التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 04:07 ص , بتوقيت القاهرة

ما السبب وراء مخاوف ميشيل هولبيك من الإسلام؟

تردد مؤخرا في الساحة الأدبية اسم الروائي الفرنسي ميشيل هولبيك، كواحد من أولئك المتهمين بالإساءة إلى الإسلام، خاصة وأن له رواية صدرت في يوم وقوع مجزرة "شارلي إبدو" الأربعاء الماضي، التي راح ضحيتها 12 قتيلا من العاملين في المجلة، 4 منهم رسامي كاريكاتير.


ربما تكون تلك هي المرة الأولى التي نستمع فيها إلى اسم هذا الروائي، لكننا لا نعرف عنه شيئا، وتتوالى الأحداث وردود الأفعال لنكتشف أنه قد صرح، في عام 2002، بأن "الإسلام أغبى الأديان"، ويبقى موقفه المتخوف من الإسلام، والمثير للجدل خاصة بعد خروج روايته الأخيرة "استسلام"، لتلقى هجوما ورفضا لا يقل عن الهجوم على رسمات "شارلي إبدو" المسيئة للأديان.


ولد "ميشيل هولبيك" الشهير بـ"ويلبيك"، في 26 فبراير سنة 1958، في جزيرة ريونيون في فرنسا، كان والده مرشدا في مناطق فرنسا الجبلية، ووالدته طبيبة تخدير، في سن السادسة تخلت عنه والدته بعد أن أشهرت إسلامها، وتركته في رعاية جدته لوالده الشيوعية التي تشبع بأفكارها، لذلك فهو يكره ماضيه، ويمثل له الإسلام شبحا من نوع خاص، ويرجع سبب معاداته للإسلام لترك والدته له.


لم يعش ميشيل بعيدا عن باريس في طفولته، فأول مرة غادرها، عاش في شابيل مع جدته، ثم انتقل إلى مدرسة داخلية بعد ذلك في ميو لمدة ست سنوات، وأخيرا نال دورات تحضيرية قبل أن يلتحق بنظام الدراسة في مدرسة جراندي، وغيّر اسمه إلى ويلبيك لأنه كره كل ما يذكره بالماضي.


في عام 1978 ماتت جدته، وبعدها بـ3 سنوات حصل على شهادة البكالريوس في الهندسة الزراعية عام 1980، وفي العام نفسه، تزوج من أخت زميله في الدراسة، وفي عام 1981 رزق بأول مولود له واسماه "أتيان"، وبعد أربع سنوات عانى فيها من البطالة، طلق زوجته ودخل في نوبة اكتئاب طويلة وأقام في مصحة نفسية، حتى تعافى وحصل على عمل سكرتير إداري في الجمعية الوطنية الفرنسية.


بدأ ميشيل مسيرته الأدبية شاعرا وهو في العشرين من عمره، سانده وقتها بلتياو، رئيس تحرير مجلة "نوفيل دي باريس"، الذي التقاه أول مرة في عام 1985، وساعده في نشر قصائده، ليصبحا بعد ذلك صديقين، واقترح بلتياو أن يكتب ميشيل ضمن سلسلة "غير القابل للتكرار"، التي أطلقها بلتياو وطبعتها دار نشر "لو روشيه"، وبعدها زادت شعبية ميشيل وشهرته.


نشر ميشيل، في عام 1991، كتاب "طريقة ريستر فيفيان في البقاء على قيد الحياة"، وفي عام 1992 نشر مجموعة قصائده الأولى "السعي لتحقيق السعادة"، والتي فازت بجائزة تريستان تزارا الأدبية، وفي عام 1994 نشر ديوان "ماذا بعد؟" عن دار نشر Maurice Nadeau، ثم أصدر روايته الأولى "الظلام واليأس"، والتي جلبت له جمهورا واسعا وتمت ترجمتها إلى عدة لغات.


ومنذ عام 1996 تنشر دار نشر "فلاماريون" أعمال هولبيك، وفي عام 1996 حصل على جائزة "فلور"، وأعاد نشر أعماله في نفس الدار، أما في عام 1998، فقد حصل على الجائزة الكبرى في الآداب للمواهب الوطنية عن مجمل إنتاجه الأدبي، وفي نفس العام، تزوج من ماري بيير غوتييه، الذي كان قد التقاها في عام 1992، وفي عام 1999، نشر مجموعة جديدة من القصائد، وفي ربيع عام 2000 غنى بصوته بعض قصائده.


ترجمت أعمال هولبيك إلى 36 لغة، وانتشرت في العالم من اليونان إلى اليابان، مرورا بروسيا والسويد وأيسلندا وصولا إلى الولايات المتحدة، ما يعني أن رواياته مترجمة لمعظم لغات العالم، ويعتقد غير الفرنسيين أن هولبيك هو بلزاك هذا العصر، وأهم روائي فرنسي.


ومؤخرا، أثار هولبيك الجدل بعد رواية "استسلام"، والتي يتخيل فيها أسلمة المجتمع الفرنسي، ويعتبر بعض الناس أن هولبيك يعاني من "الإسلاموفوبيا"، ويتواجه الصحفيون والكتاب وعلماء الاجتماع عبر مقالات محتدمة ومتناقضة فيما احتل الكاتب المثير للجدل الساحة الإعلامية ويتهمه مدير صحيفة "ليبراسيون" اليسارية في فرنسا، لوران جوفران، باللعب على وتر الخوف من الإسلام وبتعزيز أفكار اليمين المتطرف.


ودافع عنه الكاتب إيمانويل كارير بحماس شديد، حيث قال عن "استسلام" إنه "كتاب رائع يتسم بزخم روائي استثنائي"، في مقالة ينشرها الملحق الأدبي لصحيفة "لوموند"، متابعا أن "تكهنات ميشال ويلبيك الاستباقية تنتمي إلى العائلة ذاتها" مثل روايتي القرن العشرين "1984" لجورج أورويل، و"أفضل العوالم" لألدوس هاكسلي، وأقرت الصحفية كارولين فوريست، بأن "الروائي ليس صاحب مقال، لا يمكن أن نحكم عليه بالطريقة نفسها"، مؤكدة أنه "من الطبيعي أن نتساءل حول نجاح أدب يتناول نظرية انحطاط فرنسا".


وكان هولبيك، في تصريح سابق قبل عدة سنوات، قد هاجم الإسلام ووصفه بأنه "أغبى الأديان"، ومع ذلك فهو يصر على قوله إنه لا يريد أن يستفز أحدا، وأشار الروائي، في أحد المقابلات التي أجراها قبيل نشر الكتاب، إلى أن فكرة قيام حزب إسلامي بتغيير وجه السياسة الفرنسية فكرة معقولة جدا، ولو أنه أقر بأنه قلص المدة التي يمكن أن يحدث فيها ذلك، كما صرح لمجلة "باريس ريفيو": "حاولت أن أضع نفسي مكان شخص مسلم، وتيقنت أنهم في الحقيقة واقعون في وضع فصامي لا يحسدون عليه".


وصدرت رواية هولبيك الجديدة "الاستسلام" بالتزامن مع مجزرة مجلة تشارل ابدو الأربعاء الماضي والتي راح ضحيتها عدد كبير من صحفيي ورسامي المجلة بسبب رسمات مسيئة للإسلام، هولبيك الذي ظهر غلاف روايته على صفحة مجلة "شارلي إبدو" يوم المجزرة أوقف الترويج والدعايا لها نعيا للضحايا، وقال وكيل أعماله إن هولبيك قرر ترك باريس والرجوع إلى الريف إلى أجل غير مسمى، وتم إغلاق دار النشر التي أصدرت روايته وإخلائها من كل من فيها، ووضعت تحت حراسة الشرطة في باريس.


رواية "استسلام" تصوّر أن زعيم الجبهة الوطنية، مارين لوبان، ينافس زعيم حزب مسلم، يُدعى محمد بن عباس، لرئاسة الجمهورية في عام 2022، في نهاية فترة ولاية ثانية للرئيس الاشتراكي فرانسوا أولاند، ويأتي توقيت إطلاق الكتاب والهجوم الإرهابي ليلفت النظر بشدة للمفارقة، وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، للصحفيين: "فرنسا ليست هولبيك، فرنسا ليست الكراهية والخوف".