التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 01:17 ص , بتوقيت القاهرة

هل أكلت السمكة حتى ذيلها ؟

 


كم سمكة مملحة أكلت منذ اخترع الفراعنة عيد شم النسيم منذ خمسة آلاف سنة؟ ويقال من سبعة آلاف سنة.. السنوات كلها تمضي، ويحتفل المصريون بالعيد الوحيد الفريد من نوعه الذي يجمع الجميع، فكر في هذا اليوم كيف تبدو البيوت والشوارع والحياة؟ هذه المائدة الممتدة بأنواع السمك في كل بيت مصريّ؟ هؤلاء الذين كلفوا أنفسهم بالخروج إلى حديقة أو بحر أو مكان بعيد؟


هذه هي مصر، فقط مصر، التي عبدت الله بكل الأديان وكل الألسنة وكل الأفكار وكل الأنبياء وكل الكتب، وظلت ضاحكة في هذا اليوم الذي لم يفكر حاكم أو محكوم أن يلغيه من حياة المصريين يومًا، مهما كان جنونه أو حكمته!


خمسة آلاف سنة نحتفل بهذا العيد احتفالا خاصًا لا يشبه أي احتفال ولا أي عيد، بالطعام وبالغناء وبالموسيقى وبالفرحة وبالإحساس بالطفولة والفسحة، يوم استثنائي، رحل أباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا وهم يحتلفون به بنفس الشكل والطريقة والفرحة والأطعمة، رحلوا قبل أن تصدر الفتاوى الموسمية التي يصدرها دار الإفتاء أو أي شيخ عابر للفضائيات تحدد شروط الاحتفال بشم النسيم! أي شروط؟ أي فرحة يمكن أن يصدر لها مرسوم؟ أى يوم مبهج يمكن أن تأتي في هذه اللحظة فتوى لكي تضع المباح والمحظور؟ 


وماذا عن الذين رحلوا من أزمنة وقد احتفلوا أعمارهم بشم النسيم؟ هل تجوز عليهم الرحمة؟ أم فاتهم باب الشروط الواجبة في الاحتفال؟


شم النسيم يوم مصري خالص جميل بسيط، يضع أهم شروط الإنسانية في تفاصيل الاحتفال به، يحتفل به الفقير والغني بنفس صنف الطعام، تجتمع به العائلة على مائدة واحدة وطبق واحد وأضف إليهم الأصدقاء، يخضع لكل شروط الضحك والفرحة المعلنة. شم النسيم، عبد الحليم حافظ وصلاح جاهين وسعاد حسنى والحياة بقى لونها بمبي.


من حقنا في زمن الغم أن نفرح، من حقنا في زمن الحزن أن نخطف أي فرصة لكى نضحك ملء عيوننا وقلوبنا، من حقنا يوما بدون فتاوى! بدون أيضًا أخبار ملفقة عن الطقس، معتدل مائل للحرارة جنوبا، بارد مع احتمال سقوط أمطار شمالا، ياسيدى دع الناس تنطلق وتفرح، من كام سنة ولكام سنة طويلة كان لدينا قطار اسمه قطار المفاجآت في شم النسيم فقط، ينطلق من المحطات الرئيسية لقطارات السكك الحديدية يمقابل تذكرة بسيطة، دون أن يعرف الراكب إلى أي مكان سيذهب، ثم يجد نفسه يحتفل في مكان ما بشم النسيم وينتظره القطار للعودة.


خمسة آلاف سنة من فرحة شم النسيم، حيث يصبح الطقس في أروع حالاته في السنة والزهور في أبهى صورها، لم يخرج أحد عن دينه، ولم يخترق نظام عاداته التي يمارسها من أجل يوم.


لو كنا أذكياء، لأصبح هذا اليوم مصدر دخل قومي من السياحة، تسويق هذا اليوم في الخارج لأنه عيد فريد من نوعه لا يحتفل به سوى المصريين، ولأن الفراعنة اكتشفوه، فقد وجدوا أن الشمس في هذا اليوم تخترق قمة الهرم الأكبر عند منتصف النهار في مشهد لا يوجد في أي مكان في العالم. لكننا مازلنا تنابلة السلطان، لا نفكر إلا في نفس الأخبار التي تحملها الصفحات الأولى من الصحف، سواء كانت فتوى أو تحذيرا من الطقس أو من أكل الفسيخ!


كل سنة وكل مصر طيبة، شم نسيم سعيد يا مصريين .