على بعد خطوات من نفق الملك الصالح، هدوء يسود المكان، حركة السير تقل تدريجًيا، وأصوات الآلات التي يستخدمها عمال البناء هي المُسيطرة فقط على المشهد، نظرات العاملين للزائر تؤكد أن المترددين على المكان معدودين.. المشهد السابق كان تجسيدا بسيطا لـ المقابر الإنجليزية في مصر "الكومنولث"، والتي يبلغ عمرها 110 أعوام، حيث أنشأت عام 1907 لإيداع جثث الموتى البريطانيين المتواجدين في مصر، لكن الأغرب كان احتواء هذه المقابر على موتى غير حاملين للجنسية الإنجليزية.

"دوت مصر" تجول داخل المقابر لمعرفة تفاصيل وأسرار ما يحدث خلف جدرانها.

مع طرق أقدامنا بوابة المقبرة، لاحظنا انقسام المقبرة إلى نصفين، نصف مشيد على مسطحات خضراء، ونجيل صناعي، وآخر شيد على أرض بور.. ومن هنا بدأ التساؤل لماذا يميز أصحاب هذه المنطقة عن الأخرى؟.

أحمد عبد المحسن، مسؤول عن المكان، قال إنه منذ إنشاء مقبرة الكومنولث تم تخصيص جزء منها تحت إشراف هيئة "الكومنولث"، والتي ضمت الجنود الموتى، الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية بصفوف الحلفاء، وتضم هذه المقابر جنسيات أخرى غير الإنجليزية وهي "نيوزلاندا، التشيك، الهند، وبعض الجنسيات الأخرى"، والتي تم هبتها من المصريين لهيئة الكومنولث، لإيداع جثث موتى الحلفاء البريطانيين، أما عن الجزء المشيد على الأراضي البور، يتم تخصيصه لإيداع جثث موتى "السفلين"، وهم المواطنين البريطانيين المتواجدين في مصر.

طقوس دفن الموتى

لكل دين طقوس معينة في دفن الموتى، تفسير يتفق عليه الجميع حتى أصحاب المقابر الإنجليزية، حيث أوضح "أحمد" أن طرق دفن الموتى لا تختلف عن ما هو متعارف عليه سوى في بعض الأشياء البسيطة، وعند وفاة مواطن إنجليزي تتفق أسرة المتوفي مع "الطواف" أي مسؤول مراسم الدفن على عمل صندوق خشبي بمواصفات معينة، كما يتم بناء المقبرة بطول مترين في عرض 2 متر وعمق 2 متر أيضًا، لكن الأغرب في حالات الدفن هو ما يقوم به المتواجدون أثناء دفن الميت، ومنهم من يلقي مجموعة من الورود على الصندوق الخشبي قبل وضع التراب عليه، وسط حالة من الهدوء التام، فلا يقمن السيدات بالصراخ أو البكاء كما يحدث في مصر، لكن يتعاملن مع الموقف "كأن محدش مات".

أغرب المواقف

وعن المواقف الغريبة، يؤكد المشرف على المقابر، أن هناك بعض العائلات تفتح الصندوق وتعاين جثث الموتى، وهناك من يحرص على الاطمئنان على جثث ذويهم، ومواصفات الدفن التي اتفق عليها، وهناك من يختلف بالفعل على ذلك، لكن بدون مشاجرات أو عنف.

وفي السياق نفسه، أوضح محمد السيد، أحد العاملين بالمقابر الإنجليزية، إن هناك يوما في منتصف العام يحضر فيه كبار الشخصيات الإنجليزية في مصر، على رأسهم السفير البريطاني، ويؤدي الحضور بعض الطقوس الدينية، والتي تستخدم فيها مكبرات صوت.

اقرأ أيضًا ..

هو فين دهبك يا مصر؟.. آلاف القطع الذهبية في حيازة «32 مصريا» فقط

شاهد| «المقابر السويسرية».. 120 عاما من العزف على أجساد الموتى