صحح معلومتك.. أصول "الراب" مش إفريقية
شاب فقير، يكافح للخروج من دائرة القلق، فاقد الثقة في كل شيء حوله، ولا يريد أن يكون مصيره مشابها لمصير عائلته الفقيرة ذات المشكلات، يقنعه أصدقاؤه بأن موهبته الموسيقية فذة، ولكن انعدام الثقة يقف حاجزا في طريقه، ويحرجه في أثناء معركة راب في أحد النوادي الموسيقية، هكذا بدأت قصة "جيمي سميث" في خريف عام 1995، الشاب الذي دارت حوله أحداث فيلم "8 Mile" لنجم الراب العالمي إيمينم.
لكن قبل إيمينم ومعاركه الموسيقية، أين كان الراب وما جذوره؟
"أصوله سوداء إفريقية"، هذا أول ما تتلقاه من صفحة ويكيبيديا العربية وعدة مصادر أخرى على شبكة الإنترنت، ولكن الويكي وغيره من الصفحات يخطئون في أحيان كثيرة، ولكن التاريخ لا يضيع أبدا، فلنبدأ من صفحة ويكيبيديا، حيث كتب محرر الصفحة أن الراب أصوله إفريقية، غرب إفريقيا تحديدا، متطورا من فن يدعى الـ"griots"، وهو فن شعري قديم يعتمد على الشفهية كمعظم الفنون الشعبية والفولكلورية، يقوم فيه الشاعر برواية قصة أو قصيدة على رتم وموسيقى تقليدية.
لحسن الحظ ما زال هناك من يحافظون على فن الراب في "مالي"
وبعدما تعرفنا على الفن الإفريقي الذي تطورت منه موسيقى الراب، لنأخذ رحلة قصيرة إلى الماضي القريب، ونرى متى وأين سُجلت أغنية راب. في الحقيقة، أول تسجيل موسيقي للراب كان عام 1920، لكن المفاجأة ليست في التاريخ، بل في المكان، فأغنية "Kinesiska Muren" للفنان إيفريت توب، كانت سويدية، الأغنية تتحدث عن سور الصين العظيم، وجاءت الأغنية قبل 35 عاما من ميلاد "Coke La Rock" الذي يعد رائدا من رواد الراب في أمريكا.
جاء أول تسجيل معروف من الشمال الأبيض البارد، وليس من الجنوب الإفريقي الحار، هذا بالتأكيد لا يعني أن الراب كفن جاء من الشمال، الأمر يحتاج إلى أدلة أكثر من تسجيل قديم.
قال أستاذ التاريخ في جامعة نيو مكسيكو، فيرينك سزسز، إن فنون الراب ومعاركه انتقلت إلى الولايات المتحدة عبر العبيد الأسكتلنديين، وإن هناك صلة واضحة بين الراب الحديث والفن الكاليدوني القديم الذي يسمى بالـ"flyting"، وهو فن التبارز اللفظي أو الهجاء، ويعد هذا الفن من الخطوات التي تسبق القتال الفعلي سواء بالأيدي أو بالأسلحة.
في الواقع، هذا الفن القديم انتشر في أنحاء كثيرة في أوروبا خلال العصور الوسطى، وعرفته ثقافات أوروبية مثل الثقافة الإسكندنافية، فكانت هذه المبارزة اللفظية تتم بين قبائل الفايكنج قبل حروبهم. وفي الأساطير الإسكندنافية، نجد أن الآلهة تتعارك فيما بينها بهذه الطريقة.
نجد الإله النرويجي الشرير لوكي في الأساطير الإسكندنافية، والذي اشتهر بفضل مارفيل كوميكس، يستخدم هذا الفن في معاركه مع الآلهة الآخرين، ونجد أيضا في الأسطورة النرويجية القديمة "Beowulf"، التي جاءت في قصيدة ملحمية مشهورة وتم نقلها إلى اللغة الإنجليزية، تتضمن عدد من المشاجرات الكلامية بهذا الشكل، لكن ماذا عن الأدب الإنجليزي؟
شاهد فيديو حديث عن المبارزات القديمة
الراب عند شكسبير
لا يمكن ذكر تاريخ الأدب الإنجليزي بدون الوقوف عند ويليام شكسبير، وكما نقلت "Beowulf" تأثر الأدب الإنجليزي كثيرا بآداب وفنون الحضارات والثقافات المجاورة له، فنجد عند شكسبير أيضا هذا الفن بشكل كوميدي، ولكننا نجد أنه متكرر في نصوص شكسبير، حيث تشارك شخصياته بانتظام في حروب كلامية بينها، واستخدم شكسبير هذا الأسلوب كثيرا لإضافة الكوميديا على مسرحياته، ولكن في كثير من الأحيان كان يستخدمه أيضا لدفع قصة المسرحية إلى الأمام.
وأخيرا يرى أستاذ التاريخ في جامعة ييل، "ويلي راف"، أن العبيد الإسكتلنديين كان لهم أثرا عميقا على تطور تقاليد الموسيقى الأمريكية الإفريقية، متفقا فيما قاله مع "فيرينك سزسز"، وقارن راف بين الـ"flyting"، و معارك الراب الحديثة، مؤكدا أن الاثنين يعتمدان على شخصين يتبارزان لفظيا وسط طقوس معينة، والفائز فقط هو من يملك الكلمة الأخيرة، والخاسر يسقط في الصمت.