التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:24 م , بتوقيت القاهرة

الوطنية.. حين تهزها "Selfie" لبنانية إسرائيلية

أي صورة ستُغضب الشرق الأوسط هذا الأسبوع؟ هل هي صور لداعش تقطع رؤوسا؟ أم ماذا؟


السؤال أثاره بطرافة فائقة نجم النقد السياسي الساخر الأمريكي "جون ستيوارت"، ليكمل جملته بأن الصورة التي هزت الشرق الأوسط هي لقطة "سيلفي" جمعت ملكة جمال لبنان "سالي جريج" بملكة جمال إسرائيل "دورون ماتالون" في حفل لملكات جمال العالم في ميامي الأمريكية.



ويُكمل ستيوارت ناقلا كيف قرّعت قنوات لبنانية الملكة الشابة التي لم تُحسن التعامل بحسبهم مع ممثلة لدولة عدوة رسميا للبنان ثم يهتف "إنها مسابقة للجمال.. كلهنّ عدوات أصلا".


ست دقائق من النقد الساخر الذكي والخفيف الظل نستحقه في لبنان، بعد أن انخرطنا في ذلك الجدل العقيم والمنافق حول صورة لا قيمة فعلية ولا حتى رمزية لها، مسبغين عليها كل ذلك الثِقل السياسي والمعنوي الذي دأبنا على اقترافه في كل حالة من هذا النوع.


انصب الغضب على الشابة اللبنانية وتناوب كُثر على توجيه التهم والنعوت.. فكيف لم تقذف ملكة جمال لبنان "عدوتها" الإسرائيلية بالحذاء حين اقتربت لتلتقط صورة معها. وما يزيد من الرثاثة هو مضمون الرد الدفاعي لـ "سالي جريج"، إذ ردّت بشكل ساذج لكن تواطأ كثيرون على القبول به لاحتواء الأمر، محاولين حصر الأمر بنوايا "خبيثة" من ملكة جمال "العدو الإسرائيلي". فقد صرحت "جريج" بأن ملكة جمال إسرائيل أقحمت نفسها في اللقطة، وهذا ما لم يظهر في الصورة، إذ تبدو جريج مبتسمة ما ينفي حجتها.


في الحقيقة وبعد أن نضحك مع "جون ستيوارت" من الفقاعة التي سببتها هذه الصورة، لا بأس ببعض الجدل إذ لا تحتمل هذه القضية أكثر من تأمل عابر لنعاود الانشغال باحتمالات الموت الكبرى التي نعيش في قلبها أو في أحسن الأحوال على أطرافها في لبنان والمنطقة.


كان يمكن لهذه الصورة لو حدثت قبل خمس سنوات، وبفعل الاستسلام للمنظومة الثقافية السياسية التي شهرت شعار مناهضة التطبيع، أن أصابت وترا أكثر حساسية من الآن، وهذا حدث فعلا في حالات سابقة من هفوات جرى ارتكابها في محافل دولية تجمع بين أعداء ومتناقضين كلبنان وإسرائيل.


لكن ما حدث في السنوات الأخيرة والارتجاجات المُدوية للمفاهيم التي كبرنا عليها أضاء بشكل لا لبس فيه على التلفيق الكبير الذي حيك حول قضايانا الأم من بينها قضية فلسطين والصراع مع إسرائيل.


الاستبداد الذي انفجر في وجوهنا بعد ربيع 2011 أكان باسم الوطنية أم باسم الدين كشف كم تاجرنا بفلسطين وبالعداء لإسرائيل. حتما القضية الفلسطينية قضية حقة وإسرائيل دولة عنصرية محتلة قاهرة للشعب الفلسطيني واحتلت أراض عربية.


هذا شأن لا لبس فيه.. لكن استثمار القضية الفلسطينية الذي طال حتى أبسط التفاصيل الثقافية والاجتماعية، بحيث نثور من أجل مشروب قهوة أو نقيم الدنيا لأن كوميديا فرنسيا يحمل الجنسية الإسرائيلية سيزور لبنان، ولائحة طويلة من الهوامش التي حولناها إلى قضايا كبرى أمر لم يعد له وقعه اليوم بل يبدو كم هو هزيل ومثير للضحك تماما كما فعل "جون ستيوارت".


لا يهدف هذا القول للتقليل من موقع إسرائيل كدولة عدوانية عنصرية محتلة، بل يهدف إلى نزع هوامش كثيرة ألصقت بالصراع معها.. فكرة المقاطعة بصيغها التي أرستها أنظمة مستبدة وقاتلة وأحزاب شمولية وراديكالية يجب إعادة النظر فيها تماما كما يعاد النظر بهذه الأنظمة وبهذه الأحزاب.


يجب أن يعاد الاعتبار إلى أننا نحن غالبية ديمغرافية وثقافية لا تخاف من مختلف ولا حتى من معتد. المقاطعة تنطوي على خوف وعلى انعدام ثقة بالنفس ثقافي وحضاري. ليس أقل دلالة على هذه القلة الثقة بالنفس سوى هذا الارتباك الذي سببته صورة عابرة على شواطئ ميامي.