مخرجة وكاتبة"Afterwards" : الفيلم يغوص فى أعماق اليهود والألمان والفلسطينيين
فى رحلة بدأتها من ألمانيا ومرت فيها عبر إسرائيل وفلسطين، ذهبت المعالجة النفسية الأمريكية أوفرا بلوخ نحو الغوص فى أعماق ضحايا الحروب والصراعات.
بلوخ التى تحمل بداخلها مشاعر مختلطة كطفلة تربت فى كنف عائلة ناجية من المحرقة النازية وفى الوقت ذاته تشعر بالمسئولية نحو الشعب الفلسطينى كإسرائيلية خدمت فى الجيش عام 1968، دفعتها تجربتها الشخصية لرغبة شديدة نحو الحوار عن القرب مع ابناء جلادى اليهود ومع الضحايا الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلى.
فى عام 2012 قررت بلوخ، التى ولدت فى القدس وتعيش فى الولايات المتحدة منذ 40 عام وهى متخصصة فى علاج الصدمات،الذهاب نحو استكشاف العقبات النفسية التى تعترض طريق السلام فى الشرق الاوسط ومضاهاة الآثار النفسية التى تركتها كلا من المحرقة النازية على اليهود والعنف الإسرائيلى على الفلسطينيين والأجيال المتعاقبة لكلا الشعبين، وتوثيق ذلك عبر عمل مصور حى يرصد سلسلة الخوف والكراهية التى تتوارثها اجيال وكيفية انتقال آثار الصدمات من جيل لآخر. من خلال فيلمها " بعد ذلك Afterward" تسعى بلوخ لفحص الجروح السرية التى يحملها الضحايا وكذلك الجلاد الذى كان قبلا ضحية.
نظرًا لأنها ضحية في ألمانيا ومرتكبة الجريمة في فلسطين، فإن بلوخ قررت مواجهة من تربت على كراهيتهم والخوف منهم، من خلال بحثها لفهم حكايات الهولوكوست والنكبة، والمقاومة العنيفة وغير العنيفة، وإمكانية المصالحة فى فيلها "Afterwards". الفيلم الذى سيتم عرضه فى تل أبييب الشهر المقبل، وعرض قبلا فى العديد من المهرجانات الدولية والمحلية، تم عرضه فى جمعية مراسلو الأمم المتحدة فى نيويورك، الشهر الماضى، حيث ألتقى "دوت مصر" مع صناع الفيلم وحظى بلقاء خاص مع كاتبته ومخرجته اوفرا بلوخ، والتى كشفت عن الكثير من رحلتها للأراضى الفلسطينية المحتلة، كما كشفت عن الكثير فيما يتعلق بفترة خدمتها فى الجيش الإسرائيلى والتى شملت حرب الاستنزاف فى مواجهة الجيش المصرى، لتكشف أيضا عن قناعتها منذ اندلاع الحرب بأن سيناء أرضا مصرية خالصة وأن ما تم الاستيلاء عليه من أراضى فلسطينية هو احتلال. وإلى نص اللقاء:
بداية ما الذى قادك إلى رحلة فيلم "Afterward"؟
الفكرة التى تقع فى قلب الفيلم جاءت من شعورى بالحاجة إلى الاستماع إلى اولئك الأشخاص الذين لم ألتقهم قبلا قط (الاستماع إلى الألمان الذين يشعرون بالمسئولية حيال ما حدث لليهود على يد النازيين وإلى ابناء الناجين من النازية وإلى الضحايا الفلسطينيين). اردت التركيز اولا على الجيلين الثانى والثالث من ضحايا الهولوكست، كما كان هدفى الأساسى من إنتاج فيلم حول مقابلاتى مع الجيلين الثانى والثالث من احفاد الجناة الألمان هو الرغبة فى التخلص من مشاعر الخوف وشيطنة الألمان. بعد انتهاء التصوير فى المانيا وعودتى، بات واضحا أنه كان على لقاء مجموعة أخرى من "الآخرين" الذين تربيت أيضا على الخوف منهم، وهم الفلسطينيين.
ما افعله مع مرضاى هو الجلوس والاستماع إليهم دون القفز إلى احكام أو استنتاجات لذا ادخل واندمع مع تجارب الآخرين واتعاطف معهم مما يجعلهم يشعرون بالراحة وهذه هى بداية "الحوار". أعتقد أن كل شخص لديه الحقيقة، وهناك مكان لأكثر من حقيقة واحدة وينبغى على الناس ان يتعرفون حقًا على بعضهم البعض. ما نحتاجه هو الحديث معا والاستماع لبعضنا، هذا هو الجذر والطريق إلى المصالحة.
ذهبتى إلى الفلسطينيين فى اراضيهم للحديث معهم عن قرب ولم تكن هناك علاقة مسبقة.. ألم تخش من أن يتم طردك أو التعامل معك بعنف من قبل أحد عائلات الضحايا؟
لم اشعر بالخوف من ذلك فهذه ليست المرة الأولى التى ألتقى فيها بفلسطينيين، لكن هناك مكان وحيد الذى شعرت فيه بالخوف وهو المدينة القديمة بالقرب من بوابة مسجد وكان يوم جمعة بينما بدأت قبلها بأسبوع ما يسمى بانتفاضة السكين عام 2016. كنت على وعى بأنه ربما يتم التعرف عليها واستهدافى وأتذكر أننى ابلغت المنتج، الذى كان فلسطينيا من القدس الشرقية، أن يتحدث إلى بالإنجليزية وليس العبرية حى لا يعتقد أحد اننى إسرائيلية، ومع ذلك لم يكن ذلك نابعا من شعورى بالخوف من الفلسطينيين وإنما من واقع (الغضب) الذى كان يجرى فى ذلك الوقت.
قلتى فى فيلمك انك تربيتى على الخوف من الفلسطينيين، فلماذا لم تشعرى بالخوف عندما ذهبتى إليهم؟
الامر لا يتعلق بعلاقة شخص لشخص، لكن ربما أكون أنا رمزا للاحتلال ومن ثم أصبح هدفا. نعم شعرت بالخوف أحيانا لكن ليس دائما. وبالمناسبة كان هناك جنود إسرائيليين ينتشرون فى كل زاوية وهو ما لم احبه، لا احب الوجود العسكرى فى الحياة اليومية رغم أنهم كانوا يحمونى. عموما لا يوجد أبيض واسود.
ما هو التأثير الذى تركه عليك الفيلم؟
لقد كانت رحلة استغرقت ست سنوات، وكنت سعيدة بأنها تسير ببطئ لأننى أنمو معها. التأثير بدأ من نقطة اهتمامى الأساسية وهى "انتقال الصدمة بين الأجيال"، لذا فأنا دائما اركز على ما يشعر به ابناء واحفاد الضحية. كان صيف 2012 عندما استيقظت ويدور فى عقلى تساؤل بشأن تجربة وشعور ابناء الجناة وتأثير هذا التاريخ عليهم، ثم ادركت أنه ما لم اذهب للتعرف عليهم والحديث معهم عن قرب فإن الخوف والكراهية سيتواصلوا وينتقلوا من جيل لآخر إلى الابد، فدائما ما تنبع الكراهية من الخوف.
قررت الذهاب إلى ألمانيا للقاء ابناء الجناة ممن يتعاملوا بالفعل مع ما حدث لليهود وليس أولئك الذين قالوا انسوا ما حدث. لم أراهم قط مذنبون لكننى أردت أن اعرف ماذا يعنى لهم ما حدث. عندما عدت أدركت أن القصة ليست مكتملة، لأنه الألمان مجموعة واحدة ممن تربيت على الخوف منهم، إذ ان هناك مجموعة اخرى تربيت ايضا على الخوف منهم وهم الفلسطينيين، كان الإرهاب مبررا قويا للخوف وبالطبع كنت اشعر بالخوف لكن ماذا بعد؟ ماذا يقبع بالاسفل؟ ما هو شعور شعب تحت الاحتلال؟