التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:08 م , بتوقيت القاهرة

ألف مشهد ومشهد (30)

على حد علمي، مفيش أغنية قبل "قولوا له الحقيقة" الشهيرة بـ "أبو عيون جريئة"، اعتمدت على "السقفة" كـ آلة إيقاع، على الأقل بـ الشكل الواعي ده.



خلينا بس الأول نقول إن فيه أشكال فلكلورية زي "الكف" مبنية على إن الإيقاع يكون عبارة عن تسقيف الحضور، ومن هنا اسمه الكف، كمان من قديم الأزل، وأول ما الإيقاع يشتغل السقفة تشتغل معاه، بـ غض النظر بـ تشتغل صح ولا أي كلام.


لكننا بـ نتكلم هنا عن الأغنية المصرية في عصرها الحديث، خصوصا مع بداية الانتظام في التسجيل والبث مع ظهور الإذاعة 1934، كانت أشكال الغنا بـ تفرض إيقاعات مش سهل تسقف معاها، عمرك حاولت تسقف مثلا مع "أنا في انتظارك" أو  "رق الحبيب" أو "غلبت أصالح في روحي"؟


يمكن أم كلثوم غنت حاجات زي "غني لي شوي شوي"، يمكن الأغاني الشعبية، خصوصا ألحان محمود الشريف، يمكن أحيانا في شغل محمد فوزي (أي والله مثلا)، وغالبا بـ تبقى السقفة مصاحبة لـ الكورال، لكن إن الغنوة تبدأ بـ المطرب الكبير عبد الحليم حافظ، واقف بـ يسقف منفردا، وسقفته هي اللي تبدأ الغنوة، قبل المقدمة الموسيقية، فـ دي كانت حاجة جديدة لانج من كمال الطويل.


ودي حاجة مهمة قوي؟
والله جايز تكون مش مهمة خالص، وترددت كتير قبل ما أكتب الكلام ده، لأني مش بحب أفتي في المسائل الفنية الدقيقة، وسامحوني لو الكلام طلع مش دقيق. وممكن لـ أستاذنا أحمد الديب لو قرا الكلام ده يصلح لي.


لكن من ناحية تانية، جايز يكون له أهمية في إن دي واحدة من البدايات لـ كسر صورة المطرب الكلاسيكي الصييت، "أبو عيون جريئة" عملت دوشة من الباب ده، حاجات كتير في الغنوة بـ تشتغل بـ هدوء على تصفية صورة عبد الوهاب (اللي اعتزل في الفترة دي) كـ مطرب صوته هو العامل الأول والأخير في الغنوة، لـ حساب "الشو" في الأغنية، وأولها المدخل العجيب ده.


الشو ده يودينا لـ طريقة تصوير الأغنية، اللي تخلصت من المطرب اللي قاعد جنب شجرة، ولا على مركب، أو ساند على باب وبـ يغني، أو حتى واقف زي جذع الشجرة جنب رقاصة عظيمة، إحنا قدام مشروع فيديو كليب متكامل، لوكيشن في الشارع، الرقص أحد عناصره، لكن فيه شخصيات ودراما خاصة بـ المشهد، لـ درجة إنك لو شلت الغنوة من الفيلم، لا الغنوة هـ تتأثر ولا الفيلم.


الكلام ده كان سابق لـ ظهور التلفزيون، وظهور أولى محاولات تصوير أغنية بـ شكل منفصل، المحاولات اللي هـ يبدأها حليم وشادية بعدين، حليم بـ تصوير أغنية "بحبك" اللي غناها في معبودة الجماهير، بس بـ تصوير تاني خالص، وشادية بـ "مين قال لك تسكن في حارتنا" قبل ما يخوض حليم تجربة تصوير أغنيات منفصلة عن السينما وعن التلفزيون.


على جنب كده: بـ مناسبة إن الغنوة دي فيها بذور لـ ظواهر كتير، ما أعتقدش هـ أبقى بـ أبالغ لو قلت إن تلات أرباع مشروع حميد الشاعري في التمانينات كان قايم على الفكرة اللي عملها كمال الطويل في مقدمة غنوة في الخمسينات، واستخدام السقفة كـ آلة إيقاع، حتى لو كان حميد مش واعي بـ التشابه بين مشروعه وبين الغنوة.


المهم، إن نجاح "أبو عيون جريئة" كان طاغي لـ درجة إنه في السنة اللي بعدها إسماعيل ياسين عمل فيلم اسمه "أبو عيون جريئة" تأليف جليل البنداري وإخراج حسن الصيفي، بـ يبدأ بـ إن صلاح نظمي بـ يسأل السكرتيرة بتاعته: حد سأل علي، فـ تقول له: عبدالحليم حافظ. علشان كده، ما تستغربش لما الغنوة تقفل بـ كلوز على مكان فاضي، مكتوب فيه: "هنا ستوضع شهادة الموسيقار عبد المنعم صبري، أو عبد الحليم حافظ"


طولنا في الكلام عن الغنوة، والفيلم لسه فيه كتير.