التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:37 م , بتوقيت القاهرة

بوكرز| عزازيل.. سر يوسف زيدان الذي لن يخبر أحدا به

المتابع للمشهد الأدبي العربي المعاصر، سيجد نفسه مضطرا إلى التفريق بين مرحلتين مختلفتين، ما قبل عزازيل، وما بعد عزازيل. لماذا؟


رفوف المكتبات قبل عزازيل، عرفت عدة روايات مميزة بمقاييس النقد الأدبي، لكنها لم تحقق نجاحا يُذكر على مستوى المبيعات، والعكس أيضا صحيح. "عزازيل" نجحت على المستوى الفنّي والجماهيري على حد سواء، رغم أن الحبكة "غير أصيلة تماما" (1)، واللغة أقرب للتراثية غير يسيرة الفهم في الوسط العام، والنصّ سرديّ طويل غير مثير، مثقل بالتأملات الفلسفية والرؤى الفكرية، فكيف فعلها يوسف زيدان؟


في ظني أن زيدان كان مصمما على تحقيق النجاح الجماهيري، كتب واضعا جمهور القراء نصب عينيه، فصنع توليفة عبقرية من مجموعة خطوط: موضوع جذاب، مثير للجدل، قدر لا بأس به من الجنس، والأهم من ذلك: نص "عميق"، سيتحول بمرور الوقت إلى "دليل قاطع" على ثقافة قارئه، بحيث إن من لم يقرأه لن يكون على نفس المستوى الفكري لمن قرأه ـ تلك التصنيفات شائعة في الوسط الثقافي!


لم يكتفِ زيدان بتوليفته تلك، إنما عمل على الكتابة باجتهاد نادر، ساعدته فيها دراسته الأكاديمية للتراث والمخطوطات، وخدمته الظروف خدمة العمر عندما ظهرت جائزة البوكر العربية، ومُنحت لروايته في نسختها الثانية 2009، ولا أعني أن الرواية لا تستحق الجائزة، إنما أعني أن ظهور الجائزة نفسها في هذا التوقيت كان ضربة حظ تاريخية، وجاءت حيثيات فوزها كالتالي:


"الرواية تشمل ثراءً كبيرًا فى العالم الداخلى لها، إلى جانب الأسلوب الأدبي الذي استعمل السرد الكلاسيكي دون أن يقع في التقليدية، ومؤلفها اهتم العمل بالمادة والحكايات الداخلية التي يرويها، وفي الوقت نفسه، أن يرتقي بالأسلوب، فضلا عن أن الشخصية الرئيسية في الرواية، والتي عايشت قلق التعايش مع الآخر تم التعبير عنها بأسلوب رائع، وطرحت أسئلة عن الزمن والعقيدة توحي بدلالات تخص عصرنا الذى نعيشه".


والسبب الأهم لـ"عظَمة" عزازيل هو الرؤية التي يقدمها زيدان للحياة، وهي ذات الرؤية التي قدمها فيما بعد في رواياته الأخرى، وفي كتابه "اللاهوت العربي وأصول العنف الديني"، البعيدة عن ثنائيات الخير والشر، والصواب والخطأ. هي الرؤية النسبية التي تضع الأمور في سياقاتها، وتنبذ الرؤية الأحادية المتعصبة، خاصة فيما يتعلق بالدين، حيث تؤدي للعنف القائم على أوهام استعلائية عقائدية. وتنتصر في النهاية للجانب الحسّي من الطبيعة البشرية، على عكس المتوقع طبقا للبداية الموغلة في الروحانية.


بطل الرواية "الراهب هيبا" انطلق من صعيد مصر ـ في رحلة روحانية ـ إلى الإسكندرية لدراسة اللاهوت، ثم وقع في حب السكندرية الوثنية "أوكتافيا"، التي احتقرته وطردته فور أن علمت بأنه راهب مسيحي. ثم هرب من الإسكندرية بعد ثلاث سنوات، عندما شهد مقتل العالمة الوثنية هيباتيا على أيدي بعض مسيحيي الإسكندرية بتحريض من البابا. ثم خرج إلى فلسطين للبحث عن أصول الدين واستقر في أورشليم، والتقى القس نسطور الذي أحبه كثيرا وأرسله إلي دير هادئ قرب أنطاكية. وفي أثناء ذلك تزداد شكوكه حول العقيدة، ويصاحب ذلك وقوعة في حب امرأة جديدة.


الجدل الذي أثارته عزازيل يرجع إلى قراءتها ككتاب للتاريخ وليس كرواية أدبية، فأحداث القرن الخامس الميلادي، ووقائع إثارة المسائل الشائكة في العقيدة المسيحية، والمتعلقة بأصل الخلاف بين الكنائس حول مفهوم الأقنوم وطبيعته، وهل المسيح إله  كامل أم نصف إله ونصف إنسان، أم إنسان كامل، وكذلك طبيعة أمه مريم كأم الإله أم والدة البشري يسوع، والاضطهاد الذي مارسه المسيحيون ضد الوثنيين المصريين في هذه الفترة، ليس المهم أدبيا دقة الأحداث التاريخية، ولا انتصارها لعقيدة ما، كل ما يهم هو مدى نجاح الكاتب في توظيف "التاريخ" لخدمة النص. وقد نجح نجاحا مبهرا.




للتواصل مع الكاتبة


تذييل:


(1): روايات أخرى تناولت نفس "تيمة" عزازيل، مثل "اسم الوردة" لإمبرتو إيكو، و"شيفرة دافنتشي" لدان براون، وإن كانت كل من الروايات الثلاث تناولت القصة من زوايا مختلفة.