التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:23 م , بتوقيت القاهرة

النكد يكسب أكثر !

 


يُحكى أن ناشر صحف قرر أن يُصدر صحيفة يُريّح بها أعصاب القراء، فأصدر صحيفة اسمها: أخبار سعيدة، وصدر العدد الأول ونفد فور صدوره، لم تبقَ نسخة واحدة، أقبل القراء يلتهمون الصحيفة التي لا تنشر سوى الأخبار السعيدة المُبهجة، لا يوجد فيها صفحة للوفيات ولا خبر حادث قتل أو حتى سرقة، كما أن باب الحظ لا ينشر إلا نبوءات: مال في الطريق إليك، حب جديد يدخل قلبك، رحلة سفر مُمتعة.


وصدر العدد الثاني، وأقبل القراء على شراء الجريدة، لكن لم يكن بنفس الحماس الأول، ثم صدر العدد الثالث، فعادت نسخ الصحيفة إلى الناشر بدون مبيعات إلا قليلا.. وقبل أن يصدر العدد الرابع قرر إغلاقها.


حدث ذلك في تجربة لم تتكرر منذ 25 سنة، فهل يُمكن أن تتكرر الآن وتنجح ؟ هل بعد مرور 25 سنة و25 ألف حادث مأسوي هز أعصاب الناس يُمكن أن يُفكرَ ناشر شجاع في تجربة إصدار صحيفة سعيدة ؟


الواقع يقول إن المشاهد يلعن أخبار الجريمة والعنف والخوف التي تنشرها برامج منتصف الليل.. لكنّه لا ينام دون أن يتابعها، ثم يلعنها مرة أخرى وينام لتطارده كوابيس.


نفس الأمر، تبقى صفحة الحوادث هي أكثر صفحات الصحف قراءة، رغم أن الدم أصبح قريبًا جدًا من حياة كل واحد فينا، دم قنبلة قتيل قتله، مع ذلك يتابع الناس الصحف التي تنشر نفس أخبار العنف بحماس منقطع النظير.


يضع المُعلن إعلاناته في الصحف التي تنشر الأخبار المُثيرة التي دائما تأتي بعد موجة عنف، يضع إعلاناته على فواصل البرامج التى يملؤها أصحابها بأخبار الموت، ومازالت تُحقق روايات العنف والجريمة والرعب أكثر الأرقام توزيعا.


العنف يكسب، النكد يكسب أكثر، الحزن يحقق أرباحا خيالية، الكوميديا السوداء أرباحها أضعاف الكوميديا الساخرة.. ببساطة، الجريمة مثيرة مثل آيس كريم في نهار صيفي حار جدا، بضاعة الأرق تُباع على الأرصفة بسهولة، بينما بضاعة الأمل تُباع في فاترينات الذهب والألماس.


ومع ذلك عندي أمل في أن يكون لدينا ناشر يتحمس لجريدة ليس فقط للأخبار السعيدة، إنما للأمل وقصص النجاح، وأن يكون لدينا منتج يؤمن أن دوره لكي يعيد التوازن إلى المجتمع أن يقدم برنامجا مبهجا ومسلسلا سعيدا وفيلما يحمل قيم كثيرة فقدناها.


حتى لو كان في الأمر مغامرة، فهى تستحق، وتستحق أن نعود القارئ والمشاهد أن هناك شيئا مختلفا عن كل المواد التي أصبحنا محاصرين بها. هذا وقت المغامرة ووقت أن يتحول مزاج المشاهد والقارئ المصري من أحوال الدم إلى أحوال الطقس والحب والأمل والحرية والحلم.