دور في مسرحية مملة
قناعاتك، خياراتك، قراراتك تُشكل حياتك. حين تدخل المطبخ وتُقرر أن تصنع لنفسك قهوة بدل أن تصنع "شاي"، تكون شكلت جزءا من حياتك. كل خيار تقرره يصنع فرقا مهما كان بسيطًا ولكن يجب أن تكون خياراتك أصيلة.
جزء كبير من حياتك يتشكل فور ولادتك، يتشكل بالدين الذي ستحمله وسيؤثر في كل مستقبلك ولغتك الأم وأدبها وتاريخها وأصولك وما ورثته وسترثه من أمك وأبيك وأجدادك ومجتمعك. تكبُر وتبدأ رحلتك في الحياة بوعي مساوٍ لوعي محيطك. مثلا لو ولدت في السويد ستبدأ حياتك بوعي بيئي عال. كل جوانب وعيك تنطلق من بيئتك المحيطة وتتأثر بشكل كبير بوعي أمك وأبيك الذين بدورهم أيضًا بدآ حياتهما بوعي ورثاه من بيئتهما المحيطة، ثم ربما عملا على أنفسهم (تعليم، قراءة، تفكر، تجارب في الحياة)، وارتفع وعيهما أعلى من بيئتهما المحيطة.
تتأثر بمحيطك، عائلتك، مدرستك، دينك، الإعلام، ثم تضيف عليها تجاربك الخاصة وتحليلاتك، كل هذه العوامل تُشكل وعيك. جزء كبير منك قد يفوق الـ90% لم تقرره بنفسك (دينك، مجتمعك، أصولك، البيئة التي اكتسبت وعيها)، هل يعني ذلك أن رحلتك في الحياة ستكون خارج حدود سيطرتك وقد قُررت فور ولادتك وبالطبع دون استشارتك؟!
الإجابة هي "نعم" و"لا" وتمثل الفرق بين "الراضخين" و"المتمردين". إذا استسلمت لكل هذه العوامل ورضيت بها تكون من فئة الراضخين. ستعيش كما عاش أخوك وابن عمك تقوم بأشياء لم تخترها وتنفذ خططا كُتبت ربما من آلاف السنين لأهداف معينة وربما الأهداف لم تعد موجودة ولكن الخطط لازالت تُطبق، حملها أجيال من الراضخين السائرين على ما وجدوا آباءهم عليه.
تماما كقصة الأم التي تُعلم ابنتها كيف تطبخ سمكة. تقول لها "أقطعي ذيل السمكة ثم تبليها ثم ضعيها في الفرن 40 دقيقة". تساءلت الفتاة لماذا أقطع الذيل؟! قالت الأم "لا أعلم ولكن أمي علمتني أن أقطع الذيل وطول عمري أطبخها بهذه الطريقة وتخرج لذيذة". ذهبوا للجدة سألوها عن سبب قطع ذيل السمكة قبل وضعها في الفرن قالت: "لا أعلم أمي تصنعها بهذه الطريقة وهي طباخة ماهرة". ذهبوا إلى الأم الكبيرة، ربما في دار العجزة، وسألوها عن سر قطع ذيل السمكة قالت لهم "لأن صينيتي كانت صغيرة فاضطر لقطع ذيل السمكة حتى تكفي الصينية"!
هذا مايحدث لنا، نستسلم لنظام حياة معين ونتبنى أفكارا ونخلق ثوابت وأحيانا حتى خيارات دون أن نعرف لماذا؟ وهل هذا حقًا مانريده؟
حياتك تكون خارج حدود سيطرتك إذا استسلمت لكل هذه المعطيات والثوابت. تعيش نسخة مكررة ولا تذوق طعم الحياة الحقيقي. تعيش حياة أقرب لمسرحية كُتبت سابقا وأنت فقط تقوم بدورك فيها، الدور الذي حفظته عن ظهر قلب لتؤديه، وحين تخرج عن النص بعبارة أو حركة تشعر بإثارة كبيرة لأنك ذقت طعم الحياة ولو للحظات.
تكون من المتمردين إذا قررت تغيير أغلب هذه المعطيات لتختار بنفسك. تُمسك زمام حياتك بيدك، حياة حقيقية لا مجرد دور في مسرحية. تستطيع تغيير كل شيء وتستطيع رفع وعيك إلى درجات تفوق بيئتك المحيطة بمراحل. لا أعتقد بإمكانية تبني وعي جديد لأن الوعي في رأيي تراكمي عامودي وليس أفقيا. يرتفع وعيك خطوة خطوة بالقراءة والتجارب والتأمل والتحليل. يرتفع وعيك بقراراتك التي تتخذها، أنت من يقرر هل ستقرأ كل يوم ساعتين أم ستجلس أمام التلفاز تتفرج على مباراة كرة قدم.
الرضوخ والاستسلام للمعطيات الموجودة مريح يميل له ثلاثة أنواع من الناس..
أولاً: الكسالى لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بالبحث ويُرهقوا أعصابهم بالاختيار وتبعاته.
ثانيًا: الجبناء يخافون من تحمل مسؤولية قراراتهم.
ثالثًا: الأغبياء، هذا النوع لم يختر الرضوخ بملء إرادته ولكنه لم ينتبه أصلاً لوجود خيارات أخرى.
كيف تعرف أيهم أنت؟ هل أنت راضخ أم متمرد؟
الراضخ لا يغير أشياءً كثيرة في حياته ولو غيّر تكون تغييرات بسيطة سطحية. يحاول باستمرار إقناع نفسه بأن المعطيات القديمة التي ورثها ممتازة وهي الصح ويجمع الأدلة لإثباتها فتكون نظرته انتقائيه لا يرى إلا ما يدعم قناعاته الموروثة. الراضخ يقوم بدور في مسرحية لذلك يحتاج باستمرار إلى جمهور لكي يشعر بوجوده على خشبة المسرح، يحاول باستمرار كسب رضا الناس وموافقتهم. يحتاج حياة خارجية لأن في داخله لا يوجد حياة. الراضخ يرى الحياة ضيقة والخيارات فيها محدودة. إذا كنت من الراضخين تستطيع وبسهولة تحديد سبب وجودك ضمن هذه المجموعة.. الكسل؟ الجبن؟ أم الغباء؟
المتمرد، التغيير عنده شامل وعميق ويطال الأساسيات. عنده استعداد يتحمل مسؤولية قراراته ولا يحتاج إلى جمهور لكي يشعر بأنه حي، ففي داخله تتفجر براكين الحياة فتشعره بوجوده، فلا يحتاج إلى لفت الانتباه ولا إلى موافقة الجمهور. المتمرد يرى الحياة واسعة والخيارات فيها مفتوحة.
في رأيي التمرد هو الثورة الحقيقية التي تبني الأوطان وتخلق مجتمعات واعية مسؤولة. الثورة على الذات لا الثورة على النظام السياسي ولا على المجتمع. تكون مجتهدا وشجاعا فتكسر القيود وتخرج من المصيدة لتتفجر داخلك براكين الحياة.
الجبان والكسول لا يذوقان طعم الحياة أبدًا (كسل عن التمرد وليس كسلا عن بذل الجهد في العمل كالثور يجر المحراث).