التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:18 م , بتوقيت القاهرة

سيد "حجاب" على حيطان بيت نوبى تحت النيل

ولما أموت
لو مت ع السرير ابقوا احرقوا الجسد
ونطوروا رمادى ع البيوت
وشوية لبيوت البلد
وشوية ترموهم على تانيس
وشوية حطوهم فى إيد ولد
ولد أكون بُسُته .. ولا أعرفوش
ولو أموت ..
قتيل – وانا من فتحة الهويس بافوت -
ابقوا اعملوا من الدما حنة
وحنوا بيها كفوف عريس
وهلال على مدنة
ونقرشوا بدمى
- على حيطان بيت نوبى تحت النيل –
اسمى


هكذا نعى سيدنا السيد نفسه وخط وصيته إلى العالمين، ساحر العامية الأعظم سيد حجاب الذي اختار الرحيل عن عالمنا في الذكرى السادسة لثورة 25 يناير.
لم تكن العامية عند سيد حجاب مرادفا للاستسهال أو السوقية، كانت عاميته تعنى الحس الشعبى الحيوي المرن السامي، فأثرى القاموس الشعري بمفردات وإيقاعات وتراكيب حيت فى الوجدان وعلى الألسنة.


بين رهبة م التوهة.. وتوبة برغبة
سددنا ديننا.. وغيرنا أغنى.. وأغبى
وقلوب مصاحبة الحق.. صاحية ومشاغبة
وقلوب تدوب ما تتوب.. ولا هي دارية


سألته ذات مرة: "لك سطر متفرد.. هل تكتب تراكيبك الشعرية هذه من أول مرة؟".. خجل وابتسم ولم يرد.



لو عايز تبقى عالي مد في أرضك جدور


جاء شعر سيد حجاب كروحه، طازجا، جادا، صفيا، يحمل إيقاعا متفردا، وتملؤه خبرة نادرة بالحياة، كلمات تشبهه، أمير يرتدي زي العوام ويجلس بينهم، ينشر المحبة، ويحدثهم لغته ليرتقي بهم، إذا أغمضت عينيك قليلا لتتخيل سيد حجاب دون أن تعرف شكله ستتخيله كما هو فعلا، هذا الرجل الذي يرتدي الجلابية البلدي ويجلس في مكتبته العامرة يقرأ ويكتب ويبدع.


قصائد سيد حجاب لا تعبر عن وعى العوام والفقراء، ولا يتبنى شعره وجهة نظرهم وخيالاتهم ورؤيتهم للحياة، وإن جاءت قصائده تتناول حياتهم وتتعاطف معهم، لكنها شكلت مستوى آخر لوعيهم لا يقف عند سطح الممارسة اليومية، لكنه يصل حد جذورها. 


ويرفرف العمر الجميل الحنون
ويفر ويفرفر في رفة قانون
وندور نلف ما بين حقيقة وظنون
وبين أسى هفهف وهفة جنون


شاعر أزمنة التحولات الذي صدمته في شبابه نكسة 67 وجعلته منحازا للقضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية، ثم عاش معركة النصر في 1973 وما تلاها فاستطاع أن يصوغ بكلماته كل أحداث الوطن، الأب الذي وجدناه حاضرا خلال ثورة 25 يناير ثم 30 يونيو وسعدنا بكونه من صاغ ديباجة دستور مصر التي رسمت قصائده لها دليل جيلنا لمحبة الوطن.


حبيبتى من ضفايرها طل القمر 
وبين شفافيها ندى الورد بات
ضحكتها بتهز الشجر والحجر 
وحنانها بيصحى الحياة فى النبات 
حبيبتى بتعلمنى أحب الحياة 
من حبى فيها حياتى شمس وربيع
والحب فى الدنيا دى طوق النجاة 
لولاه يضيع قلبي المحب الوديع
يا حلوة يا بلدنا يا نيل سلسبيل 
بحبك انت رفعنا راسنا لفوق 
لو الزمن ليِّل ما يرهبنا ليل 
شوقنا فى عروقنا يصحى شمس الشروق
للحلوة قلب كبير يضم الولاد 
وزاد وزوادة وضلة وسبيل 
الموت والاستشهاد عشانها ميلاد 
وكلنا عشاق ترابها النبيل 


"تترات المسلسلات" كانت بوابة اللقاء مع سيد حجاب.. لم يكن سيد حجاب يكتب مجرد كلمات لأغاني تستهل أو تختم حلقات المسلسلات، كان يصنع دراما موازية، دراما مستقلة سكنت وجدان المصريين وأشبعت روحهم، صارت تترات سيد حجاب ركناً أصيلاً من ذكريات ووجدان المصريين.



خايف يا صاحبي بموتك يبتدي موتي..
مهي ناس توصل في ناس وكلنا مروحين
بس إحنا حتى إن رحلنا برضو مش رايحين..
هنعيش في ريم وفي مراد وفي دندنات الولاد
بغنوة فارشة على ممشى الشقى رايحين