التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:32 م , بتوقيت القاهرة

السياب

على بعد أمتار قليلة جدا من قبر الحسن البصري، اللي فيه برضه قبر ابن سيرين مفسر الأحلام، هـ تلاقي مدافن بيت السياب، وهـ تلاقي قبر الشاعر العراقي بدر شاكر السايب.



 


بالنسبة لـ جيلي اسم السياب مش غريب على مصر، كان الكلام في التمانينات مين رائد الشعر الحر، اللي هو خرج من القصيدة العمودية، اللي هي الشكل التقليدي جدا للقصيدة، حيث كل بيت عبارة عن شطرين قد بعض، والقافية في الشطر التاني. أما الشعر الحر فـ كان تفعيلات مش ملتزمة بـ عدد معين علشان تكرر القافية، وممكن ما تكررهاش أصلا.


حياة السياب القصيرة كانت سلسلة من الانقلابات الجذرية، والرحيل المفاجئ من حالة لـ حالة، يعني هو كان شيوعي.


في مصر كان عندنا صلاح عبد الصبور، وفـ العراق كان السياب ونازك الملائكة، وكان النقاش دايما حوالين أحقية أي حد من التلاتة دول حوالين ريادة القصيدة الجديدة.


السياب اتولد في العراق، تحديدا في جيكور، اللي هي في الجنوب، تابعة لمحافظة البصرة، وجيكور بلد جميلة مليانة نخيل وأشجار "وخضرة ومية وشمس عفية"، والكلام ده كان سنة 1926.


حياة السياب القصيرة كانت سلسلة من الانقلابات الجذرية، والرحيل المفاجئ من حالة لـ حالة، يعني هو كان شيوعي، وبعدين انقلب على الحزب الشيوعي. كان ضد الملكية (في العراق اسمها الملوكية) واتسجن بسبب كده، وبعدين بقى مع الملوكية، وبعدين ضدها تاني، ولما عبد الكريم قاسم أقام الجمهورية سنة 1958، وألغى الملكية كان مرحب بـ التغيير الجديد، وهكذا أراؤه اتغيرت كتير في الـ 38 سنة اللي عاشهم.


حتى على مستوى الشغل، اللي هو العمل، اشتغل حاجات كتير مالهاش علاقة بـ بعض، يعني: من مدرسة المعلمين بـ يتخرج مدرس، لكن يدرس بعد كده الترجمة، ويشتغل مترجم فترة، ويصدر كتب مهمة فـ الترجمة، وبعدين في الاستيراد والتصدير في جهة حكومية.


ما أقامش في بلد واحدة لـ فترة طويلة، من جيكور للبصرة، ومن البصرة لـ بغداد، وبعدين خدها لف في بلاد كتيرة: من إيران لـ لبنان، وفـ الآخر اتوفى في الكويت، واتدفن في جيكور.


يمكن أشهر أعمال السياب هي قصيدة "المومس العمياء"، وعلى زمني كانت صادرة في طبعة غريبة جدا، شبه النوتة الصغيرة بتاعة القهوجية، قطع صغير أقل من حجم كفة الإيد، وكنت دايما أشوف الروائي السوداني العظيم عبد العزيز بركة ساكن ماسكها فـ إيده، ولما يشوفني، يقول لي تعال اسمع:


الليل يطبق مرة أخرى،


فتشربه المدينة


والعابرون، إلى القرارة،


مثل أغنية حزينة.


القصيدة دي كتبها سنة 1954، وأعتقد والله أعلى وأعلم إنها كانت في ذهن أمل دنقل وهو بـ يكتب كتير من شعره في الستينيات بالذات كلمات سبارتاكوس الأخيرة، وفـ ذهن نجيب سرور وهو بـ يكتب لزوم ما يلزم.


ومع إن المومس العمياء مليانة رموز، واستلهام من أساطير الدنيا كلها، إنما المومس العمياء فعلا شخصية حقيقية كانت عايشة فـ بغداد، وفعلا كانت مومس، وفعلا كانت عمياء.


بداية من سنة 1961 بدأ السياب يمرض، ويحصل له ضمور، والسنين الأخيرة كانت صعبة للغاية، وحاول يتعالج في أكتر من مكان بره العراق، رسيت فـ الآخر ع المستشفى الأميري في الكويت، قضى فيها شوية وقت حلوين، بس فـ النهاية، وفـ ديسمبر 1964 (من خمسين سنة بالظبط) اتوفى السياب، ونقلوا جثته على بلدهم يندفن هناك.


دلوقتي، فيه مشروع لـ تحويل البيت اللي اتولد فيه لـ متحف، بس هو دلوقتي مقفول، ومحدش بـ يزوره، ولو رحت هناك مش هـ تلاقي حواليه غير النخيل والشجر، وتوك توك ملك ولاد عمه، مكتوب على ضهره: "اللي أحبهم ما وفوا". ربنا يرحمه ويرحم الجميع.