سندريلا الفرعونية
-استمعي إليّ جيدا يا رادوبيس.
-ماذا يا أماه؟
-لقد دعتني الآلهة يا بنيتي لأعد نفسى للرحيل إلى العالم الآخر، حيث أكون في انتظاركم لنلتقي مرة أخرى، ولن أتمكن من رؤية ملاكي الصغير أجمل العرائس في منف كلها. لن أراكِ وأنتِ تُزفين إلى قصر زوجك.
-لا تُكملي يا أماه. سوف تعود إليكِ صحتكِ بعدما يأتي أبي بالكاهن لعلاجك.
-دعيني أُكمل يا رادوبيس. إن أباك لا يزال في عنفوان شبابه وقد أنبأني إحساسى بأن أباك سنفرو سوف يتزوج من امرأة أخرى تحل محلي هنا. وسوف تُنجب فتيات، وجمالك يا بنيتي سوف يكون مصدر غيرة الجميع منك وحقدهم عليك.
- ماذا تقولين يا أماه؟
-أنصتي يا رادوبيس، سوف تتعرضين للحقد والاضطهاد، وليس عليك إلا الصبر والإيمان بالإله وهو وحده الذي سيحميك.
-ماذا تفعلين يا أماه؟
-تحت هذه الوسادة صندوق. أعطني إياه، فأنا لا أستطيع الوصول إليه.
-ها هو.
-إنه صندوق من خشب الصندل المطعم بالذهب والأحجار الكريمة. ولابد يا رادوبيس أن تحتفظى به في مكان أمين، فهذا يا بنيتى صندوق الحلي الخاص بي الذي ورثته عن أجدادي، ومن بين الحلي الموجود فيه، قلادة حتحور التي سوف تحفظ لك جمالك وتحميك من العين والغدر. إليك الصندوق بأكمله، ولا تعيري أي شيء منه لأحد ولا تضعي القلادة على صدرك إلا يوم الزفاف في معبد حتحور إلهة الجمال. وإليك هذا أيضا..
-ما هذا يا أماه؟
-إنه صندوق مصنوع من خشب الأبنوس المطعم بالفضة وهو يحتوي على حذاء نفيس لا يوجد له مثيل في البلاد. وهو مصنوع من جلد الغزال الذهبى اللون والمطرز بخيوط الذهب والأحجار الكريمة. انظري.
-إنه رائع حقا يا أماه.
-ليست قيمته في جماله فحسب يا رادوبيس.
-وهل هناك شيء آخر؟
-نعم. هناك ميزة أخرى.
-وما هي؟
-هذا الحذاء لن يتسع لقدم أي فتاة سواك، كما أنه سيكون مصدر حظ عظيم لك في مستقبلك. حافظي عليه وضعيه في مكان أمين لا تراه عين ولا تمتد إليه يد.
-إنه ساحر حقا يا أماه. سوف أجربه الآن.
-لا.. لا.. لم يحن الوقت بعد يا بنيتى، سوف ترتدين الحذاء عندما يحين الوقت الذي تحدده لك الآلهة.
المقطع السابق جزء من أسطورة رادوبيس الفرعونية، وقد وردت ضمن برديات شستربيتي بالمتحف البريطاني. أبطال القصة هم رادوبيس، ووالدها التاجر سنفرو وأم رادوبيس، وزوجة أبيها وبناتها، وفرعون مصر الذي ستتزوجه.
الأسطورة المصرية التي سجلها المؤرخ والفيلسوف اليوناني سترابو (63 ق.م - 24 م)، أصبحت فيما بعد حجر الأساس لقصة سندريلا الشعبية التي سجلها الكاتب والشاعر الفرنسي شارل بيرو (1628 – 1703 م). وهو الأديب الذي صنع الشهرة لنوع حديث وقتها في الكتابة الأدبية، يسمى بالـ Fairy tale أو حكاية خرافية إذا أردنا ترجمة المعنى. وهو نوع يقتبس العديد من عناصر الأجواء الأسطورية للتراث القديم، مثل ألف ليلة وحكايات إيسوب والأساطير الإغريقية، في اطار أكثر بساطة وبراءة ملائم للأطفال.
من أشهر القصص والحواديت الخرافية المتداولة الأخرى في أوروبا التي أعاد تسجيلها بقلمه (اللحية الزرقاء - الجمال النائم - عقلة الإصبع). ولا يضاهي بيرو الفرنسي في الشهرة ربما في هذه الجزئية سوى الأخوين جريم من ألمانيا. يعقوب جريم (1785-1863 م) وفيلهالم جريم (1786-1859 م). الثنائي الذي طاف ألمانيا، وقام بتجميع وصياغة مئات من القصص الخرافية الأخرى المهمة مثل (بياض الثلج والأقزام السبعة - ذات الرداء الأحمر - ريبونزل).
من الجدير بالذكر هنا بمناسبة سندريلا الفرعونية وإعادة صياغة التراث القصصي الشعبي عالميا، أن العظيم نجيب محفوظ أعاد صياغة رادوبيس أيضا كرواية ضمن ثلاثية تاريخية كتبها في مطلع حياته العملية، مع عبث الأقدار وكفاح طيبة. وإن كانت نسخة نجيب محفوظ تميّزت بأبعاد وإسقاطات سياسية وفلسفية أكثر جدية وأكثر ارتباطا بزمنها (الأربعينات).
سندريلا الجميلة إذًا فرعونية الأصل، وهي معلومة مهمة للأسف لا يتم ذكرها عادة. والأكثر أسفا أن عدد الغربيين الذين يعرفون أصل سندريلا يفوق ربما عدد المصريين. وهي ملاحظة مخجلة وإن كانت منطقية، في ظل ثقافة سائدة حالية تضطهد تراثنا وحضارتنا الفرعونية، وتستبدلهم بتراث وثقافة من الجزيرة العربية، يتعاملان مع هذه الحضارة باعتبارها عفنا وأوثانا.
للمقارنة السريعة فقط مع غيرنا، فيما يخص الاهتمام الحضاري بالتراث القصصي، فمن الجدير بالذكر أن الألمان كرموا الأخوين جريم اللذان قاما بتجميع هذا التراث القصصي بألف شكل ولون، لدرجة إصدار أغلى عملة نقدية ألمانية بقيمة ألف مارك بصورتهما عام 1992. وهو تاريخ مقارب لمحاولة تكريم أخرى مهمة على الطريقة الحضارية الشرق الأوسطية المعاصرة، عندما قام أحد الإرهابيين بمحاولة لاغتيال نجيب محفوظ عام 1995.
سندريلا حاليا في مارس 2015 عنوان فيلم جديد من إنتاج والت ديزني يكتسح شباك التذاكر عالميا، تعرضنا له في مقال نقدي. لكن بعيدا عن الفيلم، أعتقد أن ملحوظة أصل سندريلا وما تبعها من أفكار وأحداث ومقارنات مهم نسبيا.
وتماما مثل سندريلا صاحبة المنزل والمكان التي حبستها وانتزعت حقوقها زوجة الأب القاسية الدخيلة على المنزل، ظلت قصة رادوبيس الفرعونية أيضًا سجينة لمن لا يطيقون كلمة (حضارة فرعونية). ولا يطيقون الحضارات والآثار من أي نوع بصفة عامة.