التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 06:43 م , بتوقيت القاهرة

في رحاب وحوي ياوحوي.."دوت مصر" يحاور شاعر الحلمنتيشي

كتبت- رانيا علي فهمي:

     كاتب ساخر لقب بشاعر "الحلمنتيشي"، فضل أن يسمى نفسه "العائش على الهامش ياسر بن قطامش"، أبدع في تسليط الضوء على الواقع الذي يمر به المواطن المصري، بلغة سلسة تحرك العقل، وترسم ابتسامة على وجه "الغني والشقيان".

ومع غياب ألف ليلة وليلة، التي كان ينتظرها المشاهد بشغف خلال شهر رمضان المبارك، قدم "قطامش" كتاب "وحوي يا وحوي"، الذي يضم بين صفحاته أسرارا وحكايات عن رمضان من العشرينات للسبعينات.

التقى "دوت مصر" بشاعر الحلمنتيشي، للإبحار في تاريخ مصر القديمة، والتعرف على الطقوس الرمضانية الأصيلة، وأسباب وجود فجوة بين الماضي والحاضر، في الإحساس والشعور بالسعادة والرضى وكيف طغت المادة على الروحانيات.

- المهنة مهندس واشتهرت بالشاعر الحلمنتيشي.. هل أضاف أم أخذ من شخصيتك؟

في صغري حلمت بأن أكون شاعرا رومانسيا، لكن بدون ترتيب وجدت نفسي وأنا أدرس الهندسة أكتب الشعر الساخر، والحمد لله تميزت به بدون إسفاف أو ابتذال ولم يتعارض مع مهنتى، قد يرى البعض أنه طريق للشهرة السريعة، إلا أن اللغة العربية ثرية وبها الكثير من الألفاظ الجاذبة لأذن المتلقي، بلا استهانة بعقليته، أو استهداف لتدمير ذوقه.



- "وحوي يا وحوي" رصد لطقوس رمضان منذ العشرينات.. كيف بدأت الفكرة؟

جاءتني فكرة الكتاب بدون ترتيب، فبعد أن كتبت في الأهرام على مدار سنوات مجموعة من المقامات الأدبية، والأشعار الفكاهية الساخرة، وجدت أن مكتبتي الخاصة تحتوي على كنز من الصور الخاصة بشهر رمضان حصلت عليها من مجلات وكتب قديمة.

وبما أنني عاشق لكل ما يحمل عبق التاريخ، وإدراكي بأن الناس أصبحوا يفضلون الصورة والمعلومة السريعة أكثر من قراءة الموضوعات المطولة، اقترحت على سعيد حلوي رئيس القسم الديني في الأهرام، نشر صورة يوميا خلال شهر رمضان مع تعليق صغيرحول أصل الصورة.

ثم جاءت فكرة نشر هذه الصور والمعلومات الخاصة بها في كتاب، ليكون بمثابة مرجع صغير عن الشهر الفضيل، تم تصنيف الصور من العشرينات وحتى السبعينات، حيث أجد لذة في استدعاء ذكريات رمضان الجميلة في هذه الفترات وبين رمضان الآن.



- ما قصة نقابة المسحراتية والإمساكية الرمضانية؟

كان للمسحراتي قديما "شنة ورنة"، فالكبار قبل الصغار كانوا ينتظرون طبلته وصوته، وهو ينادي على أسمائهم، بدأت قصة نقابة المسحراتية في رمضان 1368 هـ 1949 م، عندما نشرت مجلة الاثنين صورة طفل يمسك طبلة ويرتدي طرطورا ويؤدي شخصية المسحراتي، مع حديث للحاج عبد النبي شيخ المسحراتية، حيث جمع أبناء طائفته في حي السيدة نفيسة، ووزعهم على أحياء القاهرة، وترحم على بركة وكرم أهل زمان.

وطالب حينها الشيخ حسن مسحراتي الصنادقية بالأزهر بإنشاء نقابة للمسحراتية، وتنبأ أن يأتي يوم يستغني فيه الناس عن المسحراتي، وظهرت أول إمساكية رمضانية، سنة 1846 في نهاية عهد ولي النعم محمد علي باشا، بهدف تهنئة الرعية بحلول الشهر الكريم، وطبعت في جريدة الوقائع المصرية، لتظهر وتختفي بين الحين والآخر، حتى انتظمت في الصدور في العشرينات، وأيضا كانت وسيلة للتهنئة بحلول الشهر الكريم.



- ما صور العمل الاجتماعي في العشرينات؟

مصر في العشرينات كانت بحاجة أيضاً للتكافل الاجتماعي، والذين أدركوا أو سمعوا عن رمضان خلال هذه الفترة، يعرفون جيدا موكب السلطانة ملك، أرملة السلطان حسين كامل، التي كان ينتظرها الغلابة في شهر رمضان المبارك، تنتقل في عربة الخيل المعروفة بـ"الكوبيل" المبطنة بالحرير، واضعة اليشمك الأبيض على وجهها، وفي حقيبتها أكياس الحرير في كل منها عشرة ريالات ذهبية، والتي توزعها على الأطفال والمحتاجين، ولم تقطع عادتها حتى توفيت في الأربعينات، وقد تجاوزت الثمانين من عمرها، لتكون مثلا صادقا للتكافل الاجتماعي.



- ليالي رمضان للعبادة.. فما قصة "تسالي الصيام"؟

المصري زمان كان يميز بين شهر رمضان وغيره من الشهور، في كل شيء حتى التسلية، فقبل آذان المغرب، وبعد صلاة التراويح، كانت تسلية الصائم كان يقرأ مجلة "الرسالة" الأسبوعية، لصاحبها ورئيس تحريرها أحمد حسن الزيات، أو مجلة "الصباح" لصاحبها مصطفى القشاشي.

وفي عام 1354 هـ 1935م اشتهرت حفلات الأستاذ المسيري أكبر كوميك بربري، بينما البعض كان يحرص على حضور الحفلات التمثيلية خفيفة الظل، التي تراعي ميول الشعب، وتمثل الحياة المصرية بأدق تفاصيلها، منها "بلد الحبايب، القاضي عمر".



- الراديو.. حكاية رمضانية لا تنتهي؟

كان الراديو كان أكبر غاية يحصل عليها المواطن، فحتى الآن يعد من أفضل وسائل تحريك الخيال، فحرص على سماع الموشحات والبرامج الإذاعية، لنذكر تمثيلية ست الملك لزكريا الحجاوي قبل الإفطار، ثم أغنية "قيدوا الفوانيس" ثم حديث الصيام لفضيلة الشيخ محمود شلتوت، ثم قرآن المغرب للشيخ محمد رفعت.

وعلى الإفطار كان الصائمون يرددون الابتهالات والأغاني الرمضانية، ويشتركون في حل فوازير آمال فهمي، وينصتون لألف ليلة وليلة، ثم البرنامج البوليسي، ويختتمون سهرتهم بالمسحراتي لبيرم التونسي، ليناموا بعد صلاة الفجر من مسجد الحسين، ويستيقذوا بنشاط وحيوية وروحانيات رمضانية.



- أين ذهبت روح اللمة المصرية في رمضان 2014؟

بعد لحظات تمسك فيها "قطامش" بروح الزمن الجميل، قال: في الماضي كان التواصل الاجتماعي أقوى بكثير، وبالتالي الروحانيات والمشاعر كانت تتسم بالصفاء والتعبير المباشر والمصداقية، بالتأكيد أن ترى وتسمع شخص يهنئك بحلول الشهر الكريم، بكل حميمية وابتسامة عريضة، سيكون تأثيرها أفضل بكثير من أن تسمعه فقط عبر الهاتف ولو لساعات.

اليوم أصبحت التهنئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال شاشة صماء، حتى أنك قد تتلقاها من أشخاص ربما لا تعرف منهم إلا اسم إذا لم يكن وهميا، كما يكتفي كثيرون بوضع صورة وعبارة متكررة، بشكل أدى تدريجيا لجمود المشاعر، والروحانيات، وتحولها لمجرد كلمات جامدة.



- هل هناك علاقة بين الأعمال الفنية وإنسانيات شهر رمضان؟

المصري بطبعه عاشق للجمال، والفن تجسيد لهذا الجمال، والعمل المتقن يسلط الضوء على السلبيات، من خلال لمسة إبداعية لا تدخل المشاهد في هذه الأجواء الكئيبة، خاصة في شهر نتلهف عليه من العام للعام، لنتقرب لله عز وجل، ونحتفل، ونستمتع بعبق التاريخ، في أجواء من المتعة والإبهار، في الإخراج والتصوير واختيار الملابس المتناسبة مع الشهر الكريم.

إلا أن هذا كله توارى خلف السعي للماديات، حتى المسلسلات الدينية، تعرضت لإقصاء غير مسبق بحجة الإنتاج، والإقبال الجماهيري، لتتحول ليالي رمضان على شاشة التليفزيون لحالة من الكآبة.

أين ألف ليلة وليلة، المكتوبة بطريقة جذابة وممتعة، مع هذا الكم من القيم الإنسانية الغائبة عن مجتمعنا، غابت الكوميديا الراقية التي تمزج الضحكة بالنقد الهادف واللغة المهذبة، من خلال "سمسمية" لسيد الملاح، "سيد وحرمه" سهير البابلي والملاح، مسلسل "عادات وتقاليد" الساخر للفنانة عقيلة راتب، وفي الإذاعة "شنبو في المصيده" لشويكار وفؤاد المهندس، ليالي الحلمية.

- ما معايير اختيار مسلسلات رمضان بين الماضي والحاضر؟

الفارق جوهري، صحيح في الماضي كان يقدم حوالي 5 مسلسلات، كان يتم اختيار المسلسلات بحيث تكون مصدر دخل مادي، بشرط أن تحتوي على المتعة والإبهار، والتغذية الروحانية والثقافية بما يتناسب مع الشهر الكريم، واحترام الذوق العام، فالستينات والسبعينات كانت أكثر بساطة وروحانية وجمالا، أما اليوم أصبح المسلسل أقرب للفيلم التجاري الهابط، حتى مع القصة الجيدة، لنجد أنفسنا بحاجة لوقفة مع الذات لاختيار ما يليق بالشهر الكريم، لنعود ونردد بسعادة "وحوي يا وحي".