التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:47 م , بتوقيت القاهرة

زوجة فرعون والافتتاح المثالي

اختيار فيلم الافتتاح في أي مهرجان سينمائي هو سؤال عسير غالبا ما يحتاج للكثير من التفكير والمداولة، نظرا للظروف التي يعرض فيها الفيلم، والمختلفة تماما عن الظروف القياسية لعروض أي مهرجان. بدءا من نوعية الحضور، والذين تتفاوت أنواعهم واهتماماتهم بصورة واضحة. فإذا كان جمهور المهرجانات عادة ما يكون من محبي السينما ومتابعيها، فكثير من جمهور ليالي الافتتاح لا علاقة له بالسينما أساسا، ما بين من يحضرون بحكم مناصبهم الرسمية، ومن يأتون لمشاهدة النجوم على الطبيعة، ومن يحضرون لمجرد امتلاك الفرصة للوجود في حدث غير مألوف.


ما سبق يجعل من الضروري أن يحمل فيلم الافتتاح قدرًا من الجماهيرية والقدرة على التفاعل مع الجمهور غير المتخصص. أضف إلى هذا الطابع الاحتفالي والاحتفائي الطبيعي للحدث، والذي يجعل بعض المهرجانات تفضل عدم عرض أحد أفلام المسابقة الرسمية في افتتاحها، حتى لا يعتبر تمييزا لفيلم داخل المنافسة ومنحه طبيعة عرض مختلفة عن باقي منافسيه، ليبرز مجددا السؤال الصعب: ماذا نعرض في حفل الافتتاح؟


التساؤل أجابت عنه بنجاح كبير ـ على الأقل من وجهة نظر كاتب السطور ـ إدارة مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، والذي افتتح دورته الثالثة مساء السبت الناضي بعرض الفيلم الألماني الصامت النادر "زوجة فرعون" للمخرج الكبير أرنست لوبيتش، بنسخة مرممة تم العثور عليها وجمعها بصورة أشبه بالحكايات.


فالفيلم الذي أخرجه لوبيتش عام 1922، عن حكاية تاريخية خيالية تدور في مصر الفرعونية، كان قد اختفى بصورته الكاملة من كل جهات الأرشيف السينمائي، حتى قرر الباحث الألماني توماس بيكلز من شركة ألفا أوميجا أن يحاول جمع أشلاء الفيلم، فبحث عن وجود بعض أجزاء النيجاتيف في أرشيف السينما الاتحادي الألماني، تلاه بأجزاء أخرى عثر عليها في روسيا، ثم أخرى في إيطاليا ونيويورك، ليصل في النهاية لنسبة من الفيلم كانت كافية لإعادة بناء نسخة من الفيلم وترميمها لتُعرض على الجمهور بعد نحو حوالي 90 عاما من عرضه الأول.


أجزاء النيجاتيف الذي تم العثور عليها ليست للفيلم بأكمله، بل ينقصها 600 متر كاملة من الخام، من أصل 2976 تمثل الطول الأصلي للفيلم. استعاض عنها بيكلز بصور فوتوغرافية للمشاهد الناقصة من الفيلم، عثر عليها في أرشيف ميونخ السينمائي، لتكون مشكلته كما أخبرني في حوار بعد العرض تتمثل في أن زمن عرض الصورة الثابتة لا يمكن أن يصل لطول اللقطة المتحركة، وفي نفس الوقت عليه أن يوصل الإحساس ولا يفقد الهارمونية بين الصورة وبين الموسيقى البديعة التي وضعها إدوارد كونيك، وهو ما اضطره لبعض الحلول التوافقية حتى يظهر الفيلم للصورة التي شاهدناه عليها في افتتاح مهرجان الأقصر.


عرض فيلم صامت على جمهور الافتتاح في مدينة مثل الأقصر مخاطرة كبيرة، فببساطة كان من الممكن أن يتحول الأمر إلى مصدر لسخرية الحضور، أو أن يتحول المسرح المبني خصيصًا للحفل في معبد الأقصر إلى ساحة خاوية إذا ما رفض الجمهور هذه النوعية من الأفلام. لكن المستوى الفني المُبهر للفيلم على مستوى جميع عناصره قياسا على عام إنتاجه: القصة والشخصيات والديكور والملابس والعدد الهائل من ممثلي المجاميع المستخدمين، كان وسيلة مثلى لدفع الحضور لتجاوز حاجز النوعية غير المعتادة (الفيلم الصامت)، والاستمتاع حتى النهاية بالفيلم.


جودة الاختيار لا تقتصر على مستوى الفيلم وقيمته التاريخية فحسب، بل تمتد لموقع العرض نفسه. فقد كان من الرائع أن يستضيف معبد الأقصر بتاريخه الممتد عرضا للفيلم الذي يروي حكاية تدور في بلاط فرعون مصري. وكان تواجد الفرعون أمينيس (جسده الممثل إيميل جاننجز) على شاشة داخل المعبد بمثابة تكريم للمخرج إرنست لوبيتش بعد قرابة القرن من صناعته لفيلمه. والنتيجة كانت عرض عمل ممتاز لجمهور تقبل اختلاف الفيلم واستقبله بحفاوة، وتجاوز بسببه أي هفوات طفيفية قد تكون حدثت خلال الحفل نفسه.


تتنوع الاختيارات في أفلام الافتتاح سؤال وأزمة دائمة لكل المهرجانات، ويبدو أن مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية قد أجاب عن السؤال بصورة مثالية.