الوجه الآخر لـ عمر الشريف.. الوحدة.. الإفلاس.. الخيانة
عمر الشريف
كتب- معتمد عبد الغني
الثلاثاء، 10 أبريل 2018 03:57 م
السرعة التي يتخذها بعض رؤساء تحرير الصحف والمجلات الفنية في مصر والوطن العربي، في إقحام اسم عمر الشريف، في المانشيت الرئيسي للصفحة الأولى أو إطلالة الغلاف الفاخر؛ من أجل تلميع ممثل سينمائي يشارك لأول مرة في فيلم هوليودي، كليشيه مبتذل يخرج كثيرًا من أدراج روتينيات العمل الوظيفي، عند اصطدام نجم محلي صغير بمدار كوكب «العالمية» العملاق.
ومع ذلك تربح الصيغة المبتذلة، لأن القراء يرغبون في تكرار تجربة الشريف مرة أخرى، ويعتبرونه انتصارًا فنيًا على الغرب يعوضهم عن هزائم السياسة والاقتصاد، (محمد صلاح يحقق هذا الحلم كرويا بالفعل).
لكن الواقع أثبت أن جميع الكرات الفنية التي قذفناها لمرماهم، عادت خائبة، عدا كرة عمر، الذي هز الشباك بنجوميته وشبابه، وفي سبيل ذلك شرب حتى الثمالة من كأس العالمية، بينما بعض ممن جاءوا بعده غشي عليهم من رشفات قليلة، وعادوا لاستوديوهات التصوير في بلادهم. ربما توحي النتيجة بخسارتهم، لكن المتابع لمشوار «لورانس العرب» يدرك أن خسارتهم ضئيلة مقارنة بما دفعه الشريف.
في بعض اللقاءات الصحفية يتلذذ بعض الممثلين بذكر جملة: «مكنش في بالي التمثيل والنجومية.. الصدفة لعبت دور كبير»، من المؤكد يا عزيزي القارئ أن ذاكرتك لن تخونك إذا استدعيت هذه الجملة المقررة في البرامج الفنية، على النقيض من تلك المصادفة، كان عمر الشريف، واثقا من البداية أنه سوف يكون نجمًا، القدر منحه أمًا متعلمة بعقلية متحررة، دفعها احترافها للعبة القمار للمراهنة على مصير واعد لولدها (ميشيل ديمتري شلهوب): «أنا يوم ما أتولدت قررت أمي إني هكون راجل مشهور في العالم كله، وأحلى واحد في العالم».
لم تكن ترضى له سوى بالمركز الأول، وعندما شعرت أن نجم طفلها يخبو دراسيًا، كانت تضربه، ولولا قرارها بنقله لمدرسة داخلية إنجليزية صارمة (فيكتوريا كوليدج)، لما فقد شهية أكل عائلته اللبناني، وخسر الوزن الزائد الذي غير من ملامحه، فضلًا عن اتقانه اللغات الأجنبية.
رغبة الأم في صعود ولدها للمجد، مع نبوءة عرافة تنبأت له في منتصف الأربعينات، بأنه لن يعيش في مصر، وسيحصد مجدًا وأموالًا كثيرة، جعلاه يقرر دراسة التمثيل في انجلترا، بعد انبهاره بسحر الفن في عروض المسرح المدرسي، لكن ضربات الحظ اختصرت الطريق، بدأت باقتناع المخرج يوسف شاهين أنه بطل فيلمه «صراع في الوادي»، ثم قصة الحب والزواج من فاتن حمامة، وبعد نجاحات متتالية في السينما المصرية، يفوز بدور «الشريف علي» في لوارنس العرب، هذا التسلسل لم يكن سوى البداية التي مهدت لوضع عمر ملكًا معشوقًا من نساء العالم، ونجمًا سينمائيًا يقف وسط نجوم هوليود منتصب القامة، لكن التضحيات التي قدمها في المقابل لم تكن سهلة.
عمر الشريف وفاتن حمامة
كل من تواجد في كواليس فيلم «صراع في الوادي» عام 1953، وعلى رأسهم يوسف شاهين، كان مذهولًا من القبلة الحارة بين الوجه الجديد عمر الشريف، ونجمة العالم العربي فاتن حمامة، تلك كانت المرة الأولى التي تخرج فيها سيدة الشاشة العربية عن دور الفتاة البريئة الساذجة، وغضب الجمهور من ملاكه وهو يفقد أجنحته البيضاء في عناق بشري، لكن «جو» أدرك أن وراء تلك القبلة قصة حب سوف تنتهي بالزواج.
عندما انتقل عمر الشريف إلى السينما العالمية، شعر أن أسرته الصغيرة التي كانت في القاهرة، تقف حائلًا أما جموحه في هوليوود، لم يكن يريد أن يخون فاتن حمامة مع النجمات اللاتي يمثل معهن، كان يريدهن، لكن إخلاصه وحبه لفاتن وقف أمام رغبته، ولأنه كان واضحًا ويمتلك رصيد وافر من الصراحة، أخبرها برغبته في الانفصال، بعدها ترك «نهر الحب»، وألقى بنفسه في أنهار الشهرة والمجد والأضواء، رغم حبه للحياة العائلية وكثرة الأولاد.
علاقاته النسائية المتعددة جعلته على مشارف تكرار تجربة الزواج، لكنه كان يتراجع في اللحظات الأخيرة، خاصة أنه كان يرفض أن تفسد علاقته بولده طارق إذا فرض عليه أما بديلة، وبعد سنوات قال في تصريح لـ«إذاعة مونت كارلو» عام 1999: «دفعت ثمن الشهرة باهظًا، أبعدت قسرًا عن زوجتي فاتن، وأحسست من خلال خلال تجوالي المتواصل أنني أعيش في غربة تامة»، وأضاف: «لم أعش الحب الحقيقي إلا مع فاتن حمامة، ولهذا السبب لم أتزوج ثانية».
عاش عمر وحيدًا، لم يرتح مع المرأة الأوربية والأمريكية، كان يرى أن الفتاة الشرقية تفوقت عليهن بخفة الدم ونعومتها، ووجود 1000 امرأة في حياته، فقاقيع تنتهي سريعًا، لكن إحدى تلك النزوات أرسلت إليه ولدًا غير شرعي.
رجل غني فقير جدًا
لعبة القمار التي ورث حبها عن والدته، كانت سببًا في خسارته للأموال التي ربحها من السينما، لدرجة أن ابنه طارق قال إن والده في إحدى مغامراته، خسر على مائدة اللعب حصيلة 9 شهور عمل في الأفلام، وظل أربع سنوات ما بين 1975 إلى 1979، بدون عمل، لم يكن معه قرشا واحدا، كان سيموت من الجوع، وفق قوله لصحيفة الأخبار 1988، ما اضطره لتمثيل دور في فيلم «أشانتي»، الذي أساء كثيرًا للعرب، وسبب له أزمة جديدة مع الصحافة العربية.
حاول عمر الدفاع عن نفسه، وقال: «لو كان عرض علي دور أنتوني كوين في فيلم الرسالة، ربما رفضت هذا الدور المسئ»، لكن الإغراء المادي كان كبيرًا، 100 ألف دولار مقابل 3 أيام تصوير فقط.
حاول الشريف، أن يجرب الادخار والاستثمار، رغم أن طبيعته تميل لصرف أمواله أول بأول، واشترى كازينو في فرنسا، لكن السلطات صادرت المكان لسداد الضرائب.
أنا شهير.. أنا الخائن
بعد تقديمه الفيلم المسيء «أشانتي»، وضعه العرب على القائمة السوداء 3 سنوات، لم تكن تلك أول مرة، لقد تعرض عمر الشريف لضغط نفسي كبير بعد نكسة يونيو 1967، كان مضطرًا أن ينفذ عقد احتكاره مع شركة كولومبيا، واعتبره عقد عبودية، يحصل على 15 ألف دولار فقط عن الفيلم الواحد، ومع ذلك استمر في تنفيذ الأدوار، واستثمروه في الإعلام الغربي، مثالا للعربي الذي ترك أرضه لينعم بالمجد في بلادهم.
عرف عمر تلك الحقيقة مبكرًا، ومع ذلك لم يستطع التراجع، لكن سخرية اليهود من جيش بلاده أثناء حرب 67، وفي ذات الوقت الهجوم العربي على تجسيده لشخصية اليهودي في فيلم «فتاة مرحة»، وتقبيله لبطلة الفيلم اليهودية «باربرا سترايساند»، كان بمثابة عناق حار بين طرفي كماشة (عربية – غربية) يعتصر بينهما الشريف.
حاولت وكالات الأنباء العالمية، أخذ تصريحات منه بعد مواجهته بصوره الغرامية مع باربرا، واعطوه مقالا مصريا عنوانه «امنعوا الجنسية العربية عن هذا الممثل الرقيع»، أثاروا غضبه، فقال: «أنا مصري وابني مصري، ومتمسك بجنسيتي، وبولائي لبلدي، ونجاحي في العالم نجاح لها».
كان أكثر شيء يستفز عمر اتهامه بخيانة وطنه ودينه، كم الشائعات التي روجت لخروجه عن الدين الإسلامي، جعلته يشهر إسلامه للمرة الثانية عندما أراد تأدية العمرة في السعودية، بناء على طلب المتشككين في إسلامه.
مشكلة الشريف المستمرة، كانت في تصريحاته المثيرة للجدل، لم يكن يفكر بمنطق ماذا يريد المستمع، يلقي بكلماته كما هي دون تجميل، هذه الصفة حرمته من رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي.
فور ترشيحه لهذا المنصب، صرح لـ«روز اليوسف» أنه لا يجد غضاضة في نقل المهرجان لطابا، واستضافة فناني إسرائيل، خاصة أنه عمل مع اليهود طوال 30 عامًا في الخارج، بالطبع تم سحب الترشيح بعد حملة إعلامية كبيرة، تتهم الشريف بكل صفات الخيانة والعمالة، وفتحت مذكراته الشخصية لاستخدام فقرات محددة لتشويه صورته.
كل ما سبق بعض من صراعات تعرض لها عمر الشريف، غيره كان ليتراجع ويتمسك بحلم العائلة والنجاح المحلي، لكن الرغبة المتأججة بداخله في الشهرة والأضواء جعلته يضحي بكل شيء مقابل لقب «نجم عالمي».
لا يفوتك