سينما ما قبل النكبة.. محاولات البحث عن الهوية والذاكرة
لعبت ندرة الأفلام الوثائقية والروائية والإعلانات الدعائية، خلال فترة ما قبل نكبة فلسطين عام 1948، دورا في ضياع الهويةالفلسطينية، وطمس التاريخ والجغرافيا معا، فالسينما هي "ذاكرة الشعوب".
وفي العام الماضي، انتشر تطبيق بهواتف "آيفون"، يسمى "inakba"، يحاول إحياء تاريخ القري المهدمة، ويسمح للفلسطينيين بالتعرف على اسم بلدتهم المدمرة، وأسماء الأماكن قبل عام 48، التي لم يعد لها وجود الآن. فالتطبيق بمثابة "GBS"، يحدد الأرض غير المرئية الموجودة في الذاكرة فقط.
يقول الإعلامي توفيق طه: "لو كانت هناك سينما قبل عام1967 أو قبل 1948، لما استطاع اليهود الصهاينة تدمير مئات القرى الفلسطينية، هكذا دون رقيب أو حسيب، لو كانت هناك سينما، لاستطاع الفلسطينيون التأريخ لقراهم بصريا، لكن غياب الكاميرا أضاع جزءا كبيرا من الحقيقة".
الحديث عن سينما ما قبل النكبة المحدودة والشحيحة لابد أن يبدأ من "إبراهيم وبدر لاما"، المعروفان بـ"الأخوين لاما"، رواد السينما الفلسطينية. بدر وإبراهيم أول من أحضرا أجهزة ومعدات سينمائية إلى العالم العربي في مدينة حيفا.
قدما فيلم "الهارب" عام 1936، الذي يتحدث عن فترة التجنيد الإجباري في الجيش العثماني، بمشاركة العديد من شباب المدينة، وكونا ثنائيا ناجحا وعملا معا في الكتابة والتمثيل والإخراج، ثم اتجها إلى مصر، حيث أسسا شركة إنتاج سينمائي تدعي "كوندور فيلم"، وأنتجا 22 فيلما. ورصد المخرج الفلسطيني المعاصر رائد دوزدار تاريخهما في فيلمه الوثائقي "الأخوان لاما".
قبيل النكسة بثلاث سنوات، أسس المخرج إبراهيم سرحان، أحد رواد السينما الفلسطينية أستوديو فلسطين، وصنع أول فيلم، مدته 20 دقيقة، عن زيارة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود إلى فلسطين عام 1935، وتنقله بين مدن القدس ويافا، وأنتج أستوديو "فلسطين" أفلاما قصيرة وروائية وأفلام دعائية.
وبعد النكبة، هاجر "سرحان" إلى الأردن؛ حيث تمكّن من إنجاز فيلم روائي، هو "صراع في جرش" عام 1957، وتوفي معدما ومنسيا في مخيم "شاتيلا" عام 1987.
باستثناء تجارب فردية للمخرجين أحمد حلمي الكيلاني، جمال الأصفر، محمد صالح الكيالي، صلاح الدين بدرخان، وعبداللطيف الحاج، لم تكن هناك صناعة منظمة للسينما، وإنما كانت محاولات تجريبية، لم تبق منها صورة نقية ترسم الحياة في فلسطين قبل النكبة.
المخرجون المعاصرون حاولوا النبش عن الحياة قبل 48، معتمدين على ذاكرة الأشخاص الذين عاصروا النكبة. ومؤخرا، قُدمت "مسرحية 1945"، على مسرح "الميدان" بمدينة حيفا للمخرج بشار مرقص، تحكي قصة قرية فلسطينية يجمع أهلها محصول القمح قبل النكبة بثلاث سنوات.
"ماريز جرجور"، المخرجة الفلسطينية المعاصرة، أنجزت سبعة أفلام وثائقية تحاول رسم الحياة ما قبل النكبة، من أهمّها "بلاد بلانش"، الذي يحكي قصة السيدة الفلسطينية "بلانش"، المولودة في يافا عام 1910. تحكي "بلانش" في الفيلم حياتها في يافا منذ كانت طفلة إلى أن أُجبرت على الرحيل عام 1948 إلى بيروت.
وأيضا فيلم "الأرض بتتكلم عربي" عام 2007، الذي جمع الوثائق السمعية والبصرية والصحافة، وشهادات أشخاص عاصروا هذه الحقبة.
تقول ماريز: "كانت فكرة الصهيونية تقول إنهم يريدون مسكنًا يهوديًا في فلسطين، مسكن، لا دولة، وكانت ميليشيات الصهيونية شديدة القوّة وعدوانية جدا مع الشعب الفلسطيني، كانت لدينا حياة جميلة، إلى أن قدمَتِ الصهيونية، ثمّ بدأ كلّ شيء".