كيف يمكن ملاحقة "شارلي إبدو" طبقا لقوانين فرنسا؟
أثار الهجوم على مجلة شارلي إبدو، خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، واستمرار الصحيفة على نهجها بنشر صور للنبي محمد، بعد الهجوم، مسألة حرية التعبير في فرنسا ومدى حدودها، وما هي القوانين التي تضمن أو تشكل هذه الحرية؟.
توضح صحيفة "لو موند" الفرنسية، أن حرية التعبير في فرنسا وأوروبا هي مبدأ مطلق تضمنه العديد من القوانين والنصوص، وعلى رأسها إعلان حقوق الإنسان عام 1789، والذي نص على "حرية التواصل بين المفكرين والرؤى واحدة من الحقوق الثمينة للإنسان: كل إنسان يمكنه إذن الكلام والكتابة والنشر بحرية، بدون إساءة استخدام هذه الحرية وفقا لما يحدده القانون".
حدود حرية التعبير في فرنسا
ومن هذا، فإن حرية التعبير ليست كاملة أو غير محدودة، فهناك قانون يضع أطرها الذي لا ينبغي أن تزيد عنه، فالحدود الرئيسية لحرية التعبير في فرنسا ترتكز على جانبين، التشهير والإهانة من جانب، والتصريحات التي تحرض على الكراهية، وكذلك التصريحات المعادية للسامية والتصريحات العنصرية والمعادية للمثليين.
وإدانة متعدي هذه الحدود لا تقتصر فقط على تصريحات شفاهية، لكنها تتضمن أيضا كتابة تصريحات لا تلتزم بهذه الحدود على صفحات "فيس بوك" أو موقع إلكتروني، كما أن صاحب هذا الموقع يعتبر مسؤول أيضا، إضافة إلى أنهم لا يحاكموا في حالة حذف وإلغاء ما تم نشره على الإنترنت في غضون فترة زمنية، يتفق عليها القانون الفرنسي.
حرية التعبير أيضا تتضمن حرية الصحافة، والقانون الفرنسي من أقدم القوانين التي نصت على حرية الصحافة، حيث نصت المادة الأولى من قانون حرية الصحافة عام 1881، على "الطباعة والمكتبات تكون حرة، الكل مكفول له حق الطباعة، نشر ما يريد"، لكن هذا القانون وضع استثناءات أيضا، أولها الإهانة، وكذلك التشهير أو الافتراء أو التعدي على شرف شخص بعينه ونسب إليه أعمال لم يقم بها.
في نوفمبر الماضي أصدرت الحكومة الفرنسية قانونا ضد الإرهاب، تضمن فرض مزيد من العقوبات على كل من يدافع أو يقدم أعذار عن الإرهاب، تصل هذه العقوبات إلى منعه من مزاولة عمله وغلق المواقع التابعة له، وهو الأمر الذي استنكره كثير من المدافعين عن حرية التعبير في فرنسا.
كيف يمكن ملاحقة "شارلي إبدو"؟
وتشير الصحيفة إلى أن خلاصة القول، فإن حرية التعبير لا تسمح بالدعوة علنية لقتل الآخر أو تقديم عذر عن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الدعوة لكره جماعة على أساس إثني أو توجه وطني، كما لا يحق استخدام حرية التعبير للدعوة إلى الكراهية أو العنف نحو جنس معين أو توجه جنسي أو معاق، كما أن حرية التعبير لا تعطي الحق لمعاقبة طرف قبل تعدي الحدود، فيحق للدولة معاقبة الذي يرتكب هذه التعديات ولا يحق لها أن تمنعه من نشر أو قول ما يريد، ولكن حينما يقدر شخص أو منظمة أو الدولة أن المعتدي تجاوز حدود الحرية فيحق لهم رفع دعوى قضائية، ومن هنا فإن القاضي هو الذي يقدر مدى خروج هذا المعتدي عن الحدود المنصوص عليها ويراها أنها مبررة أو غير ذلك.
خلال الفترة الأخيرة، تساءل الكثير حول حدود حرية التعبير في فرنسا مع أزمتي "شارلي إبدو" والإعلامي الساخر ديودنيه الذي يشن هجوما شديدا على اليهود في فرنسا، ينبغي أن نشير إلى أن مجلة شارلي إبدو وسابقتها "Hara-Kiri" الساخرة، تعرضت مسبقا لغضب الرقابة خاصة عام 1970، عقب موت الجنرال شارل ديجول، حيث عنونت مجلة "Hara-kiri"، "كرة مأسوية في كولومبي: ميت واحد" ، في الإشارة إلى حياة الجنرال والحادث الذي خلف 146 قتيل في ديسكو الأسبوع الأسبق، بعد هذا المقال بعدة أيام أمرت وزارة الداخلية بحظر هذه المجلة الإسبوعية، وأصدرت ضدها إجراءات استمرت لفترة طويلة بعد ذلك، تلتها ظهور مجلة "شارلي إبدو" بنفس الفريق.
وواجهت المجلة الوليدة العديد من الملاحقات القضائية منذ صدورها، وصلت إلى 50 قضية في الفترة بين 1992 وعام 2014، أي بمعدل قضيتين كل عام.
وفي حالة ديودنيه، فكثيرا ما دُعي القضاء ليكون صارما في الحكم على المذيع الساخر، والذي لم يعتبر ديودنيه على خطأ، فعلى الرغم من إدانته في السابق بالعديد من التهم مثل التشهير والإهانة، إلا أنه بُرئ من العديد من القضايا، كما سمح القضاء بتقديم سكتش ساخر عقب دعوة من قبل الرابطة الدولية ضد العنصرية والمناهضة للسامية، وفي نهاية عام 2013 منعت الحكومة تقديم برنامجه الساخر، لكن محكمة مجلس الدولة أعطت له الحق في متابعة برنامجه.