التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 02:23 م , بتوقيت القاهرة

من هو "بيدبا" الهندي؟

رغم انقضاء آلاف السنين على زمن الفيلسوف الهندي "بيدبا" وحكايته مع الملك الطاغي "دبشليم"، فإن القصة جديرة بالتأمل، خاصة وأنها تعكس كيفية تصرف الحكيم بمنتهى اللطف والذكاء، أمام ملك طاغ متجبر وظالم، كان كل همه توسيع أمجاده ونفوذه، متجبرا على جيرانه، ليتحول الملك من ظالم إلى عادل، يتعلم الحكمة.

يعود الفضل في كتابة قصص "كليلة ودمنة" الشهيرة للحكيم الهندي "بيدبا"، ويضم الكتاب مجموعة من النصائح والمواقف على ألسنة الحيوانات، أراد بها عظة ملكه بطريقة  محببه ولطيفة غير مباشرة، عن طريق أسلوب خفيف الظل.

تدور قصة "بيدبا" مع "دبشليم" في  زمن الإسكندر المقدوني، الذي اجتاح في غزواته للشرق، مع ما اجتاحه في العالم، البلاد الهندية وانتصر على مقاومة ملكها، الذي قاوم وتصدي ببسالة للإسكندر، حتى وقع صريعا، وقرر الإسكندر أن يعين على بلاد الهند واحدا من أتباعه يحكمها باسمه، قبل أن يمضي ليواصل اجتياحاته للبلاد الأخرى، لكن أهل الهند لم يعجبهم الحاكم الأجنبي، فاختاروا من بينهم "دبشليم" وجعلوه ملكا عليهم.

هذا "الدبشليم" لم يحفظ عهد رعيته وأمانة الملك، فتبدل من ملك عادل إلى طاغية جبار، يرتكب كل جرائم الحكام الفاسدين، ما دفع الفيلسوف الحكيم "بيدبا" إلى أن الذهاب إليه، وتقديم النصح لهذا الملك. وطلب الإذن بالدخول على الملك، فأذن له وهو متصور أن الفيلسوف جاءه لحاجة يطلبها، وقال له: "نظرت إليك يا بيدبا ساكنا، لا تعرض حاجتك ولا تذكر بغيتك".

وقف "بيدبا" بين يدي الملك "دبشليم"، وسجد أمامه، ثم نهض وبقي صامتا في حضرته، ما أثار الحيرة في نفس الملك، الذي سارع بالإفساح له في الكلام، فراح يحدّث الملك بكلام قاطع حول ما آل إليه حكمه، متهما إياه بأنه ابتعد عن الحق، وبأنه طغى وبغى وأساء السيرة، موضحا أنه جاء إليه "لا ابتغاء مال أو معروف منه، بل ناصحا له ومشفقا عليه".

غضب الملك وأمر بقتل الفيلسوف وصلبه، ثم عاد واكتفى بسجنه وتقييده.

وفي ليلة من اليالي تذكر "دبشليم" كلام الفيلسوف، وندم على ما صنعه به، وأمر رجاله بأن يأتوا به، وطلب منه الملك أن يعيد كل ما قاله دون حذف، "فجعل بيدبا ينثر كلامه، والملك مصغ إليه"، مستعذبا ما جاء فيه من صدق. وفي غضون ذلك، أمر الملك بحل قيود الأسير، وتوليته على جميع مملكته، لكن بيدبا طلب إعفاءه من هذا الأمر، وأصرّ الملك على موقفه.



تسلم الفيلسوف السلطة وحكم بالعدل والإنصاف، "ورد المظالم، ووضع سنن العدل، وأكثر من العطاء والبذل". ومع استقرار الأوضاع في المملكة، صرف "دبشليم" همته إلى البحث في الكتب الفلسفية الهندية، وطلب من "بيدبا" أن يؤلف كتابا بليغا "يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته". فانصرف الحكيم  إلى تأليف هذا الكتاب، ليكون أشهر وأقدم كتاب سياسي وتربوي وأخلاقي، وهو "كليلة ودمنة".