التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 02:29 ص , بتوقيت القاهرة

شم النسيم عيد التصالح مع الطبيعة

بعد جمود وبرودة فصل الشتاء بمفرداته الباردة الخالية من الروح والبهجة والمليئة بالرتابة والسكون.. يأتي فصل الربيع معلنًا عن بداية موسم البهجة والحيوية والخير، حين تنهال علينا نسمات الربيع الرشيقة، ويكسو اللون الأخضر الأرض، وتزين الألوان المُبهجة الكون كله، مسببة حالة من الفرحة والسعادة للجميع.

فأشعة الشمس الذهبية مع النسيم المنعش ونهر النيل بلونه الأزرق وبجانبهم الأشجار المزدهرة بالأوراق الخضراء الزاهية والأزهار الملونة، التي تشع فرحًا وبهجة هي سبب تميز فصل الربيع، فعناصر الطبيعة كلها اتحدت وقررت أن تكون سبب بهجة البشر، الربيع هدية الطبيعة لنا، الربيع هدية ومنحة ربانية هدفها إسعاد البشر، ويجب أن نتعلم الاستفادة من المنح الربانية.

فيجب أن ننعم بجمال الطبيعة، وأن نعطي لأجسادنا وأعيننا فرصة الاستشفاء من تعب وعناء الحياة ومتاعبها وضغوطاتها التي لا تنتهي، فالاستمتاع بأجواء الطبيعة هو علاج نفسي له مفعول السحر، وقادر على تحسن مزاجنا وإزالة آثار التعب والضغوط، فالخروج لأماكن مفتوحة حيث لا حدود للسماء الصافية والاستمتاع بالطقس الجميل ونسماته العذبة ورؤية ألوان الزهور والأشجار من حولك، سوف يعيد شحن طاقتك ويجدد نشاطك، ويزيل الأعباء من على كاهلك.

علميًا نجد أن للألوان تأثيرا قويا على مزاجنا وحالتنا النفسية، فنجد أن لبعض الألوان تأثيرًا سلبيًا، ونجد لبعضها الآخر تأثيرا إيجابيا، وله القدرة العالية على تحسين المزاج، والألوان المميزة لفصل الربيع هي بالفعل ألوان مسببة للبهجة والسعادة والراحة النفسية والتفاؤل، ألوان مفردات الطبيعة في هذا الفصل بها سحر فعّال على نفوس البشر، فألوان السماء الزرقاء الصافية ولون البحر الفيروزي ولون الشمس الساطعة وألوان الزهور الزاهية، ولون الزرع الأخضر هي تركيبة ساحرة تسبب السعادة والبهجه وتساهم في تجديد النشاط وإعادة الحيوية للروح المُتعبة، فلا تضيعوا تلك الفرصة، وتعلّموا من أجدادكم الفراعنة الاستمتاع بالطبيعة والاحتفال بموسم السعادة.. موسم الربيع.

وعيد شم النسيم هو واحد من أعياد مصر الفرعونية الصامدة في وجه الزمن، فالفراعنة احتفلوا بهذا العيد منذ حوالي 5000 عام، أي عام 2700 قبل الميلاد،  في أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية، وبالرغم من مرور السنين والعقود، إلا أن المصريين لازالوا يحتفلون به حتى الآن، ويحرصون على تأدية طقوسه التي توارثوها من أجدادهم الفراعنة.

ومن الملفت للنظر، أن أعياد الفراعنة كانت دائمًا مرتبطة بالظواهر الفلكية وعلاقتها بالطبيعة والمظاهر الحياتية، وكان من طقوس احتفال قدماء المصريين بالأعياد الخروج من حدود حياتهم الضيقة إلى العالم الواسع، فكانوا يحتفلون بأعيادهم دائمًا بالخروج إلى الأماكن المفتوحة للاستمتاع بالطبيعة والخير، وتحكي الأسطورة الفرعونية القديمة أنه في فجر يوم "شمو"، وخلال الاحتفال السنوي به خرج الفرعون وكبار رجال الدولة ليشاركوا الشعب فرحة استقبال الشمس عند شروقها في ذلك اليوم،  وكان الجميع يحملون معهم شرابهم وطعامهم واستمر احتفالهم حتى الغروب.

أما "شم النسيم" فقد عُرف في اللغة المصرية القديمة "عيد شموش"، ومعناه بعث الحياة وبعد ذلك حُرف الاسم على مر العصور، حيث تحول في العصر القبطي إلى "شم" ولارتباط العيد ببداية موسم تحسن الطقس وجمال النسيم، فقد أضيفت إلى "شم" كلمة "النسيم" نسبة إلى نسمات الربيع التي تعلن عن موعد وصوله، ليصبح عيد شم النسيم.

وكان الفراعنة  يؤمنون أن "شم النسيم" هو عيد خاص بالطبيعة والزراعة، وليس عيدًا دينيًا  كما يظنه البعض الآن،  والمصريون بمختلف دياناتهم يحتفلون بعيد شم النسيم، فهذا العيد يعد رمزا لتجدد الحياة وميلاد النباتات وازدهار الخضرة، وتتفتح فيه الأزهار، وتتراقص نسمات الربيع حاملة الخير والتفاؤل للبشر.

 وقديمًا كانت طقوس الاحتفال بعيد شم النسيم تبدأ باستيقاظ المصريين في الصباح الباكر طبقًا للمقولة الفرعونية "أنه من تشرق عليه الشمس في هذا اليوم وهو في فراشه يلازمه الخمول طوال العام"،  ثم يقومون بعادة غريبة وهي شم البصل وهي عادة معروفة في ريف مصر، فإذا تنفس الصبح في ذلك اليوم أخذوا في استنشاق ريح البصل ثم يخرجون إلى القنوات والأنهار، ليستحموا ويأكلون البيض وهم يحملون سعف النخيل، ويتجدد في شم النسيم "عيد الربيع" الزواج الجماعي، حيث إنه من ضمن الاحتفالات التي كان يقوم بها المصري القديم هي طقوس الرقص للزواج الجماعي على أنغام الناي والمزمار خلال ذلك اليوم.

أما بالنسبة للأطعمة المميزة لمائدة شم النسيم، فيتوارث الشعب المصري مع عيد شم النسيم مجموعة عادات وتقاليد وقائمة أطعمة مرتبطة به تشمل: البيض، والفسيخ "السمك المملح"، والخَس والبصل الأخضر والترمس والملانة والحمص، وكل من هذه الأطعمة كان له معنى ومدلول عند قدماء المصريين، فمثلاً يرمز البيض إلى خلق الحياة، ويرمز البصل لديهم إلى إرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، فيما كان الخس من النباتات المقدسة.

واعتبر الفراعنة أن تناول الفسيخ "السمك المملح" في هذه المناسبة يُعبر عن الخصوبة والبهجة ورمز للخير والرزق،  ولا يزال المصريون حتى يومنا هذا يتناولون نفس هذه الأطعمة احتفالاً بعيد شم النسيم.

وعلى جدران مقابر الفراعنة نقش قدماء المصريين أنفسهم، وهم يستنشقون الأزهار في خشوع يوحي بأهمية الزهور ومكانتها لديهم، وكان المصري القديم يقضي أكثر الأوقات بهجة وإشراقًا وإقبالاً على الحياة في فصل الربيع، ذلك الفصل الذي تتغير وتتبدل فيه كل مفردات الطبيعة لتنبض بالحيوية والأمل والجمال.

ولذا نجد أن للربيع مكانة خاصة لدى المصريين من قديم الأزل، وسيظل عودة موسم الربيع الذي يتميز بتفتح الأزهار وتجدد النبات وتحسن الجو تقابل دائمًا بفرح وسعادة وبهجة من كافة المصريين على مر الزمان. 

اقرأ ايضا