التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 01:51 ص , بتوقيت القاهرة

العشق تحت ظلال "داعش"

كان شيء ما يحتويها، كلمات شيخ سلفي في مسجد قريب من بيتها الذي يقع على ربوة في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية، تتكوم في أذنها، لا تعرف أجوبة لأسئلته التي يطرحها بطريقة ملتوية، عن الإسلام والدعوة، تذكرها بنفس أسئلة ابن عمها حسن حطاب، الذي خطبها للزواج لكنه سرعان ما هرب للجبال ملتحقاً بالذين يحاربون الجيش حتى قتل في وقت سابق.


في لحظة ضعف فكرت (نهار مزيان) أن تسأل "أبو المعتصم" الذي فوجئت أنه أرسل لها طلب صداقة على الفيس بوك، عن مشكلاتها مع زوجها، ولم تسأل نفسها ساعتها، لماذا اختارته هو دون غيره؟ وكيف لجندي دولة الخلافة أن يصادق فتاة أقل ما ظهر على صفحتها الشخصية هو صورتها دون غطاء رأس، حتى بدا وجهها الفائق الجمال، وشعرها البني المسترسل.


لم تشغل بالها كثيراً، كانت لا تزال في ملهاتها القديمة، لا تزال تحترق، ولا تستطيع الرؤية، حياتها الفوضوية وعلاقتها الزوجية المتهتكة، جعلتها لا تقدر على حسن الاختيار أو فعل شيء، سوى أن تسأل جندي الخلافة، عن مشكلاتها الزوجية، ولا تستطيع سوى الاستسلام.


حكت كيف كانت البداية، وكيف قال لها إنه من الأمنيين في الدولة، لكنه يفهم في الأمور الشرعية، وإن زوجها هذا ابتداء هو مرتد، لأنه يعمل في أجهزة السلطة الكافرة، وإنها بهذه الوضعية لا يجوز لها الاستمرار معه.


دخلت إلى حجرة النوم شبه المظلمة في حالة شرود، جاء زوجها، كانت تجلس ساعتها عند حافة السرير، وجهها مطلي بنظرة شرود، ضحكت بجنون وتطاير شعرها البني.


زوجها العاشق لها رغم كل المشكلات، كان يُدرك ما يجب عليه فعله في هذه اللحظة، لكنها كان متوترة بين حلمها وما يختبئ في ذاكرتها، ويجعلها مأسورة لدماغها المشحون، دفعته بيدها وذهبت إلى منتصف شقتها، يدور في رأسها حديث الإيمان والكفر، الدولة الإسلامية، والعلمانية.


أرسلت رسالة أخرى لـ"أبو المعتصم" ما العمل؟ ماذا أفعل؟.


جاءها الرد (اهربي.. إني أنتظرك... الحياة هنا في الرقة عاصمة الخلافة إسلامية عادلة... صدقيني سنتزوج).


لم تعرف كم مضى وهي تحدق في الليل، شيء سحري كان يسحب جسدها المشلول إلى هناك، تمنت أن تجري في شوارع المدينة حافية، هكذا توحدت مع أشياء غريبة، فكرت وقدرت، ولعنت أفكارها القديمة وثيابها القديمة، نعم لعنتهما قبل أن تلعن زوجها، وهي تتكور تحت الغطاء، وتحملق في الظلام.


قررت الهرب، كان الطريق ميسوراً، لأنها تمتلك أموالاً ليست بالقليلة، ولديها حقيبة مليئة بالمجوهرات، وتستطيع الذهاب إلى فرنسا، ومنها إلى تركيا، حيث ستحل على فندق "أوس أورفا" ومنه ستنطلق إلى الحدود السورية، ومنها للرقة، هكذا قال لها أبو المعتصم.


حلت في الرقة، جبل "الحوار" الموازي لنهر الفرات، رأته لأول مرة، فرق كبير أن ترى صورته، وأن تراه على الحقيقة رأي العين.


عيناها الواسعتان أسقطت دمعتين، وأنفاسها كأنها تخرج من ثقب إبرة، فالخوف ملأ جسدها وهي تعبر الطرقات الملتوية داخل المدينة التي يسير فيها المقاتلون في كل شبر.


حل بها التعب وهي تبحث عن أبو المعتصم، فهى لا تعرف عنه أي معلومات سوى هذه الكنية، وأنه من الأمنيين في دولة البغدادي، فجلست شبه غائبة، ومظاهر القلق استولت على كل شيء فيها، وانفلتت بداخلها أشياء مبهمة، لم تجد لها تفسيرًا.


نظرات رجال داعش المصوبة لها زادتها وجلاً، توقفت سيارة رجال الحسبة، ونزلوا وتسمروا أمامها، فاستكانت أمامهم قائلة، أنا جئت إلى أبو المعتصم!!!


قرر رجال الحسبة أن يأخذوها إلى دار القضاء، التي يشرف عليها ثلاثة من الشرعيين، عينهم البغدادي بنفسه، فأعاد عليها أحدهم السؤال، من أنت؟ ولماذا جئت؟ وهي أعادت نفس الإجابة.


قرروا أن يحضروا أحد الأعضاء المتخصصين في الشبكات، كان سعوديا، استطاع أن يفتح صندوق رسائل الفتاة، ويتعرف بسهولة إلى صاحب الكنية، أبو المعتصم، إنه مصري معروف، قدم إلى هنا، منذ عامين. أصدر الشرعي قراراً بالقبض عليه، اتهموه بأنه كان يحدث أجنبية دون محرم، وأرسلوا للخليفة البغدادي بما حصل.


حاول أبو المعتصم، أن يدافع عن نفسه، وقال إنه دعاها للطلاق من مرتد، لكن الحكم صدر من الخليفة البغدادي بتعزيره بالسجن 3 أشهر، وإجراء تحقيقات شاملة تشمل كل الجهاز الأمني في الرقة، والاتصال بزوج الفتاة ودعوته للمجيء للرقة لإثبات إسلامه قبل أن يتم خلع الفتاة منه.


اتصلوا بزوج الفتاة الجزائرية، وبالفعل قالوا له، إن زوجتك لدى الدولة في الرقة، وإنهم لن يعيدوها له لأنه مرتد، لكنه يستطيع الوصول إليهم للدفاع عن نفسه وإثبات إسلامه!! الزوج، قال لهم إنكم خطفتم زوجتي، إنكم مجموعة من المرتزقة، إنكم لا تعرفون شيئاً عن الدين، وأنا لا أحتاج إلى ما يثبت إيماني.


انتظر قضاة البغدادي ثلاثة أشهر لعل زوج الفتاة أن يأتى للرقة، لكنه أبى المجيء، ووضعهم جميعاً في موقف مخزٍ. قرر قضاة البغدادي في النهاية الحكم بخلع الفتاة من زوجها الجزائري، والاحتفاظ لدى مقر المحكمة بجواز سفرها، وتزويجها من أبو المعتصم.


كانت الفتاة تضحك وتبكى، كل شيء في حياتها القديمة تلاشى، وأصبح كظلال سوداء، ولم تجد تجد حلاً سوى أن تلعن ما كان يحتلها، لم تعد تفهم لماذا أغرقت نفسها في دوامة الموت، توهان لا حدود له، وبدأت دورة رعب جديد في حياتها، ولا تجد الآن من ينقذها. رفضت في البداية الزواج ممن دفعها للهرب، لكنهم أجبروها، لأنهم لن يدعوها ترجع إلى مرتد، ولن يتركوها تحيا في المدينة دون محرم.


إن هذه القصة ليست من واقع الخيال، بل هي حقيقية وقعت منذ شهرين تقريباً، في الرقة عاصمة دولة البغدادي، واهتزت لها أركان دولته، التي يعيث فيها جنوده فساداً. إنها القصة المبكية في زمن، أصبح تصنيف الناس إلى مسلمين أو مرتدين، وسيلة للتحرش، والفساد.