التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 02:34 ص , بتوقيت القاهرة

الغجر في السينما العالمية (1): توني جاتليف

 توني جاتليف الذي ربما يعرفه الكثير من السينفيلز المصريين من خلال فيلمه "Vengo, 2000" الذي احتوى على ابتهال راقص للمنشد الراحل أحمد التوني، هو مخرج غجري فرنسي ذو أصل جزائري، ولد بالجزائر في 1948.


كرّس جميع أفلامه لما بات يُعرف بـ”سينما الغجر”، التي تحكي تفاصيل حياة ومعاناة طائفة الغجر في فرنسا خصوصا وشرق أوروبا عموما؛ برؤية على النقيض للصورة النمطية الغرائبية التي كانت هوليوود تروج لها بشأن الغجر في أفلامها كلصوص، قطاع طرق، مجرمون ومشبوهون. 


بعد حياة صاخبة ومضطربة بدأ في انجاز الأفلام، وبعد فيلم قصير يتعرض لأوضاع الغجر في غرناطة وأشبيلية؛ أنجز «Les princes , 1983» " الأمراء" الذي يحكي عن مجموعة من الغجر قررت الإقامة والاستقرار في ضواحي باريس، وتحدي أوامر سلطات الشرطة والبلدية المعنية، التي كانت تسعي بشتى الوسائل القمعية لطردهم، وتهجيرهم من تلك المناطق التي نزلوا، ونصبوا خيامهم فيها، وحاز الفيلم إعجاب النقاد وتقديرهم، وتحمس له كثيرا الفيلسوف الفرنسي الراحل جي ديبور الذي طاف شوارع باريس، وهو يحمل يافطة تقول:"أمراء جاتليف ليسوا خونة".


بعد حوالي ثلاثين عاما سيتكرر مشهد مشابه في قسوته وعنفه في نفس المكان وسينجز جاتليف أيضا فيلماً للرد على الممارسات القمعية للسلطات الفرنسية بحق الغجر.



بعد عشر سنوات سيحقق الفيلم الذي سيجذب إليه الانتباه والشهرة في «Latcho Drom, 1993»  وتعني "رحلة آمنة" يأخذ المشاهد في رحلة توثيقية وممتعة لموسيقى الغجر في العالم، وصوره مع مجموعة فنية صغيرة انتقل معها أثناء التصوير الي الهند وأسبانيا، ومصر وتركيا ورومانيا والمجر، وعرض الفيلم في قسم " نظرة خاصة " في مهرجان " كان" واستقبل بحفاوة كبيرة، وسافر بعدها الي مهرجانات وشاشات العالم.



في «Mondo, 1995» يستند إلى قصة للأطفال للكاتب الفرنسي جون – ماري لي كليزيو، ويصنع فيلمه الذي تدور أحداثه في مدينة نيس الساحلية الفرنسية في خمسينيات القرن الماضي، والشخصية المحورية في قصة الفيلم هو الفتى «موندو» ابن العشر سنوات، غجري روماني، متشرد لا ينتمي لأسرة وليس له ماض أو شيء يتذكره ولا يملك شيئا، كما أنه لا يتمتع بأي مهارة سوى ابتسامته العريضة وروحه المرحة التي تسحر الغرباء وتفتح له قلوبهم، وهو يتجول في شوارع المدينة ويعرض نفسه للتبني.


ويتمتع «موندو» بمقدرة طبيعية على استعطاف الغرباء بحثا عن الطعام ويقيم علاقات ودية مع عدد من الأشخاص، وبينهم صياد عطوف يعلّمه كتابة أحرف اسمه ومتسول يملك حمامتين يروي له القصص وبائعة في مخبز تقدم له قطع الخبز ويعرّفه على ساحر متجول في الشوارع يقوم الفتى بمساعدته، ثم يلقى هذا الفتى مساعدة من امرأة عجوز فيتنامية طيبة وحكيمة تقوم باحتضانه.


كما يتمتع هذا الفتى بمقدرة طبيعية على التهرب من رجال الأمن وتجنب الأشخاص الشريرين، تعثر السلطات المحلية على موندو وتحتجزه في قسم للرعاية إلا أنه يهرب، يختفي موندو عن الأنظار في النهاية ولا يعرف أحد مصيره، غير أن اختفاءه سيترك بعده فراغا وسينعكس على مصائر من كان يتعامل معهم، لا توجد قصة بالمعنى الحقيقي في الفيلم إنما هو مصنوع في شكل يمكن وصفه بالقصيدة السينمائية الخالصة.



في «Gadjo dilo, 1997» أو "الغريب المجنون" في هذا الفيلم، يصل ستيفان وهو شاب فرنسي، إلى قرية غجرية نائية في رومانيا بحثا عن مغنية تدعى نورا لوكا، لا يعرف عن تلك المغنية شيئا سوى صوتها الذي سمعه على شريط كاسيت، كان سلوى أبيه طوال فترة احتضاره ليلة وصوله إلى القرية، يلتقي ستيفان الغجري العجوز أزيدور، سكرانا وحزينا، يبكي ابنه الذي اعتقلته الشرطة بتهمة ملفقة، يتصاحب الاثنان، ويصر العجوز على أن يرافقه الشاب للمبيت في بيته من هنا تبدأ رحلة الاكتشاف المتبادلة.


اعتمد المخرج على اثنين من الممثلين المحترفين فقط، رومان ديوريس في دور ستيفان، ورونا هارتنر في دور الغجرية سابينا عدا ذلك استخدم الفيلم أشخاصا عاديين قاموا بتمثيل أنفسهم، ومن هؤلاء ايزادور العجوز الذي أدى دوره بشكل لافت، بل أنه كان يقود المخرج في كثير من الأحيان لاقتراحات عديدة.


ففي رحلة البحث عن موسيقي غجري مشهور، قد يكون على علم بالمغنية نورا، يفاجأ ايزادور ومن معه أنه توفي منذ أيام، هنا يرى المتفرج طقساً غريباً. يرقص العجوز على قبر رفيقه الراحل يصحبه عزف موسيقى غجرية، ثم يزرع زجاجة الفودكا قرب قبره بدل الزهور.


اعتمد المخرج اعتمادا كبيراً على عفوية الطقس اليومي للغجر، وبالتالي فإن ما يراه المتفرج من مشاهد، هو الحياة العادية لايزادور وأبناء عشيرته، يعترف جاتليف في حوار معه، أنه عندما ذهب إلى رومانيا للتصوير، حمل معه سيناريو مبدئيا ثم راح يعدل فيه حسب تطور علاقته مع تلك الفئة من الغجر، واستقرّت القصة في النهاية على بحث ستيفان عن المغنية نورا، واعتقال الشرطة الرومانية لابن ايزادور بتهمة سرقة ملفقة، بالتالي يكشف الفيلم عن عنصرية الرومانيين تجاه الغجر.


يتحرّر جاتليف كعادته من البنية الكلاسيكية للفيلم ويتكيء على شخصية الشاب الفرنسي ليأخذنا في رحلة استكشافية إلى عادات الغجر وتقاليدهم و فولكلورهم الفاتن في وثيقة ساخرة ومليئة بالحب والحياة لمجموعة بشرية مهمشة في كل مكان.


وتأتي خصوصية الغجر الرومانيين من كونهم مضطهدين هناك، ويترافق الفيلم مع تدفق هجرتهم في السنوات الاخيرة على دول أوروبا الغربية كلاجئين، ما جعلهم قضية مطروحة في الاعلام الغربي، كمواطنين لا يتمتعون بأي من الحقوق في بلادهم.



في «Exiles, 2004»، نتابع بطليه، شاب وفتاة من أصول جزائرية ويعيشان بفرنسا في حياة هامشية صعبة ويقرران الذهاب إلى أرضهم الأولى ومحاولة البحث عن التذكارات والأحداث الماضية التي طالما كان يتحدث عنها والداهما. 


بامكانيات بسيطة وتحايلات على الصعوبات المادية يتغير مسار الرحلة ويجدا نفسيهما في المغرب، وهناك يتابعان مشوارهما بمغامرة أخرى عندما يكتشفان أن الحدود المغربية - الجزائرية مغلقة، ولا مجال لعبورهما إلا عبر التهريب.


الفيلم يقوم باطلالة آخاذة على عمق حياة الشابين وتفاعلهما مع محيطهما الإنساني ووجودهما بين أنماط بشرية عديدة فهما في مغامرتهما يلتقون مع جماعة من الغجر، وسائحين وأندلسا لا يزال محتفظا بتراثه وموسيقى مصاحبة لا تكاد تتوقف طوال مدة الفيلم تمتزج فيها الأغنيات المغاربية والفلامنكو الأسباني، وموسيقى وأغنيات الغجر، وصولا إلى موسيقى التصوف في البيئة الشعبية الجزائرية.


فيلم طريف بامتياز رحلة الأمير زانو مع الأميرة نعيمة إلى الجزائرللتعبير عن واقع صارم مليء بلحظات من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية المختلطة. 



في «Korkoro, 2009»، يحكي قصة مجموعة من الغجر، عانوا من اضطهاد قوات الشرطة الفرنسية في عهد حكومة فيشي.


ويقول جاتليف إن هذا الفيلم هو ”واجب للذكرى؛ يناسب الشعب الأوروبي وخاصة الفرنسي، لأن الأحداث جرت في فرنسا، والفرنسيون لديهم كل شيء، ولأن الغجر الذين يتحدث عنهم كانوا فرنسيين مسجونين من قبل الجكومة الفرنسية، فهي ذكرى حقيقية، ذكرى جماعية تعني كل فرنسيي ذلك العصر”.


ويضيف غاثليف، أن الذي سبب معاناة الغجر في فرنسا هو ”سياسة ذلك العهد، ومن الجيد شرح قانون فيشي وشرح كيف سجنهم ووضعهم تحت الإقامة الجبرية”.


 "عندما هاجرت عائلتي إلي فرنسا عام 1962 كان عمري 13 عاماً لم استطع العودة إلي الجزائر وقد أتاح لي الفيلم ذلك. لقد كانت المشاعر قوية ولقد بعثت في ذاكرتي عن قريتي ولكني لم أجدها واكتشفت إنني غريب إينما ذهبت. فأنا مواطن فرنسي ولكني لا أؤمن بمبدأ الوطن وكل بلد متوسطي هو وطن لي. أن حياة البدو في ثقافتي الغجري يعني الحرية في أي مكان. 


ويرى توني جاتليف أن " الغجر ضعفاء ومسالمين ليس لديهم جيش ويستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم فقط بصورة فردية. أن بحثهم عن الحرية يدفعهم إلي أساليب لا تتفق في بعض الأحيان مع عادات الدول التي يمروا بها، ولكن هذا لا يفسر الظلم الذي تعرضوا له من عصر النازية وفي بلاد شرق أوروبا، ولم تحرك محاولة القضاء عليهم مشاعر أحد".