منبعه، والثانية تتمثل فى إحلال أفكار تنموية محل أفكار الإرهابيين، وإعادة الإعمار، وإطلاق مسيرة التنمية المستدامة، والقضاء على البطالة وأسباب التطرف بشكل شامل.
وبإمكان الدولة المصرية عبر مؤسساتها الدينية المساهمة بقوة فى نشر الفكر المعتدل، والتصدى فى المقابل للأفكار المتطرفة والتى من شأنها محاربة الإرهاب من جذوره والعمل على منع اتساع رقعة معتنقى الفكر المتطرف.
بدوره، قال الإعلامى النيجيرى ناصر الرفاعى، إن دول غرب أفريقيا وبالتحديد نيجيريا ومالى والنيجر وتشاد وبعضًا من وسط أفريقيا تعانى كثيرًا من الإرهاب، والذى كان منبعها نيجيريا باعتبار أن بوكو حرام أم الجماعات الإرهابية الكبرى، لأن نيجيريا هى من أكبر الدول الأفريقية وهى مركز للتجارة.
وأضاف الرفاعى، أن الإرهاب فى نيجيريا أثر كثيرًا على اقتصادها، والحكومة السابقة التى بدأ الإرهاب فى عهدها لم تطلب التعاون الكافى من الدول المجاورة، لكى تقضى على هذا السرطان المتفشى، والسياسيون النيجيريون استغلوا هذه الظاهرة من أجل مصالحهم السياسية على حساب أرواح الناس، حيث كانت هناك ميزانيات كبيرة للجيش النيجيرى تخصص من أجل مكافحة الإرهاب إلا أنه كان يتم الاستيلاء عليها.
وأضاف الإعلامى النيجيرى، أن الرئيس النيجرى الحالى محمد بخارى، كان من أولوياته مكافحة الإرهاب ولم يكن هذا يصح دون أن يقضى على الفساد ويستبعد المفسدين ويسترد أموال الشعب من البنوك الإنجليزية والسويسرية، لأن خزينة الدولة كانت خاوية، وبالفعل يحدث هذا الآن، متابعا: "أصبحت الفرصة سانحة الآن للقضاء على الإرهاب فى أفريقيا كلها، بتعاون الرئيس النيجيرى والمصرى، خاصة بعد تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى"، معتبرًا أنه شاهد عيان على نجاح مصر فى القضاء على هذه الظاهرة بها.
وأوضح الرفاعى، أن الملفات التى سيناقشها الاتحاد الأفريقى فى دورته لهاذ العام كلها تصب فى صالح تنمية أفريقيا بدءًا من ضرورة اعتماد الاتحاد الأفريقى على أمواله بعيدا عن الشركاء الغرببين الذين يسعون لتفتيت الشعوب الأفريقية من أجل مصالحهم، والقضاء على الإرهاب الذى سيكون انطلاقة من أجل تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية فى القارة السمراء.
وقال الدكتور محمد عبدالكريم، الباحث فى معهد الدراسات المستقبلية بالعاصمة اللبنانية بيروت، إن التجربة المصرية فى مجال مكافحة الإرهاب رائدة وملهمة لكثير من الدول، مؤكدا فى الوقت نفسه أن الملف فى أفريقيا أكثر تعقيدا مما يتخيل البعض، وأنه لا يمكن إرجاع ظاهرة الإرهاب فى القارة إلى سبب واحد، فى ضوء تشابك العوامل الداخلية والإقليمية والدولية بشكل مركب ومتداخل.
وأضاف عبد الكريم، أن مصر سيكون لها دورا كبيرا خلال رئاستها للاتحاد الأفريقى فى 2019، فى ضوء ما تملكه من خبرات كبيرة فى استراتيجيات وآليات مكافحة الإرهاب على كل المستويات الأمنية والفكرية، كما أن هذه الرئاسة ستشكل علامة فارقة فى مسار الاتحاد، وفى ملف مواجهة الإرهاب بشكل خاص، وربما بدأت مؤشرات هذا التحول تتضح من خلال عدد من التحركات العملية، أبرزها تولى مصر تدريب قوات من إقليم الساحل والصحراء على مكافحة الإرهاب، وتسريع أجهزة الدولة لمسار عملها فى وضع تصورات مختلفة لإدارة الاتحاد فى المرحلة المقبلة، والعمل على تحقيق قدر أكبر من الاندماج والتكامل فى العمل الأفريقى بشكل يستند إلى قوة مصر الناعمة وميراثها الحضارى والثقافى وروابطها التاريخية بالقارة، وكل هذا تدعمه تجربة نضالية تحظى بتقدير كل الأفارقة.
ويرى الدكتور أيمن شبانة، الأستاذ فى معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، أن مصر تستطيع دعم أفريقيا بما هو أكبر من المساندة الأمنية واللوجستية، وذلك بالنظر إلى خبراتها الواسعة، وحقيقة أن انتشار الإرهاب فى دول القارة السمراء يعود لأسباب عدة، أبرزها الفقر وتراجع الاقتصاد والتعليم والثقافة، وهو ما يحتاج جهودا فى مسارات متوازية، سعيا إلى دعم قدرات المؤسسات الأمنية فى هذه الدول، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والسيطرة على مسارات تنامى وتدفق الخطابات المتطرفة.
وأشار شبانة، إلى أن حركات السلفية الجهادية المنتشرة فى أفريقيا، بدأ ظهورها خلال تسعينيات القرن الماضى، والسبب وراء هذا الانتشار السريع يعود إلى عدم قدرة المؤسسات الدينية المعتدلة فى هذه الدول على مواجهة الخطاب المتطرف، أو بالأحرى عدم قدرتها على طرح خطاب دينى واقعى، قادر على تفهم واستيعاب متطلبات العصر ومتغيراته الهيكلية المتسارعة، وهو ما يحتاج مساندة عاجلة وعميقة من مصر فى هذا المسار، مشددا على أن الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والكنيسة الأرثوذكسية ومؤسسات مصر الدينية كافة، بإمكانها لعب دور رئيسى فى تجديد الخطاب الدينى، وتحسين صورة مصر، وتعميق الصلات والروابط بين القاهرة ودول القارة، عبر المدارس وحركة النشر والبعثات، بهدف صقل الخبرات ووضع مصر على خريطة الوعى الدينى والروحى للأفارقة.
لا يفوتك