التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:55 م , بتوقيت القاهرة

زي النهاردة.. رحيل رقيقة السينما "ناهد شريف"

زي النهاردة ذكرى رحيل رقيقة السينما الفنانة ناهد شريف، ذات الملامح المصرية السمراء، ولمعة الحزن التي تطل من عينيها، بعد صراع مع سرطان الثدي، الذي ألتهم عمرها، عاشت حياة قاسية منذ طفولتها بعد فقدان أمها ومن ثم أبيها، طاردتها الشائعات واعتبرتها بعض الأقلام ممثلة أفلام إباحية، وأنها فتاة ليل.


طفولة قاسية


عاشت طفولة قاسية حيث ولدت سميحة زكي النيال، عام 1942، في الإسكندرية، عاشت يتيمة الأب والأم، فقدت أمها في فرح أختها الكبرى وكان عمرها 9 سنوات، ثم تعرضت لصدمة أخرى مع فقدان والدها وعمرها لا يتجاوز 14 عاما، فأصبح اليتم والحزن جزءا من حياتها.


 


البدايات الفنية


بات أمل الطفلة الوحيد أن تحقق حلمها في أن تصبح مطربة مشهورة، لذلك اختارت لنفسها اسم ناهد شريف، وجاءت البداية بعدما تعرف عليها مدير التصوير وحيد فريد، وقدمها للفنان عبدالسلام النابلسي، الذي اختار أن يجعل منها ممثلة فمنحها دورا صغيرا في فيلم ''قاضي الغرام''، في نهاية الخمسينات، ثم شاركت في فيلم ''حبيب حياتي''، وبعدها شاركت كمال الشناوي في فيلمه مع الفنانة إيمان ''تحت سماء المدينة''، في 1959، وكان الفيلم من إخراج حسين حلمي المهندس، وبعد أن أثبتت تفوقها قام باعطائها دورا أكبر في فيلم "مخالب القط"، ثم كانت النقلة المهمة في فيلم "أنا وبناتي"، مع زكي رستم، وفايزة أحمد، وصلاح ذوالفقار.


والمثير للدهشة أن النجمة السمراء التي اشتهرت بلقب نجمة الإغراء، كانت في بداية مشوارها ترفض تقديم مثل تلك الأدوار، فقد عرض عليها المنتج إبراهيم والي بطولة فيلم "دماء على التراب الوردي"، ووافقت عندما علمت أن الدور لفلاحة ترتدي جلبابا طوال الفيلم، ولكن عندما طلب منها المخرج حسن الأمام أن ترفع ثوبها إلى ما فوق الركبة رفضت، وطالبته بالغاء المشهد، وأدى ذلك إلى عدم استعانة أحد من المخرجين بها فترة طويلة.


حياتها العاطفية


أعجب وحيد فريد بها بعد تعاونها معه في فيلم "تحت سماء المدينة"، فعرض عليها الزواج، ورغم فارق السن قبلت ناهد، واستمر التعاون بينهما حتى أسند لها دور البطولة في فيلم ''عاصفة من الحب''، أمام صلاح ذوالفقار.


 يقول حسين حلمي المهندس عنها "دفعني للارتباط بها والوقوف بجانبها، أنها كانت مثل عجينة قابلة لأن تشكل حسبما أردت، بل وموهبة لم يتم استغلالها، والغريب أنه بعد زواجنا كانت تناديني بأبي، فكانت تتمتع بشقاوة الأطفال وتحرص على متابعة برامج الأطفال بالإذاعة، وتقرأ مجلات ميكي وسمير، وتعتز جدا بصداقة الخادمة الطفلة التي كانت تعمل في المنزل، وبكت حينما جاء أهل الخادمة ليأخذوها ويزوجوها"


وأضاف "أكثر ما جذبني لناهد شريف، أنني وجدت لديها قلبا مليئا بالشجن، ومن هنا لم أتعامل معها فنيا على أنها ممثلة قادرة على أداء أدوار الإغراء، لأن حيويتها تجعلك تعتقد أنها فتاة شقية فكان يتوافر فيها مقومات الممثلة الجيدة بجانب طموحها الشديد"، ولكنها انفصلت عنه.



ارتبطت بعدها بفترة قصيرة بفتى الشاشة الأول كمال الشناوي، الذي كان يكبرها بـ25 عاما، ولأنه كان متزوجا في ذلك الوقت من آخرى فكان زواجهما سريا، ويمكن القول إنها وقعت في غرامه من أول مشهد قامت بتمثيله معه في فيلم "تحت سماء المدينة"، غير أنها لم تستطع البوح بحبها، فظلت تخفيه لكنها لم تستطع التخلص من حبها، وذات يوم اتصلت به لتقابله وسألته عن سبب تقدم الرجل لطلب الزواج من المرأة فرد عليها قائلا إن "ذلك يعد تكريما للمرأة، وحتى تكون صاحبة الرأي والاختيار".



وأدرك كمال الشناوي حينها مغزى سؤالها إذ أرادت أن تخبره بمشاعرها ورغبتها في الزواج منه، وتردد الشناوي كثيرا في الأمر لأنه كان متزوجا، فطلب منها مهلة للتفكير حتى صارحها هو بحبه، وحاول إرضاءها بأن تشاركه بطولة فيلم "نساء الليل"، الذي كان يحضر لإنتاجه ويكون هو البطل أمامها، وبدأ التصوير ولم يستطع أي منهما إخفاء مشاعره نحو الآخر، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، وحصلت ناهد على جائزة التمثيل الأولى، فعرض عليها الزواج، ولكن في صمت وسرية بحكم أنه كان متزوجا فوافقت، وارتضت أن يقوم بتقسيم وقته بينها وبين زوجته الأولى، وعاشت معه في سعادة، واعتبرته كما أكدت بنفسها أقوى حب في حياتها.


بعد مرور بضعة أعوام من حياتها ورغم حبها الشديد له طلبت الطلاق بعد زواج استمر 6 أعوام، وقامت جريدة "الجمهورية" بنشر خبر طلاقهما في صدر صفحتها الأولى، بتاريخ 8 نوفمبر 1972، حيث أشارت الصحيفة إلى أن ناهد شريف أعلنت خبر الانفصال، بعد أن قامت ببطولة فيلم "ذئاب لا تأكل اللحم".


قدمت ناهد مع كمال عدد كبير من الأفلام، كانت البداية من خلال فيلم ''تحت سماء المدينة''، ولحق به فيلم ''نساء الليل''، و''الوديعة''، و"بيت الطالبات''، و''زوجة ليوم واحد''، و''تنابلة السلطان''.


كما تزوجت بعد ذلك رجلا لبنانيا يدعى أدوارد، وهو والد ابنتها الوحيدة لينا.


أعمالها الفنية



ارتبطت ناهد في أذهان الجمهور كممثلة لأدوار الإغراء، بعد تقديمها لفيلم ''ذئاب لا تأكل اللحم''، في الفترة التي اتجه فيها عدد كبير من الممثلين والممثلات بعد توقف صناعة السينما في مصر عقب هزيمة 1967، للمشاركة في الأفلام اللبنانية التي عرفت بجرأتها، ولكن الجمهور دائما ما يتذكر ناهد دون ذكر غيرها من النجمات والنجوم، ممن شاركوا في هذه الأفلام، بعد أن ظهرت في مشهد عارية الجسد تماما، وكان ذلك سبب أساسي في منع الفيلم من العرض.


مشوارها الفني يحتوي على 31 فيلما، ومن أهمهم "وتمضي الأيام"، و"الحب وحده لا يكفي"، و"مرسي فوق ومرسي تحت"، و"أخواته البنات"، و"جواز على الهوا"، و"شهيرة"، و"لا تتركني وحدي"، و"شاطيء العنف"، و"انتبهوا أيها السادة"، و"أحلى أيام العمر"، و"نوع من النساء".


في مجال المسرح شاركت ناهد الفنان كمال الشناوي في بطولة مسرحية "أدب الزواج"، عندما كون فرقة مسرحية عام 1971، واشتركت أيضا في تمثيل عدة مسرحيات أخرى، سجلت للعرض على الشاشة الصغيرة، كما شاركت في تمثيل مسلسلين من مسلسلات التليفزيون كان أبرزهما مسلسل "الرجل الذي فقد عقده".



شائعات تلاحقها


عانت ناهد وهي مريضة من التهم والشائعات، فكانت كل يوم تقرأ في الصحف تهمة إساءتها للفن المصري، وأنها مثلت أفلام "بورنو" في بيروت، كي تعيش حياة كريمة، بعد لجوء نجمات ونجوم السينما المصرية إلى لبنان وتركيا للعمل في الفن هناك، حين تدهور حال السينما المصرية.


اعتبرتها بعض الأقلام ممثلة أفلام إباحية وأنها فتاة ليل، وأنها كانت تسهر في الملاهي حتى الصباح بعد دورها في فيلم "ذئاب لا تأكل اللحم".



وكما تجاوزت صناعة السينما في مصر أزمتها، استطاعت ناهد تخطي الأزمة ولو ظاهريا، فقدمت بعد ذلك مجموعة من أهم أعمالها في السينما المصرية منها ''انتبهوا أيها السادة"، و"العمر لحظة"، و"الحب وحده لا يكفي"، و"ومضى قطار العمر''.


مرضها ووفاتها


أصيبت الفنانة ناهد شريف بمرض السرطان في عمر مبكر، وسافرت للخارج لتلقي العلاج ونجحت العملية وعادت للقاهرة لتمارس حياتها بصورة طبيعية، إلا أن المرض لم يتركها، حيث تدهورت حالتها الصحية من جديد حتى توفيت في 7 أبريل عام 1981، وعمرها لا يتجاوز الأربعين.


رغم طلاقها من كمال الشناوي وانقطاع الصلة بينهما تماما، إلا أن ناهد عندما اضطرت لطلب يد العون من أحد لم تلجأ سوى له، فاتصلت به بعد إصابتها بمرض السرطان، وأكدت له أن علاجها يحتاج السفر إلى الخارج لكنها لا تستطيع، فأخذ الشناوي أوراقها، ليتمكن من الحصول على قرار علاجها على نفقة الدولة.


ذهب كمال لمكتب رئيس الوزراء، والذي وافق أن تتحمل الدولة تكاليف العلاج، فسافرت ناهد السويد، ونجحت العملية وعادت للقاهرة لتمارس حياتها بصورة طبيعية، ولكن الخلايا السرطانية لم تترك لها الفرصة، فهاجمت جسدها من جديد بعد أن أصبح ضعيفا غير قادر على المقاومة.


اضطرت للسفر إلى لندن لإجراء عملية جديدة، وتحت عنوان "مأساة ناهد شريف"، نشرت مجلة آخر ساعة في عددها الصادر بتاريخ 14 ديسمبر 1980، أي قبل رحيل ناهد شريف بأربعة شهور فقطـ، تقريرا جاء فيه أن ناهد شريف تعيش وحيدة وسط الدموع والوحدة في فراش المرض في لندن.


وليست المأساة في المرض الخطير الذي تقاومه وإنما صدمتها في زوجها اللبناني، الذي تخلى عنها في أصعب مراحل محنتها.


فبعد أن عاشت معه طوال السنوات الخمس الماضية قبل أن يهاجمها المرض، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة، وبدأت تشعر بالآم السرطان في العام الماضي، سافرت إلى السويد لإجراء جراحة خطيرة وصحبها زوجها إدوارد إلى هناك، ولكنه عاملها بقسوة وتركها وحدها بعد الجراحة، فاضطرت إلى قطع فترة العلاج والعودة للقاهرة، بعد أن نفدت النفقات اللازمة للإقامة، واضطرت أيضا إلى العمل قبل أن تستكمل العلاج فأرهقت نفسها، بينما كان زوجها يتجول في مونت كارلو، وإسبانيا مع بعض الأثرياء العرب.


لجأت ناهد إلى السفارة المصرية في لندن، فكان للسفير حسن أبوسعدة، موقف إنساني ومشرف في رعايتها وتقديم يد العون لها، وتم الطلاق بين ناهد وزوجها في السفارة المصرية، بعد تزايد الخلافات وحتى لا يقوم باستغلالها في أشد لحظات مرضها قسوة.