التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 01:47 م , بتوقيت القاهرة

نصف ساعة مع عصارة الثمانينات في Kung Fury

فيلم Kung Fury حالة استثنائية في كل شىء عن الأفلام المعتادة التي نناقشها، ولهذا السبب سنغير القواعد، ونستفيد أولا بأهم صفاته الاستثنائية كفيلم قصير مدته نصف ساعة فقط لا غير، وهي أنه متاح مجانا رسميا للمشاهدة على اليوتيوب. كل ما تحتاجه هو ضغط Play على نافذة الفيديو التالية، أو تحميله مباشرة على جهازك. ويُفضل أن تشاهده أولا قبل مواصلة القراءة.


The Movie


فيلم الأكشن الكوميدي العجيب الذي أبهر عديدين في مهرجان "كان" مؤخرا، وتحول سريعا بمجرد توفره على اليوتيوب في 28 مايو 2015 إلى ظاهرة إنترنت عالمية بـ 7 ملايين مشاهدة في أول 48 ساعة فقط، بدأ كحُلم منذ عامين لشاب سويدي اسمه ديفيد ساندبيرج، ينحصر تاريخه في إخراج بعض الفيديو كليب والإعلانات المتواضعة.


أراد ساندبيرج أن يصنع فيلما تحيةً إلى كل ما أحببناه في حقبة الثمانينات.. أفلام المغامرات والأكشن الدرجة الثانية الموجهة مباشرة لسوق شرائط الفيديو دون العرض في قاعات السينما.. الموديلات العتيقة الأولى لأجهزة الفيديوجيم المنزلية.. الموسيقى المميزة المبالغ فيها للحقبة.. الحوارات الساذجة الرخيصة.. الملابس وتسريحات الشعر.. مسلسلات الكارتون.. إلخ. 


الحلم بدأ بسيناريو كتبه بنفسه، وبـ 5 آلاف دولار فقط، استثمرها لصناعة المشاهد الأولى للفيلم بالكاميرات الديجيتال على الخلفيات الخضراء، قبل أن يجتذب آخرين للمشاركة بخبراتهم. وبعد تصوير ما يكفي لصناعة إعلان بسيط، توجة إلى مؤسسة Kickstarter الأمريكية للقيام بحملة تمويل في ديسمبر 2013، بهدف الحصول على 200 ألف دولار لصناعة فيلم قصير مدته نصف ساعة. بعد الوصول للرقم سريعا حاول تجاوزه للحصول على مليون دولار، لصناعة فيلم طويل كامل دون نجاح. وانتهى في يناير 2014 بإجمالي 630 ألف دولار لاستكمال فيلمه القصير، تم تحصيلهم من 17 ألف داعم، بفضل الإعلان التالي بالأساس.




القواعد إذا تغيّرت. ما بدأ كإعلان لمشروع فيلم عبثي متواضع على اليوتيوب، من شخص طموح، أصبح سريعا محطة تمويل واهتمام آلاف، لدرجة مشاركة نجم ثمانينات في وزن ديفيد هاسلهوف، بمشهد وأغنية كاملة للفيلم، بسبب إعجابه بالإعلان. وانتهت المغامرة والتجربة الحماسية بفيلم تم عرضه لأول مرة ضمن أنشطة مهرجان كان. لحظة مجيدة بكل المعايير في تاريخ السينما وعالمنا المعاصر أن ينجح صبي مجهول من السويد، بدون تاريخ سينمائي، في اقتحام أهم مهرجان في العالم، بفضل الإنترنت واليوتيوب قبل أي شىء.


رغم إعجابي التام بالإعلان وقتها، لدرجة عرضه على صفحة الفيس بوك، لم أتوقع نهائيا أن يكون فيلما مهما. وهي عادة اكتسبتها من تجارب أليمة سابقة مع مشاريع أفلام نوستالجيا مشابهة، أثارت الحماس بجنون على الإنترنت بفضل إعلاناتها، ثم أحبطت الكل مع عرض الفيلم النهائي. اعتدت أن أنظر للأمر من منطلق أن كثيرين يجيدون إلقاء نكتة ممتازة سريعة في دقيقتي إعلان، دون موهبة حقيقية لصناعة فيلم كامل.



النتيجة هنا اختلفت بسبب قدرة مبتكر وبطل الفيلم ساندبيرج على صناعة فيلم قصير مترابط، يمزج عشرات العناصر من الثمانينات، في إطار درامي وبصري يطابق تماما هذا العقد. الشرطي صاحب القدرات الخاصة.. المزج بين الأكشن القائم على الأسلحة النارية، وأجواء الكونج فو والنينجا الواردة من السينما الآسيوية.. الرئيس العصبي المزعج الذي يطالب البطل بالاستجابة للأوامر دون جدوى.. الأشرار أصحاب الروح الكوميدية.. الكائنات الكاريكاتورية المبتذلة من أفلام الأساطير والخيال العلمي.. الشخصيات التي تختفي من الأحداث ثم يتم استدعاؤها للمشاركة في معركة ما، دون أي مبرر مفهوم لعودتها.. إلخ.


جزء كبير من متعة الفيلم يعود لتركيبة الشخصية الرئيسية بالأخص، ولأداء ساندبيرج كممثل أيضا. تركيبة الثمانينات البطولية المعروفة التي تجمع بين القسوة المفتعلة، والصوت الذكوري الخشن المصطنع، والقدرات البدنية المبالغ فيها التي تنافي أي منطق. امتداد ساخر لشخصيات نجوم أفلام الأكشن الدرجة الثانية وقتها بالأخص، من أمثال شاك نوريس - فان دام - دولف لندجرين - ستيفن سيجال. مع طابع صبياني تم تتويجه بربطة رأس وشعر منسدل، يذكرنا بشخصيات مثل Ninja Turtles - Karate Kid. أداؤه الصلب مصدر كوميديا ممتاز، عندما يصطدم دقيقة بدقيقة بشخصية أكثر عبثية، وهو ما يحدث طوال الفيلم تقريبا. 



الفيلم ككل مصمم بصريا وصوتيا ليمنح المتفرج تجربة مشاهدة شرائط الفيديو كاسيت القديمة، بنفس الطريقة التي صمم بها روبرت رودريجيز وكوينتن تارنتينو فيلمهما الشهير Grindhouse ليمنح المتفرج تجربة مشاهدة تعادل زيارة قاعات السينما الرخيصة في السبعينات. 


الصورة والألوان باهتة بشكل يطابق شرائط الفيديو، وأضاف ساندبيرج أيضا أحيانا للصورة، عيوب ومشاكل الـ tracking المعروفة للجهاز. وظف أيضا الطريقة العتيقة لكتابة الأسماء والعناوين على الشاشة. حتى أعمال الكارتون الشهيرة في الثمانينات مثل ThunderCats - He-Man - G.I. Joe اقتبس منها مشهدا جيدا منسجما مع باقي الفيلم.


أما أفضل اللمسات وأكثرها ذكاءً ومرحا، فهي التي تم إخراجها لتطابق ألعاب الفيديوجيم العتيقة، وبالأخص Mortal Kombat - Street Fighter. 



في هوليوود الحالية التي تنفق أحيانا 150 و200 مليون دولار، لصناعة أفلام رديئة مقتبسة من كلاسيكيات الثمانينات، وعلى رأسها مؤخرا Teenage Mutant Ninja Turtles 2014  وأجزاء G.I. Joe - Transformers يحقق ساندبيرج المستحيل في نصف ساعة فقط، وبميزانية لا تصل إلى مليون دولار، ويوجه صفعة حقيقية للمحترفين!


مع هذا النجاح الساحق والانتشار الواسع في أول 48 ساعة فقط لا غير، من الوارد جدا أن ينضم الفيديو مع نهاية العام إلى نادي المليار مشاهدة على اليوتيوب. والمسألة حاليا وقت فقط، قبل أن يتم تمويل فيلم Kung Fury الكامل الذي أراد ساندبيرج صناعته. وهو ما يذكرني بفيلم Whiplash الذي تم إنتاجه أيضا بفضل نجاح نسخة قصيرة أولا منه، يمكن مشاهدتها هنا.


الثمانينات عامة فترة رائعة حققت معادلة لم ولن تتكرر. أعلى معدلات من الرخص والابتذال الفني، وأعلى معدلات تسلية أيضا!.. فترة cool بالمصطلح الأمريكي الدارج، لا يمكن نهائيا قبول احتقارها، وحان الوقت لعقاب من يفعل ذلك. أو كما يقول العظيم ديفيد هاسلهوف بطريقة الثمانينات المبتذلة الرائعة للأشرار، في بداية الفيديوكليب الخاص بالفيلم:
التصريح تم رفضه.. permit denied  


David Hasselhoff - True Survivor


من طرائف القدر أن Kung Fury  تم عرضه ضمن أنشطة مهرجان "كان" تماما مثل Mad Max: Fury Road فيلم الافتتاح. وأن الجمهور العالمي شاهد الفيلمين في نفس الشهر. البعض سيتهمني بالجنون غالبا لمقارنة فيلم عظيم مثل الثاني، تكلف 150 مليون دولار، ويجدر مشاهدته على الشاشة الكبيرة، بفيلم كوميدي قصير ساخر مجاني على اليوتيوب، لكن في الحقيقة الفيلمين يكملان بعضهما، ويبروزان كل ما هو رائع وعظيم بخصوص الثمانينات.


اقرأ أيضا: ماكس المجنون يعيد هوليوود لصوابها في Mad Max: Fury Road


الثاني يحتفل فيه جورج ميلر بأفلام أكشن الدرجة الأولى التي لن ننساها في الثمانينات، بالعودة للسلسلة التي بدعها والتجويد فيها على كل المستويات. والأول يحتفل فيه ساندبيرج بأجواء أفلام الدرجة الثانية الرخيصة للحقبة، التي لن ننساها أيضا، بالعودة إليها بشكل أكثر ابتذالا ورخصا من الأصل!.. وباعتباري من أطفال الثمانينات أتوجه بالشكر نيابة عن الكل للاثنين. الأول بـ Thank You وقورة تليق بسنه وفيلمه، والثاني بـ Tank You تليق بحصة الابتذال الرائعة التي قدمها في نصف ساعة!



باختصار:
ساندبيرج العبقري يقدم المعادلة السينمائية لألبوم The Very Best of the 80s. تذكرة سفر عبر الزمن للثمانينات تستحق الحفاوة في عصر اليوتيوب. تجربة مشاهدة هذا الفيلم العظيم برخصه وابتذاله ومبالغاته المتواصلة، على مدار نصف ساعة، تعادل من حيث الروعة، صدمة التعرض لصاعقة من السماء، في نفس اللحظة التي يلدغك فيها ثعبان كوبرا!


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك