التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 05:14 م , بتوقيت القاهرة

القناص الأمريكي أكثر فاعلية في Good Kill بفضل الفيديوجيم

المشوار الفني للسيناريست والمخرج النيوزيلندي الأصل أندرو نيكول، ارتبط دائما وأبدا بفكرة الازدواجية والواقع المصطنع. في أول أعماله كمخرج Gattaca 1997 - وأقواها حتى الآن -  كان المحور الخداع والتلاعب الجيني، ليعيش البطل العادي الجينات، حياة لا تخصه في عالم لا يعترف إلا بسلامة الجينات، كمعيار جودة وتقييم.


في فيلمه الثاني The Truman Show 1998 الذي أخرجه بيتر وير، وقام ببطولته جيم كاري، يعيش البطل في واقع وهمي، يتظاهر فيه مئات أنهم أصدقاؤه وجيرانه، وهم في الحقيقة مجرد طاقم تمثيل مشاركين في عرض تليفزيوني مستمر عن حياته، يتابعه ملايين على الأرض.


في فيلمه الثالث S1m0ne 2002 مع آل باتشينو، يعشق الملايين نجمة سينما لا وجود لها، صنعها مخرج سينمائي بفضل برامج الصوت والجرافيك. 



في Lord of War 2005 مع نيكولاس كيج وإيثان هوك، يصدمنا بقصة مختلفة عن إمبراطور تجارة سلاح عالمي، متصالح تماما مع مهنته وما ينتج عنها من دم وحروب، ولا يرى فيها شيئا مشين أخلاقيا.


في In Time 2011 يعيش البشر في عالم مستقبلي لا يعرف الشيخوخة، عُملته الوحيدة ووسيط التبادل التجاري فيه (الوقت). وفي The Host 2013 المقتبس عن رواية لـ ستيفاني ماير، ينجح أعداء غامضون في السيطرة على البشر ومحو ذاكرتهم، ليعيشوا بذاكرة مصطنعة وهمية.


ما تغيره التكنولوجيا المستمرة في معارفنا، وطريقة تفاعلنا مع بعض كبشر، وما تطرحه من معادلات تختلط فيها الحقيقة بالزيف.. الواقع بالخيال.. الصدق بالكذب.. ما اعتدناه بما لم نعرفه، مرتبط إلى حد كبير بفيلمه الأخير قتل مُوفق أو Good Kill 2014.



بطلنا الطيار توماس إيجان (إيثان هوك)، ترك الطائرات الحربية مرغما بعد صولات وجولات أثناء حرب العراق، وأصبح عمله الجديد هو الجلوس في مقر تصويب على الأراضي الأمريكية، لقصف الأعداء في مناطق طالبان وأخواتها في القارات الأخرى.


الطريقة الحديثة التي تدور بها حرب حقيقية، من خلف شاشات كاميرات الأقمار الصناعية، أصبحت أقرب للفيديوجيم وأجهزة البلاي ستيشن كما يؤكد قائده (بروس جرينوود). عصا تحكم وشاشات وقائمة اختيارات. هذه الطريقة غريبة بالفعل بالنسبة لجندي المشاة مثلا، الذي اعتاد على التواجد في الميادين، والتحرك في نفس مساحة حركة خصمه.



في المقابل ورغم محاولات الفيلم المستديمة إقناعنا أن هذه الطريقة لها نفس المردود على طيار، ومختلفة كتكنيك عن الطيران الحربي الحديث، وترديد السيناريو عبارات على لسان البطل من نوعية "أشعر أنني جبان لأنني أصوب السلاح وأنا أجلس في قارة أخرى داخل غرفة مكيفة"، تبدو هذه الأزمة النفسية والمعضلة الأخلاقية غير منطقية معه، لأنها لا تختلف كثيرا عن حياته السابقة، عندما يطلق قذيفة من داخل طائرة F-16 تُحلق على بُعد كيلومترات عن الهدف. 


وبالأساس هي معضلة أخلاقية غير منطقية في أي حرب، لأي ضابط محترف بعقيدة عسكرية، لأن الغرض من الحرب ببساطة هو مواجهة وقهر الأعداء، بأقل خسائر أو مغامرات ممكنة في الأرواح والمعدات.



تزداد هذه النقطة لا منطقية مع مناقشات وتنظيرات البطل وزملائه بخصوص بعض مهامهم القتالية. الحوارات ببساطة تنتمي إلى البشر العاديين. الفئة غير المؤهلة نفسيا للسمع والطاعة وفكرة الأوامر العسكرية. والأكثر سخفا مشاهد يطلب فيها بعضهم من رؤسائه تبرير الأوامر الصادرة أو إقناعه بضرورتها، وكأن العمليات العسكرية تدار بجلسات تصويت ديمقراطية بين الرُتب المختلفة!


الخامة الموجودة الأفضل نسبيا دراميا لمعضلة البطل في الفيلم، تأتي في كون الحرب والقتل وعمليات الاغتيال، أصبحت مهنة وظيفية نصف يومية كأي مهنة أخرى. مجرد 8 أو 10 ساعات في مقر عمل، يليهم عودة للمنزل يفترض معها ممارسة حياة طبيعية عادية وسط الزوجة والأبناء. 


هنا يصبح تأثير التغيير نفسيا أكثر منطقية. هذا شخص اعتاد طوال فترة قيامه بواجبه العسكري على العُزلة لشهور داخل حاملات الطائرات، مقابل إجازات في منزله مع أسرته، يتوقف فيها تماما عن مهامه، ثم أصبح فجأة مطالبا بممارسة هذا التبادل الحاد يوميا.



التناقض بين الحياتين كان محور أفلام عديدة أكثر جودة، كان آخرها فيلم المخرج كلينت إيستوود والنجم برادلي كوبر القناص الأمريكي American Sniper  الذي أثار ضجة منذ شهور. وبينما يملك القناص كريس كايل في فيلم إيستوود دافعا للاستمرار في عمله بسبب قناعته بخطورة الخصم، وحرصه على حياة رفاقه، يفتقد بطلنا هذا الدافع لأنه لا يشاهد عدوه كموضع تهديد لحياته أغلب الوقت.


اقرأ أيضا: كلينت إيستوود يقتنص اللحظة الفارقة في American Sniper


وبدلا من تصوير قرارات ونقاشات ولحظات القصف داخل المقرات مع الأبطال، ومعها بالتوازي مشاهد أخرى توضح لحظات وأثر القصف واقعيا من أرض العدو، اختار نيكول بذكاء الأولى فقط، ليترك المتفرج في معايشة لنفس رؤية الأبطال للموقف. العدو مجرد كيانات صغيرة على شاشة، ولحظات التفجير بدون تفاصيل أو صوت. مجرد ثانية غبار سريعة على شاشة، تنتهي فيها عشرات الأرواح.



هذا الاختزال البصري للحظات القصف ضروري لخلق حالة الحيرة والتساؤلات الأخلاقية للمتفرج. ولعل أجود ما في الفيلم أنه لا يحاول الإجابة عن هذه التساؤلات بقدر ما يطرحها للمتفرج.


إيثان هوك نجح، رغم كل عيوب السيناريو والبناء الدرامي للشخصية، في منح الشخصية مساحة ما من المصداقية، بفضل موهبته المعتادة، وإن كان هنا يقدم بالتأكيد دورا أقل أهمية مما قدمه مؤخرا في فيلم Boyhood.


اقرأ أيضا: الحياة العادية أكثر سحرا من أي شيء في Boyhood


في المقابل يقدم بروس جرينود دوره المعتاد للمرة الألف، كقائد عسكري أمريكي مخلص لبلاده، وتقدم جانيوري جونز دور الزوجة المضطربة، بشكل طفولي ضعيف نسبيا، يشاركها فيه أغلب الطاقم الذي قام بأدوار زملاء البطل. 



لا يملك Good Kill معالم جودة سينمائيا مقارنة بأعمال أندرو نيكول الأولى. هذا فيلم آخر يوجه صيحات تشكيك وتساؤلات عن دور وجدوى الآلة العسكرية الأمريكية، وسينال غالبا كثيرا من الثناء النقدي والرضا الجماهيري مقابل ذلك خارج أمريكا، وهو ما حدث بالفعل أثناء عرضه مؤخرا في مهرجان فينيسيا. 


رغم هذا يلخص الفيلم عبثية الحل السلمي الخيالي الموجود في أوهام ملايين، في جملة ساخرة بليغة على لسان أحد الشخصيات عن طالبان وما يماثلها: "ولماذا نتوقف؟!.. هؤلاء لن يتوقفوا عن سفك الدم وحمل السلاح، حتى يرون الشريعة مُطبقة في كل متر على الأرض".


ورغم أن الجملة عابرة، إلا أنها تمثل ربما السؤال الحيوي بخصوص قضايا ومآسٍ وكوارث وانتكاسات منطقة الشرق الأوسط، خصوصا مع وجود داعش حاليا. 



باختصار:
معالجة أندرو نيكول لتلاحم التكنولوجيا والترسانة الأمريكية، وتأثير ذلك نفسيا، لاترقى إلى أعماله الأولى، لكن يظل الفيلم جديرا بالمشاهدة لأنه يطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات، ويزداد معدل تسليته إذا كنت من جمهور إيثان هوك.


لمتابعة الكاتب