التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:48 م , بتوقيت القاهرة

Spectre - أشباح الماضي تطارد بوند 2015

بصفة عامة لست من المعجبين للدرجة بفيلم بوند السابق سكايفول Skyfall 2012 رغم قائمة مميزاته المهمة، وعلى رأسها التصوير الفريد لـ روجر ديكينز. أغلب النقاط التي أشاد بها الغالبية أكثر، ومنها مثلا أداء خافيير بارديم لدور الشرير، أراها في الحقيقة نقاط ضعف. 


رغم هذا حقق الفيلم تأثير درامي وعاطفي قوي يصعب انكاره، بفضل مشاهد بوند مع M (جودي دينش) بالأخص. وانتهى أيضا باكتساح لشباك التذاكر كأنجح أفلام السلسلة عالميا، بأكثر من 1.1 مليار دولار، محققا ضعف ما حققه أى فيلم سابق لـ دانيال كريج. بالاضافة الى فوز بجائزتين أوسكار (أغنية - مونتاج صوتي) من أصل 5 ترشيحات. 


كيف يمكن المتابعة اذا بعد فيلم وصل فيه 007 للقمة (على الأقل بلغة الأرقام)؟


بوند يعود في سبكتر Spectre مع نفس المخرج (سام منديز) ونفس طاقم السيناريو. والشىء الجيد - أو السيىء من منظور البعض - بخصوص الفيلم الجديد، أنه لا يحاول استنساخ نفس التأثير الدرامي لسابقه كهدف أول، بقدر ما يحاول اعادة المسار لنوستالجيا أفلام بوند في الستينات، مع أول نجومها شون كونري.



لمسة النوستالجيا تظهر مبكرا مع افتتاحية فوهة المسدس الكلاسيكية الشهيرة للسلسلة Gun Barrel، قبل أن يصحبنا منديز مع عدسات مدير التصوير الجديد هوتي فان هويتيما، الذي قدم مؤخرا Interstellar، لأحد أفضل مشاهد ما قبل التترات في تاريخ بوند.


اقرأ أيضا: لماذا أصبح Interstellar الأول في مصر 2014 رغم كونه العاشر عالميا؟


المشهد تم تنفيذه ليبدو بدون قطع مونتاج ملحوظ One Take. الكاميرا تتبع شخصين وسط ألاف البشر وسط شوارع نيو مكسيكو، قبل أن يبدأ بوند (دانيال كريج) مواجهة شرسة جدا مع خصومه.


البداية الواعدة جدا للأسف لا يتبعها باقي الفيلم ما يليق بها، خصوصا مع أغنية سام سميث الضعيفة Writing's On The Wall التي تظهر بعدها مباشرة، مع تصميم تترات باهت التأثير يليق بها. من حسن الحظ رغم هذا، أن الأغنية التي كرهها ملايين منذ ظهورها قبل عرض الفيلم بأسابيع، تظل فعلا أضعف عناصره ككل. 



بوند هنا لا يزال بنفس طابعه الجدي الذي بدأه دانيال كريج، في كازينو رويال Casino  Royale 2006. وصراعه هذة المرة خاص بمنظمة الشبح Spectre. الكيان الشرير الأخطبوطي الذي عرفته السلسلة منذ بداياتها في الستينات، قبل أن يختفي من منتصف السبعينات حتى الأن، بسبب صراعات قانونية على حقوق الملكية.


بوند ورفاقه من فئة الصفرين على وشك الاقالة أيضا، بعد أن قررت الحكومة الاعتماد أكثر وأكثر على أنظمة المراقبة والتجسس الالكترونية، في قرار يجعل مواجهته الجديدة أصعب وأصعب، وبدون دعم حقيقي. الإطار يطابق بالمناسبة بشكل كبير، حبكة أخر أجزاء مهمة مستحيلة Mission: Impossible - Rogue Nation للمخرج كريستوفر ماكويري، وتوم كروز.


على مدار الفيلم تعود كل ثوابت 007 المعتادة. الجميلات.. مطاردات السيارات.. الأسلحة السرية التي يبتكرها كيو.. الحوارات الاستفزازية لبوند مع رؤسائه.. مقر الشرير الهائل الحجم. لكن كل شىء تم اعداده هذة المرة ليلامس الأفلام القديمة بالأخص.


على سبيل المثال المصارع السابق ديف باتيستا يظهر هنا في شخصية تم اعدادها لتماثل شخصيات Oddjob - Jaws التي ناقشناها في محطات السلسلة السابقة. الثور صاحب القدرات البدنية والقتالية الغريبة، الذي لا يتحدث، ولا يتأثر بضربات بوند نهائيا. هذة المرة تم طبعا اعداد الشخصية بشكل جدي، يليق ببوند المعاصر الأكثر جدية. 


ديف باتيستا - أشرار بوند السابقين


حضوره الجسدي مميز، خصوصا مع فارق الحجم الهائل بينه وبين كريج. أقوى مشاهد أكشن ومطاردات في الفيلم يظهر فيها. ولمزيد من النوستالجيا لعشاق السلسلة، لاحظ أن مواجهته الأشرس مع بوند، تحدث في نفس مكان الصراع الشرس، في فيلم من روسيا مع حبي From Russia with Love 1963. 


نفس الشىء يمكن قوله عن كريستوف والتز، في دور الشرير البارد الطباع من بوند الستينات. والتز يظهر أحيانا حتى بنفس الرداء المميز. رغم هذا وكما توقعت لم يكن وجوده هنا مفيد للفيلم، بسبب المقارنة الحتمية مع دوره الأفضل والأكثر تميز، كالشرير الرئيسي في فيلم تارنتينو Inglourious Basterds 2009.


اقرأ أيضا: تارنتينو.. الثمانية المكروهون بعد السبعة الرائعين


نوستالجيا حقبة كونري تظهر في لمسات أخرى كثيرة سيلاحظها البعض، ومنها مثلا طبيعة تسليح ومعدات السيارات. القطط البيضاء تعود للظهور أيضا!



وللمرة الثانية بعد سكايفول، يثبت سام منديز أنه غير موهوب للدرجة في توظيف الشخصيات النسائية في أفلام بوند، مقارنة بباقي أفلامه. مونيكا بيلوتشي تخطف الأنفاس كالعادة بحضورها الأنثوي، رغم مشاهدها المعدودة. لكن مشهدها الأهم مع دانيال كريج، تم اخراجه بشكل مصطنع وفج، ويمكن اعتباره مشهد الغزل الأسوأ لـ كريج في السلسلة ككل.


ليا سيدوكس فازت بمساحة زمنية أكبر، وبذلت جهد لا بأس به في البداية لصياغة شخصية مميزة وسط فتيات بوند، لكن لم يسمح لها السيناريو والحوار بعد ذلك، بالحفاظ على نفس المستوى، وانتهت بدون بصمة قوية تصمد في الذاكرة.


لمسة الرومانسية القوية المُستهدفة بينها وبين بوند، لم تتكرر في تاريخ السلسلة كلها ربما سوى مرتين. في خدمة صاحبة الجلالة On Her Majesty's Secret Service 1969 ومؤخرا في كازينو رويال Casino Royale 2006. لكن درجة التوافق والانسجام بينها وبين كريج، لم تكن بنفس قوة إيفا جرين، الأكثر موهبة وحضور على كافة المستويات. 


في المقابل فاز كيو خبير الأسلحة السرية واختراق الأنظمة، بعدة مشاهد جيدة. يمكن القول أن الشخصية تم توظيفها باحكام هذة المرة، وبشكل استفادت فيه من ممثلها الموهوب بن وشو. على العكس منه لا يزال M الجديد (راف فينيس) يبحث عن هوية مميزة في ظهوره الثاني. ولم يسعفه بالتأكيد المقارنة الحتمية مع جودى دينش، التي ارتبط بها جمهور السلسلة على مدار 7 أفلام.  



أزمة منديز كمخرج في الأكشن تتواصل هنا، ويمكن تلخيصها في نقطتين رئيسيتين. الأولى الاعتماد القوي على الجرافيك الغير مقنع أحيانا، ولاحظ ذلك مثلا في تفاصيل ورتوش مشاهد انهيارات المبانى. الثانية أنه لا يتمتع نهائيا بالحس السادي أو العنيف المطلوب لأكشن أفلام بوند.


مشهد القتال اليدوي مثلا مع الثور الضخم، تم تنفيذه باحكام من حيث التصميم والمونتاج. لكن بالمقارنة مع مشهد مماثل في كازينو رويال، يتضمن صراع على سلالم فندق يتضح الفارق. في الأخير تصاعد أقوى وتكسير عظام حقيقي، ونهاية عنيفة مقنعة. 


نفس الشىء يمكن ملاحظته في مشهد مطاردة السيارات هنا. سريع ومثير لكن يبدأ وينتهي بدون تصادمات حقيقية بين الطرفين، أو مواجهات فعالة شرسة تحقق اشباع. بالمقارنة مع مطاردة البداية الشرسة الممتازة في Quantum of Solace 2008 يتضح نفس الفارق. 


وبالطبع تبدو الصورة هنا أقل جاذبية بعد غياب مدير التصوير روجر ديكينز. الشىء المبهج في هذة الملاحظة، أن فارق الجودة بين سكايفول (تصوير ديجيتال بالأساس) و سبكتر (تصوير على خام نيجاتيف 35 ملم)، يثبت عمليا أن الديجيتال لا ينتج بالضرورة صورة أقل سحرا، وأن المسألة مرهونة بالخبرات البشرية قبل أى شىء.  



فريق ادارة الانتاج والملابس والديكورات وخلافه، قام بمهمتة بشكل فعال، يليق باسم السلسلة وطابعها الأرستقراطي، وبفيلم تكلف ما يقرب من 300 مليون دولار. وستلمح فارق ضخم بين سلسلة عريقة بخبرات فريق انتاج 007 وبين سلاسل معاصرة من نوعية Fast & Furious في هذة الجزئية. 


اقرأ: نفس الفيلم.. ورقم مختلف في Furious 7
 
رغم هذا تبدو محاولة استدعاء مرح بوند القديم، في فيلم بوند 2015 أقل فاعلية مما ينبغي. ومن سوء حظ سبكتر، أن 2015 شهد عرض فيلمين مهمين نجحا بدرجة أكبر في نفس المهمة. وأعني بالطبع:
1 - بوند الستينات بتوابل الألفية في Kingsman: The Secret Service
2 - The Man from U.N.C.L.E - الحرب الباردة في أشيك حالاتها


دانيال كريج يضع على 007 بصمته المميزة للمرة الرابعة، لكن بشكل أقل حماس نسبيا مما بدأ. فارق كبير بين أدائه الحركي الفعال، في أول مطاردات كازينو رويال، وبين مشاهده هنا، التي يتحرك فيها أحيانا كعارض أزياء، أكثر منه كمقاتل شرس. 



على كل يمنحه الفيلم اطار أكثر أناقة من كل ما سبق، مع بذل ونظارات شركة Tom Ford التي دفعت بالتأكيد مبلغ ضخم، لتنال شرف الدعاية على يد أكثر الشخصيات السينمائية شهرة من حيث الأناقة. والى حد ما نجح الفيلم في ضخ جوانب مرحة نسبيا للشخصية. لاحظ ذلك مثلا في مشهد استجوابه لأحد المُقتحمين: (من أنت ومن أرسلك؟).


رغم ما يشاع حاليا عن احتمالات انسحابه من الدور بعد Spectre أرجح العكس. أعتقد أنها مجرد تصريحات دعائية لجذب الجمهور للمشاهدة باعتباره فيلم الوداع. خاصة مع لمسات الاعداد الواضحة جدا في الأحداث، لفيلم تالي مرتبط بـ Spectre، وعقده كممثل الذي يتضمن منذ البداية 5 أفلام.  


أتعشم أن يتم تغيير المخرج في الفيلم الخامس لتجديد الدماء. وأن يفوز دانيال كريج بختام عظيم يليق ببدايته القوية جدا في السلسلة. بقى أن أذكر أن الموسيقى التصويرية - كارت بوند - تم هنا صياغتها بشكل جيد كعادة توماس نيومان، رغم التوظيف الهادر المُقحم أحيانا في بعض المشاهد، وهى نقطة لا تخصه كموسيقار بالطبع. 


Spectre رغم عيوبه يظل اضافة جيدة وفعالة، لسلسلة أكشن بمعالم اتقان يصعب انكارها. الثلث الأخير أضعف الفيلم الى حد كبير، ويتضمن سلوكيات غير مفهومة من الشخصيات. والعمل ككل يفتقد للأثر الدرامي لـ سكايفول، أو الطابع الحاد والعلاقة الرومانسية التي منحت كازينو رويال أثره الخالد. لكن يظل في النهاية بجودة تنفيذ تضمن تسلية عالية لعشاق بوند الحالي (1)، وبوند القديم (2)، والأكشن بصفة عامة (3).  



باختصار:
أقرب أفلام دانيال كريج لبوند الستينات، مع لمسات نوستالجيا قوية جدا لعشاق السلسلة، في عمل يصعب اعتباره ضمن أفضل أفلام 007 لكن يظل بالتأكيد ضمن أقوى أفلام الأكشن في 2015. 


اقرأ أيضا في ملف 007:
1 - Goldfinger - فيلم بوند الذهبي في حقبة شون كونري
2 - The Spy Who Loved Me - فيلم بوند الذهبي في حقبة روجر مور
3 - Licence to Kill - رخصة بوند المسحوبة من تيموثي دالتون
4 - GoldenEye - فيلم بوند الذهبي في حقبة بيرس بروسنان
5 - شون كونري.. النسخة الأصلية من 007
6 - أفضل 10 أغان في أفلام جيمس بوند


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك