التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 01:30 ص , بتوقيت القاهرة

"حريق القاهرة".. لغز ينتظر الحل

كان حريق القاهرة في 26 من يناير 1952 من أبشع الأحداث التي تعرضت لها مدينة القاهرة خلال القرن العشرين، وأكثر صفحات تاريخها غموضا، وأشدها تأثيرا في مجريات الأمور، وظل هذا الحادث لغزا لا يدري أحد من قام به على وجه التحديد، هل رتبته إحدى الجهات صاحبة المصلحة في إجهاض حركة الشعب الثائرة ضد الفساد والاحتلال؟ أم بدأ عفويا تلقائيا كرد فعل لما حدث من مذبحة لرجال الشرطة المصريين في الإسماعيلية في اليوم السابق، ثم استغلته جهات مختلفة وحاولت استثماره ليخدم مصالحها وأهدافها؟



المأساة
بدأت المأساة في الثانية من صباح ذلك اليوم بتمرد عمال الطيران في مطار ألماظة "القاهرة"، ورفضوا تقديم الخدمات لأربع طائرات تابعة للخطوط الجوية الإنجليزية، تبعها تمرد البوليس في ثكنات العباسية تضامنا مع زملائهم الذين تعرضوا للقتل والأسر في الإسماعيلية.


ثم زحف المتظاهرون تجاه الجامعة وانجرف معهم الطلبة، واتجهوا إلي مبنى رئيس الوزراء مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا وإعلان الحرب عليها، فأجابهم وزير الشؤون الاجتماعية، في ذلك الوقت، عبد الفتاح حسن، بأن الوفد يرغب في ذلك ولكن الملك يرفض، فقصد المتظاهرين قصر عابدين وانضم إليهم طلبة الأزهر وتجمعت حشود المتظاهرين الساخطين على الملك وأعوانه والإنجليز.


مشاهد من حريق القاهرة عام 1952



الشرارة الأولى


و ما إن انتصف اليوم حتى بدأت الشرارة الأولى للحريق من ميدان الأوبرا بإشعال النيران في كازينو "أوبرا"، وانتشرت النيران في فندق شبرد ونادي السيارات وبنك بركليز، وغيرها من المتاجر ومكاتب الشركات ودور السينما والفنادق والبنوك، وكان التركيز على الأماكن والملاهي الليلية التي ارتبطت بارتياد فاروق لها والمؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية.



الخسائر


 وطالت الحرائق أيضا أحياء الفجالة، الظاهر، القلعة، ميدان التحرير، وميدان محطة مصر، وسادت الفوضى وأعمال السلب والنهب، حتى نزلت فرق الجيش إلى الشوارع قبيل الغروب، فعاد الهدوء إلى العاصمة واختفت عصابات السلب والنهب، وأعلنت الحكومة الأحكام العرفية، ولكن لم يتم القبض على أي شخص في هذه اليوم.



اختلفت الروايات في عدد من قتل في ذلك اليوم نتيجة الحرائق والشغب، ولكن جمال حماد في كتابه "أسرار ثورة 23 يوليو"، ذكر أن 26 شخصا قتلوا في ذلك اليوم، 13 في بنك باركليز، 9 في الترف كلوب، والباقين داخل بعض المباني والشوارع، كما دمرت النيران ما يزيد عن 700 منشأة موزعة كالآتي:


التهمت النيران 700 مكان ما بين محلات، سينما، كازينو، فندق، مكتب، ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة، أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر آنذاك ومكاتب لشركات كبرى، و117 مكتب أعمال وشقق سكنية، و13 فندقا كبيرا مثل: "شبرد، متروبوليتان، وفيكتوريا"، و40 دار سينما منها: "ريفولي، راديو، مترو، ديانا، وميامي"، و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات، و10 متاجر للسلاح، و73 مقهى ومطعم وصالة، و92 حانة و16 ناديا، أي أن النيران أحرقت كل المظاهر الحضارية للقاهرة وشلت كل مراكز التجارة بها.



احتفال وسط النيران


ومن الغريب أنه في نفس التوقيت كان هناك حفل ملكي، واتصل وزير الداخلية آنذاك، فؤاد سراج الدين، بالملك يطلب منه الاستعانة بالجيش للسيطرة على الحريق، لأن الأمر أصبح فوق طاقة الحكومة، وفوق طاقة البوليس، والأغرب أن وزير الحربية آنذاك، حيدر باشا، تلكأ في التدخل وترك الموقف يتفاقم، سواء لرغبته في إحراج الحكومة، أو لأنه كان مشغول في الاحتفال.



من وراء الحريق؟


اختلف المؤرخون في من كان وراء حريق القاهرة في ذلك اليوم، فهناك من يقول إن الملك فاروق كان وراءه، ليتخلص من وزارة النحاس باشا، وهناك من يقول الإنجليز، للتخلص من وزارة النحاس التي ساءت علاقتها به بعد إلغاء معاهدة 1936، وهناك من يقول حزب "مصر الفتاة" والإخوان المسلمين، ولكن لم تظهر حتى الآن أدلة مادية تدين أي طرف في إشعال هذه الحرائق، لذلك سيبقى حريق القاهرة لغزا ينتظر الحل.


كان الحدث كبيرا، وحاول كل طرف أن يستغله لصالحه ضد الأطراف الأخرى، ولكن الأيام التي تلت ذلك، دلت على أن الحدث كان له نتائج فاقت كل التوقعات، وعصفت بمصالح كل الأطراف لصالح ما يريده الشعب، لكن يظل حريق القاهرة أكثر الحوادث غموضا في تاريخ مصر ولا أحد يدري حتى الآن من قام به؟ هل رتبته قوات الاحتلال البريطاني لتوقف المقاومة؟ أم أنه بدأ عفويا تلقائيا؟



هيكل وحريق القاهرة


وقال الكاتب محمد حسنين هيكل تعليقا على الحادث: "أنا مش معتقد لغاية هذه اللحظة، إن عملية حريق القاهرة بدأت بتدبير مقصود على هذا النحو، لكن أنا باعتقد إنه كان ركام، وعود كبريت قرّب من الركام والدنيا ولعت، لكن أظن إنه العفوي فيه ابتدا ثم دخل الجزء المنظم".


المتضررون


أسفر الحريق عن مقتل 26 شخصا، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصا، كما أدى إلى تشريد عدة آلاف من العاملين في المنشآت التي احترقت، وليلتها اجتمع مجلس الوزراء وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى، وتم تعيين مصطفى النحاس باشا حاكما عسكريا عاما، ويعتبر حريق القاهرة هو الشرارة التى تسببت في إسراع الضباط الأحرار في القيام بالثورة بعد أقل من ستة شهور.


فيلم وثائقي لحريق القاهرة 
وعلى سبيل التحقق من الأمر ومحاولة توثيقه مرة أخرى عن طريق بعض الرواة من كبار السن وغيرهم ممن عاصروا حريق القاهرة، أعلن الكاتب الصحفي محمد أبو الغيط، عبر حسابه الخاص على "فيس بوك"، يوم 22 من يناير الجاري، ما يلي:


إعلان هام، أعمل مع أصدقاء على عمل وثائقي حول قصة حريق القاهرة 1952، ونحتاج بعض المساعدات.


1- يهمنا في المقام الأول أن نجد أكبر عدد من الشهود الأحياء، أشخاص عاديين جدا شهدوا الأحداث، لو أي حد هنا عنده جده أو جدته حضر يومها ياريت يتواصل معايا.


2- المقام الثاني هو راوي الأحداث عن رواية، الجد الله يرحمه توفي لكنه حكى للحفيد، فوارد نصور مع هذا الحفيد.. لو فيه حد كده هنا يا ريت يتواصل برضه.


3- الأستاذ جمال الشرقاوي الله يرحمه، صاحب أهم كتابين عن حريق القاهرة في رأينا المتواضع، هل فيه حد يقدر يوصلنا بعائلته؟


4- أي مساعدة من أي نوع، أي ورقة قديمة، أي تسجيل، أي شخص، أي فكرة، أي مصلحة.