بعد التنازلات الأخيرة.. هل تتخلى كوريا الشمالية عن حلفائها؟
في الوقت الذي تتسارع فيه الخطى نحو إنهاء الأزمة النووية بين كوريا الشمالية والغرب، يبدو أن هناك حالة من القلق المتصاعد حول صراع دولي مستقبلي بين القوى الدولية والإقليمية حول النفوذ والهيمنة في منطقة جنوب شرق آسيا، وعلى رأسها الولايات المتحدة من جانب والصين وروسيا من جانب آخر، خاصة وأن التقارب المحتمل بين النظام، الذي طالما ما وصف بالمارق، والولايات المتحدة ربما يعني المزيد من الهيمنة والنفوذ الأمريكي في المنطقة على حساب خصومها الدوليين والإقليميين وعلى رأسهم روسيا والصين.
كان النظام الحاكم في كوريا الشمالية قد اتخذ مجموعة من الخطوات التي تعكس رغبته في انجاح المفاوضات، وإنهاء الأزمة النووية، بما يسمح برفع العقوبات المفروضة منذ عقود على بيونج يانج، ولعل أبرزها التجميد الكامل للأنشطة النووية، وإغلاق مقرات إجراء التجارب النووية، بالإضافة إلى التنازل عن شرط انسحاب القوات الأمريكية من أراضي كوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي ربما يثير حالة من القلق حلفاء كيم جونج أون بصورة كبيرة.
خسائر محتملة
ولعل الخسائر المحتملة التي قد تتكبدها الدول الحليفة لكوريا الشمالية لعقود طويلة، وعلى رأسها الصين، لا تتوقف على مستوى النفوذ السياسي، ولكنها تمتد حتى إلى جانب العلاقات التجارية فيما بينهم، حيث أن النظام الكوري الشمالي ربما يقلل اعتماده على تلك الدول فيما يتعلق بالتجارة حال الوصول إلى اتفاق مع خصومه، وبالتالي رفع العقوبات الدولية المفروضة عليه.
يقول الكاتب الصيني زانج باهوي، في تصريحات أبرزتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الصين ربما تفقد صورتها كإحدى القوى المهيمنة في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث يرغب الرئيس الصيني شي جين بينج، في أن يضع بلاده في صورة اللاعب الرئيسي فيما يتعلق بالدبلوماسية في تلك البقعة من العالم، في المرحلة المقبلة.
أمر مستبعد
إلا أنه على الجانب الآخر، يرى العديد من المتابعين أن تخلي كوريا الشمالية تماما عن حلفائها أمرا مستبعدا للغاية، حيث أن النظام الحاكم ربما يحتاج إلى قوى دولية ذات ثقل دبلوماسي يمكنها ضمان أي اتفاق سوف تعقده مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
يقول الكاتب الأمريكي روبرت رايت أن النظام الحاكم في كوريا الشمالية ربما ليست لديه الثقة حتى يراهن على اتفاقه مع الولايات المتحدة في ظل سوابق تاريخية ربما يضعونها أمامهم، خاصة في الشرق الأوسط، سواء في ليبيا أو العراق، موضحا أن نظام القذافي سقط بدعم أمريكي رغم استجابته لمطلب الولايات المتحدة بالتخلي عن ترسانته النووية، وكذلك نظام صدام حسين استجاب لمطالب السماح للمفتشين الدوليين بالدخول للأراضي العراقية للبحث عن أسلحة دمار شمال، إلا أنه في النهاية دفع الثمن باهظا.
إيران مثالا
إلا أن المثال الأكثر بروزا الذي ربما يضعه كيم جونج أون نصب عينيه هو التغير الكبير في الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، وهو الأمر الذي ربما يثير تساؤلات عدة حول ما إذا كانت هناك إمكانية تكرار ذلك معهم في المستقبل في حال إبرام اتفاقية نووية، وبالتالي فالحاجة لضمانات قوية تبدو مطلبا مهما لكوريا الشمالية.
يبدو أن الرفض المتوقع من قبل ترامب للتصديق على الاتفاقية النووية الإيرانية هي بمثابة رسالة واضحة لزعيم كوريا الشمالية بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها، وبالتالي فإن التنازلات التي قدمها نظام كيم جونج أون لم تأتي بعيدا عن حلفائها، خاصة وأن الرئيس الكوري الشمالي سبق وأن قالها صراحة أن الطريقة الوحيدة لردع الولايات المتحدة هو أن تصبح كوريا الشمالية قوة نووية، وبالتالي فإن قرار تجميد الأنشطة النووية ربما جاء بعد أن أصبحت البلاد كذلك بالفعل، وبدعم من حلفائها، وهنا لا يمكن للنظام الحاكم في كوريا الشمالية التخلي عن حلفاءه الأصليين في المرحلة المقبلة.