منتدى الإسكندرية للإعلام.. كيف تواجه غرفة الأخبار الفبركة الصحفية؟
منتدى الاسكندرية للاعلام
معتمد عبد الغني
الجمعة، 20 أبريل 2018 05:21 م
في مشهد يرمز لمحاولة التأثير على الرأي العام بالكذب والفبركة الصحفية، يستمر "تشارلز فوستر كين"، في التصفيق بحرارة بعد أداء باهت لغناء زوجته في الأوبرا، يحاول أهم رجال الأعلام كما صوره فيلم الدراما الأمريكي "المواطن كين"، أن يسيطر بكذبته على رأي الجماهير، لكن زوايا الكاميرا جعلته وحيدًا مع كذبته الصحفية التي حاول الترويج لها، في ظل انشغال ناقد فني باللعب بدفتر ملاحظاته لحين انتهاء النجمة الصاعدة بنفوذ زوجها، من وصلتها الغنائية الرديئة.
الانتصار السينمائي الذي حققه فيلم الدراما الأمريكي، والذي صدر في أربعينات القرن الماضي، هدف يسعى وراءه صناع المشهد الصحفي في العالم أجمع، خاصة بعد ابتعاد القارئ العالمي عن آليات النشر التقليدية، ولهث وراء صانعي الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الواقع أثبت أن العالم الافتراضي بقدر ما كان صادقًا في الطرح، ورفع سقف الحريات، كان شرًا على أهل المهنة، الذين وجدوا أنفسهم أمام صحافة المواطن، يحاولون تصحيح سيل الأكاذيب من وراءه، وفي ذات الوقت يوجد في البيت الصحفي من الداخل محترفين في صناعة الكذب، وهو ما يطلق عليه بالعامية المصرية "خبر مشموم"، حسب وصف الكاتب الصحافي محمد عبد الرحمن، في كتابه "الكتاب صفر".
الأخبار الكاذبة ظاهرة عالمية
ما سبق كان حوارًا داخليًا، أثناء رحلة جمعت الصحافيين المصريين والعرب، استغرقت عدة ساعات من القاهرة إلى الجامعة اليابانية في برج العرب، معظم الزملاء الصحافيين كانوا على علم ببرنامج فعاليات الدورة السادسة لمنتدى الإسكندرية للإعلام، الذي اختار أن ينطلق هذا العام تحت عنوان "ضد الأخبار الكاذبة والمفبركة"، اللافت أن توقيت المؤتمر جاء في منتصف شهر أبريل، المعروف بشهر الكذب، ترى هل كانت مصادفة أم تعمد أن يتوافق هدف المؤتمر مع هذا الشهر؟.. والسؤال الثاني: هل ينجح صناع هذا الحدث في ثلاثة أيام تغيير المشهد الصحفي؟.. هذا ما سوف يجيب عنه التقرير التالي.
في أجواء توحي أن الوفد الصحفي القادم من القاهرة سوف يعتزل ضجيج العالم، بأسوار من الهدوء في محيط مباني الجامعة اليابانية، كانت أبرز المناقشات تبدأ بالتعارف ثم التطرق إلى الأزمات الصحفية التي شهدها الصحفيون بأنفسهم، وكان السؤال الأشهر عند دخول أحد المدربين للقاعة هو: "تعريفك للخبر الكاذب والفبركة الصحفية؟"، وكانت الإجابات تتدافع من الجميع، كأنهم ينتظرون أن يخرجوا جميع متاعب المهنة مرة واحدة، ولأن منتدى الإسكندرية للإعلام جمع الصحافيين من مختلف البلدان العربية، كانت الإجابات عابرة للحدود، الصحافي في المغرب تتطابق روايته مع حكاية الصحافي المصري مع الأخبار الكاذبة، كذلك الأردني لم يشعر أن أزمة الجرائد المحلية في بلاده مختلفة عن باقي الدول.
أحمد عصمت، المدير التنفيذي للمنتدى
الملاحظة الثانية، التي تبعث الفخر والاعتزاز، جاءت في كلمة أحمد عصمت، المدير التنفيذي للمنتدى، عندما ذكر في افتتاح المنتدى (الأحد 15 إبريل 2018)، أن المدربين المصريين في الإعلام صاروا خارج مصر، بعدما أثبتوا تميزهم، وأصبحوا مطلوبين لتطوير الكيانات الصحفية، لذا طلب من مركز كمال أدهم للتدريب والبحث الصحفي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تصعيد أجيال جديدة في التدريب.
*محتوى الفيديو نقلًا عن الزميلة الصحفية ناهد سمير
لم يحاول المنتدى أن يكون تقليديًا، لهذا اندهش الحضور عندما شاهدوا تطبيقًا عمليًا لنظرية الاختصار، عندما بدأ شاب وفتاتان بتحويل تصريحات المؤتمر، والعرض التقديمي للمحاضرين، والنص المقروء إلى رسم، وهو فن صحفي أشبه بفكرة الإنفوجرافيك، يطلق عليه "سكتش نوتس"، رغم أن هذا النوع من تحويل الكلمات إلى رسومات يرجع إلى عهد الفراعنة، إلا أن صناعته في التو واللحظة أمام الصحافيين أثار انتباههم، وكانت خطوة موفقة في إبراز أهم النقاط التي طرحت في ورش العمل المغلقة.
شهدت الجلسات الصباحية للمنتدى، إحصائيات وآليات يمكنها التحقق من زيف الصور والفيديوهات التي تروج لأخبار كاذبة ومفبركة، على يد خبراء في الإعلام والتكنولوجيا، كانت البداية بطرح نماذج محلية ناجحة مثل موقع أخبار ميتر، الذي يسعى لكشف الخبر الكاذب في المواقع الصحفية المصرية، وفق أسئلة تضمن عدم الانحياز وتكشف عن زيف الأخبار، بعض هذه الأسئلة عبرت عن بديهيات كتابة الخبر الصحفي، مثل الصورة والمتن، وطريقة كتابة العنوان.
في المقابل، كانت شبكة "مراقبون" التابعة لفرانس 24، تستعرض آليات التحقق من مصداقية الأخبار التي ينشرها "المواطن الصحفي" على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشار ديريك تومسون، رئيس تحرير "مراقبون"، إلى أن 95% من الصور التي يتم تداولها كأخبار كاذبة في العالم الافتراضي، ليست مفبركة أو مزيفة، ولكن يتم اجتزأها من السياق، ووفقًا لما ذكره أحمد بسيوني، استشاري التسويق الإلكتروني، تنتشر الأخبار الكاذبة أسرع 6 مرات من الأخبار العادية، لذا كان وجود تجربتي "ده بجد" و"أخبار ميتر" في المنتدى، محاولتين تثبتان أن الفبركة ليست مطلقة، وهناك من يهتم بتقويضها.
"أنا أؤمن بأن أفضل طريقة للتعامل مع الصحافة الزائفة أن نقدم صحافة جيدة ونظل مهنيين"، هكذا تحدثت آنا هيدنمو، وهي صحافية سويدية عملت في بعض الصحف والإذاعات ثم انتظمت في العمل للتلفزيون السويدي منذ عام 1995، جملتها كانت رسالة طمأنينة للمهنيين في الصحافة، تؤكد أن من يحترم قلمه سوف يشارك بشكل كبير في تصحيح مسار المهنة المهددة دومًا، ولأنها من دولة لم تعاني من ويلات الحروب منذ 200 عام، بمعنى آخر دولة مرفهة لم تشهد خسارة اقتصادية أو صراعات، تحدثت عن ثقة 75% من مواطني بلدها في التلفزيون السويدي، ما يطرح تساؤل عن النسبة الباقية.
رغم الرسائل الإيجابية في المنتدى، كانت المحاضرات العملية أكثر تأثيرًا، لأن أدوات الديجيتال ميديا المتوفرة في الفضاء الإلكتروني، تدعم الصحفي الباحث عن الحقيقة، والذي يسعى لكشف الفيديوهات المفبركة، والصور المزيفة، وقد نجح الصحافي المصري أحمد الشامي، والمتخصص في أدوات الإعلام الرقمي الحديث، في طرح أكبر عدد ممكن من الأدوات المجانية للخرائط والصور والفيديوهات، التي تكشف التلاعب الذي حدث للمنتج الحقيقي، وقد كان مبهرًا أن نشاهد في الجلسة الافتتاحية للمنتدى، أن التطور وصل لتطبيقات مجانية في تقليد الصوت، وحركات الوجه يمكن التحكم بها.
هنا يبرز دور المخبر الصحفي، وهي الصيغة التي كانت تطلق على أهل المهنة في بدايات القرن العشرين في مصر، والمخبر دوره هو التقصي والبحث، وكانت المصادر المباشرة في الصحافة التقليدية تدعمه، أما المنصات الالكترونية، تحتاج إلى وسائل أخرى، ووفقًا لتوصيف عمرو العراقي، المتخصص في صحافة البيانات، المبرمجين الذي أتاحوا أدوات ديجيتال ميديا مجانية للصحفيين وغيرهم، "سوف يسبقوننا على الجنة"، في إشارة واضحة منه على مساهمتهم المثمرة والتي عادت بالنفع على الصحافة الرقمية.
في محاضرة المتخصص في مجال التشريعات الإعلامية إيهاب سلام، لم تكن المناقشة فقط عن المشكلات القانونية المتعلقة بتناول الأخبار والمعلومات الكاذبة، لكن الأخبار الصحيحة أيضًا، التي من الممكن أن تجعل الصحافي مدانًا أمام القانون، إذا كان لصحة الخبر تأثيرًا سلبيًا على الدوائر الأخرى، مثل رأس الدولة، والقضاء، والمكانة المالية، والوحدة الوطنية، والكيانات النظامية.
كان واضحًا أن مفهوم حرية الصحافة عند البعض هو ارتفاع السقف، لكن سلام نجح في العرض التقديمي ان يجعل غير المهتمين بالمواد القانونية المعقدة أن يتناقشوا في ضوابط الحرية عند تناول أخبار الآخرين، ولكن ماذا نفعل إذا وقعت مؤسسة صحفية كبرى في هذا الخطأ؟.
النقطة السابقة كانت إجابتها في المحاضرة التي قدمها محمد سلطان، مدرب مهارات التحدث أمام الجماهير، الذي أثار نقطة غريبة على الصحافة المحلية، وهو كيفية إدارة السمعة في المؤسسات الإعلامية، ربما لو أطلعت بعض المؤسسات الصحفية على مسودة مناقشة تلك المحاضرة، لتغير المشهد الصحفي الذي شهد إقالات جماعية للمحررين، وكتابة مانشيتات صحفية ضررها أكثر من نفعها.
في المؤسسات الصحفية المحترفة يوجد فريق عمل للتعامل مع الأزمات، للحفاظ على المصداقية وعدم اهتزاز الصورة الصحفية للمؤسسة، أقرب نموذج يمكن الإشارة إليه تجده في فيلم الدراما التاريخية "ذا بوست" من بطولة ميريل ستريب وتوم هانكس، كان لديهما في صحفية واشنطن بوست، وثائق تدين جنرالات حرب فيتنام، ومشاهد المستشار القانوني في الفيلم كانت تبعث إشارة واضحة، أن النشر يتوقف على قرار فريق الأزمات، والمحامي الخاص بالجريدة لابد أن يعرف كيف سيواجه الدولة إذا تمت مقاضاتهم.
بجانب المستشار القانوني، لابد من وجود متحدث إعلامي محترف للتعامل مع الجمهور، عكس ما يحدث عندما يخرج رئيس تحرير ببيان يشعل الموقف بكلماته النارية، إلى جانب متخصص سوشيال ميديا، يدرك كيفية توصيل رسائل إيجابية عبر الصفحة الرسمية، كل هؤلاء تحت قيادة رئيس التحرير، وبدونهم نجد نظرة استعلائية للجمهور ولباقي المؤسسات الأخرى.
في نهاية منتدى الاسكندرية للإعلام، تم الإعلان عن مؤتمر العام المقبل، تحت عنوان "التربية الإعلامية"، وفي أواخر شهر أبريل 2019، ما يدل أن القائمين يمتلكون خطة مستقبلية بأهداف واضحة، والمطمئن أنهم أعلنوا عن استمرار مواجهة الأخبار المفبركة بعد الأيام الثلاثة، مع طلاب الجامعات المصرية.
أنشئ "منتدى الإسكندرية للإعلام"، عام 2012 بالتعاون ما بين أليكس أجندة والمعهد السويدي بالإسكندرية؛ حرصًا على رفع مستوى الأداء العملي للكفاءات الإعلامية بمختلف مجالاتها (صحافة، إذاعة، تليفزيون، الإعلام الإلكتروني)، وصولاً إلى مصداقية ومهنية حقيقة وبخاصة مجتمعات الإعلام المحلي.. وعقدت دورته الأولى في مايو 2013 بعنوان "الإعلام المحلي والتنمية".
لا يفوتك