التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:00 ص , بتوقيت القاهرة

هزة ثقيلة الوزن في ميدان الجاسوسية مع Spy

في عالم لا تنتهي صراعاته الدولية، ستظل للجاسوسية رونقها الجماهيري، خصوصا مع التطور التكنولوجي المستمر. وكالعادة ستظل السينما تقتبس بجدية من كل عنصر له رونق جماهيري لتحقيق أرباح. وكالعادة أيضا سيسخر آخرون من هذه المعالجات الجدية، لتحقيق أرباح مماثلة!


أفلام الجاسوسية نالت حظها الوافر من السخرية. بطلها الأشهر جيمس بوند، سخر من نفسه بنفسه في نسخة 1967 الكوميدية من Casino Royale. عشرات المحاولات الأخرى حققت نجاحا ومنها على سبيل المثال في العقود الأخيرة سلاسل Austin Powers - Johnny English  وأفلام مثل Spy Hard 1996.



بوند لا يزال الأيقونة الأنجح في سينما الجاسوسية، ولهذا يتلقى ضربات السخرية الأكبر. فيلم جاسوسة Spy لا يشذ عن هذه القاعدة، ويعتبر فيلم الجاسوسية الكوميدي الثاني المقتبس من عالم بوند لشركة فوكس في 2015، بعد أن قدمت في فبراير الماضي خلطة ممتازة ومتوازنة من الأكشن والكوميديا في Kingsman: The Secret Service، أحد أفلامي المفضلة خلال العام.


اقرأ أيضا: بوند الستينات بتوابل الألفية في Kingsman: The Secret Service


البطل هذه المرة أنثى (ميليسا مكارثي)، في العمل الثالث لها مع المخرج بول فيج، بعد Bridesmaids 2011 الذي نالت عنه ترشيحا للأوسكار كأفضل ممثل مساعدة، و The Heat 2013 مع النجمة ساندرا بولوك، الذي حقق نجاحا تجاريا ضخما.



سوزان كوبر (ميليسا مكارثي) موظفة مكتب سمينة في المخابرات المركزية الأمريكية، مهمتها تقديم الدعم الفني والتكنولوجي من خلف الكمبيوتر لعملاء الميدان، وأهمهم الوسيم برادلي فاين (جود لو) المفتونة به. بعد عملية فاشلة لبرادلي لاصطياد منظمة إرهابية تملك قنبلة نووية، يتضح لمديرة المخابرات أن قيادات المنظمة تعرف كل عملاء الميدان بلا استثناء، وأن الفرصة الوحيدة لاصطياد المنظمة والقنبلة النووية، تكمن في ترقية سوزان كوبر غير المعروفة للأعداء، للتخفي والعمل كعميلة ميدان، رغم ضعف إمكانياتها.


خبرة المخرج بول فيج السابقة في التعامل مع ميليسا مكارثي، أثمرت هنا عن سيناريو يناسب قدراتها وطاقاتها الكوميدية، بشكل أفضل من كل ما قدمته من قبل. الفيلم هو أول سيناريو يكتبه فيج بنفسه لها، وعلى العكس من القالب المعتاد لكوميديا (جاسوس بالصدفة)، يغير هنا فيج اللعبة نسبيا، لتسير الأحداث بشكل تصاعدي، وتصبح السخرية أيضا ممن يسخرون من سوزان، أكثر من سوزان نفسها.



للعبة بُعد جماهيري واضح، لأن سوزان في النهاية بعيدا عن عالم الجاسوسية بالأخص، نموذج لملايين الموظفات الإناث متوسطات الجمال، في منتصف العمر، اللاتي لا يهتم بهن أحد، رغم كونهن شعلة نشاط مستمرة في العمل، ومصدر رعاية ودعم معنوي لا ينضب لزملائهم.  


ووسط كل المغامرات والمطاردات، تظل عين فيج كمخرج وسيناريست باستمرار أكثر تركيزا على الشخصيات. وعلى عكس العديد من الأعمال الكوميدية، لا يترك الشخصية الرئيسية لتصبح محور الاهتمام ومركز الكوميديا الوحيد. كل شخصيات الفيلم بلا استثناء لها رونقها الكوميدي اللطيف وجاذبيتها، بما فيها الأشرار.



"جود لو" يقدم بنجاح وبالبدلة التوكسيدو دور بوند من الألف للياء باستثناء الاسم، بينما تُقدم الجميلة روز بيرن بطريقتها دور الأنثى الشرسة العنيفة، بشكل لا يخلو من كوميديا. التألق يمتد لطاقم الأدوار الثانية المغمورين وعلى رأسهم ويل يون لي، في دور عميل بلكنة أوروبية يساعد البطلة، لكن المفاجأة الحقيقية للفيلم من حيث التوظيف الكوميدي الممتاز، جاءت مع نجم الأكشن جيسون ستاثام!


ستاثام يخطف الأضواء في كل مشهد له، بفضل أداء يسخر فيه بشكل كاريكاتيري من نفسه، ومن تاريخه الطويل في أفلام الأكشن والمبالغات فيها، لدرجة أنه يسرد في أحد الحوارات، وصف هزلي ساخر لمغامرات ومواقف سابقة لشخصيته في الفيلم. الطريف أن كل موقف يسرده رغم هزليته وابتذاله، يطابق بالفعل مشهد أكشن قدمه في أحد أفلامه!



شخصية العميل الواثق جدا من قدراته الفذّة ومن ضحالة الآخرين بالمقارنة، تتشابه إلى حد كبير مع شخصية المفتش كلوزو في أفلام بيتر سيلرز القديمة. الدور كتبه فيج لـ ستاثام خصيصا بأحكام، والمؤكد أن تألقه فيه سيجتذب آخرين مستقبلا، لتوظيف ستاثام في الكوميديا. دوره هنا قد يكون طوق نجاة لمستقبله الفني، بعد أن حبس نفسه في شخصية ثابتة، وكررها عشرات المرات كما فعل مؤخرا في Furious 7.


اقرأ أيضا: نفس الفيلم.. ورقم مختلف في Furious 7


إخراج مشاهد الأكشن والمطاردات جيد، ومنسجم جدا مع الإطار الكوميدي دون تصنع. في أحد المشاهد أجاد فيج عمله كمخرج كوميديا أكثر وأكثر، وسرق تركيبة أكشن جاكي شان (قتال شرس بأدوات غير قتالية). لا يعيب أداء فيج عامة كسيناريست ومخرج، سوى إضافة لمسات سخيفة لا داعي لها مثل وجود فئران في مكتب العمل، وضعف نسبي في الربع الأخير من الفيلم، الذي يلجأ فيه بتصنع للأسف لبعض الأكليشيهات السهلة المكررة، من نوعية المسدس الفارغ من الرصاصات.



اجمالا لن يصمد فيلم Spy طويلا في الذاكرة مقارنة بـ Kingsman: The Secret Service. لن يغير القواعد بخصوص صناعة أفلام الجاسوسية الكوميدية. لن يفوز أو يترشح لأي أوسكار. ولن يفوتك الكثير إذا قررت تأجيله للمشاهدة في المنزل على شاشة أصغر. لكن بفضل شخصياته الكوميدية اللطيفة، وتنفيذ فيج المتقن للعمل ككل، من الصعب إنكار جودة الفيلم من حيث التسلية.


بقي أن أذكر أن بول فيج وميليسا مكارثي، يستعدان حاليا لتصوير النسخة الأنثوية الجديدة من طاردو الأشباح Ghostbusters المنتظر عرضه في صيف 2016. حتى أيام بسيطة مضت لم أتحمس كثيرا للفكرة، ولازلت أرى أن النجم بيل موراى قادر رغم سنه الحالي على قيادة نسخة جديدة ممتازة من Ghostbusters. لكن حاليا بعد مشاهدة Spy يمكن القول إن تراث المخرج إيفان ريتمان والنجم بيل موراي الكوميدي في نسخة 1984 الأصلية، في يد أمينة نسبيا مع بول فيج وميليسا مكارثي. لننتظر ونرى إلى أي مدى ستعاني الأشباح معهما!


أترككم مع أغنية بوند سوزان كوبر الجديدة Who Can You Trust أو بمن يمكنك أن تثق، التي لن تصل نهائيا إلى قمة قوائم البيلبورد، لكن تكفي غالبا لإثارة غضب 007 في مخبأه!



باختصار:
فيلم كوميدي مسلٍ جدا رغم الفكرة المكررة، بفضل السيناريو المتماسك والإخراج المتقن لـ بول فيج. وازدادت جودته مع الأداء الممتاز للنجوم ميليسا مكارثي وجود لو وروز بيرن، وصاروخ الكوميديا غير المتوقع جيسون ستاثام.


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك