"لن تسير وحدك برشلونة".. انفصال كتالونيا بين طاعة جيرونا وعصيان الابن العاق
"تحيا كتالونيا.. كتالونيا هي نحن جميعا" هكذا كان هتاف الآلاف من مناصرين انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا منذ بداية أكتوبر، مطالبين بالحرية والخلاص من إسبانيا وتحديد مصيرهم بأيديهم.
يوم الجمعة 27 أكتوبر من عام 2017، لن ينساه العديد من الجماهير الكتالونية المؤيدة للانفصال، حيث فاجئ البرلمان الكتالوني العالم عن استقلالهم عن إسبانيا، في الوقت الذي كانت الحكومة الإسبانية بصدد إجراء انتخابات إقليمية مبكرة.
"سنصوت.. سنصوت" هكذا كان هتاف الانفصاليون الغالبية في البرلمان الكتالوني بـ 72 مقعد من أصل 135 مقعد.
وصوّت البرلمان الكتالونى على إعلان الاستقلال عن إسبانيا بأغلبية 70 نائبا، ورفض 10 أخرين، حيث نصّ القرار على عملية تأسيسية لجمهورية كتالونيا المستقلة.
قرارات صارمة
دعا المدعي العام الإسباني، خوزيه مانويل مازا، إلى توجيه اتهامات رسمية، من بينها التمرد، ضد قادة إقليم كتالونيا، وذلك بعدما أعلنوا انفصال الإقليم.
يأتي هذا بعد أن بدأت الحكومة في مدريد اتخاذ إجراءات لفرض الحكم المباشر على كتالونيا، ومنها استبدال موظفي الخدمة المدنية في الإقليم بمسؤولين إسبان.
أعلن رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، مساء الجمعة، عن إقالة رئيس كتالونيا وحكومته وحل برلمان الإقليم، فيما قرر عزل رئيس شرطة كتالونيا.
وقال راخوي: "اتخذنا قرارا بعزل حكومة كتالونيا، وإن الحكومة المركزية في مدريد ستدير الإقليم"، لافتا إلى اتخاذ قرار بـ"إقالة رئيس إقليم كتالونيا وحكومته وحل برلمان الإقليم".
وأضاف راخوي أنه، سيتم عزل رئيس شرطة إقليم كتالونيا، مؤكدا عزمه إجراء انتخابات في كتالونيا في 21 ديسمبر المقبل.
دعم دولي لإسبانيا ضد كتالونيا يصعب الموقف
واشنطن: كتالونيا جزأ لا يتجزأ من إسبانيا
جاء أول تعليق عقب إعلان البرلمان الكتالوني الانفصال من جانب واشنطن، التي أعلنت أن كتالونيا جزء لا يتجزأ من إسبانيا.
وأكدت واشنطن على دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها مدريد لإبقاء البلاد قوية وموحدة، حسبما أعلنت، فضائية سكاي نيوز، نقلا عن وزارة الخارجية الأميركية.
وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية "هيذر ناويرت" أن الولايات المتحدة، تتمتع بصداقة كبيرة وشراكة راسخة مع حليفتها في حلف شمال الأطلسي، إسبانيا.
ألمانيا: لا نعترف بكتالونيا
وفي السياق ذاته سارعت ألمانيا للتعليق على الاستقلال، حيث أعلن متحدث المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، عدم اعتراف برلين بإعلان الاستقلال فى كتالونيا اليوم، وفقًا لما نقلته وكالة فرانس برس.
الرئيس الفرنسي يدعم حكومة إسبانيا
وعن فرنسا، أعلن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، عن دعمه التام للحكومة الإسبانية، لإعاد سيادة القانون في إقليم كتالونيا، حسبما نقلت فرانس برس.
المجلس الأروبي: نعترف فقط بإسبانيا
وفي سياق متصل للرفض الدولي لانفصال كتالونيا، قال رئيس المجلس الأوروبي، "دونالد توسك"، إن مدريد تبقى المحاور الوحيد للتكتل بعدما صوّت أعضاء البرلمان الكتالوني على إعلان استقلال الإقليم عن إسبانيا في أسوأ أزمة سياسية تعيشها البلاد منذ عقود.
وغرد توسك عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، قائلا: "لا شيء تغير بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. تبقى إسبانيا المحاور الوحيد بالنسبة إلينا"، داعيا الحكومة الإسبانية إلى إعطاء الأولوية لقوة الحجة، لا لحجة القوة".
مدريد تضغط بأسلوبها الخاص
رفض العاصمة الإسبانية مدريد، لم يكن سياسي بحت ولكنه تطرق لعناصر أكثر أهمية تساعد في الدخل القومي للبلد وأشياء أخرى.
يلعب إقليم كتالونيا، دورا مهما في النشاط الاقتصادي الإسباني ويعد من أكثر الأقاليم ثراء بعد مدريد، الأمر الذي دفع نسبة كبيرة من سكان الإقليم للتصويت للانفصال للاستفادة من الموارد والثروات التي يمتلكها الإقليم.
وبحسب البيانات الرسمية الإسبانية يشكل سكان كتالونيا نحو 16 في المئة من إجمالي سكان إسبانيا، ويساهم بما يزيد على 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا.
ويقدر نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بحوالي 28.6 ألف يورو، وذلك بحسب إحصائيات عام 2016، مقابل نحو 24 ألف يورو كمتوسط عام في إسبانيا، بينما يصل معدل البطالة في كتالونيا إلى 13 في المئة مقابل ما يزيد على 17 في المئة في إسبانيا بشكل عام.
وتنبع قوة اقتصاد كتالونيا من تنوع اقتصاد الإقليم حيث يعتمد على الصناعة والسياحة والزراعة والخدمات، ذلك أنه تمكن على مر السنين من استقطاب عدد كبير من المصانع والبنوك والشركات الخدمية العالمية.
وتستحوذ كتالونيا وحدها على نحو 35 في المئة من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدخل المملكة، وتتركز في قطاع الصناعة حيث تتمركز صناعة السيارات والكيماويات، كما يستحوذ الإقليم على 22 في المئة من حجم النشاط السياحي.
وتعتبر كتالونيا مركزا مهما للتجارة حيث تستورد كميات ضخمة من السلع، وتقوم بإعادة تصنيعها وتصديرها إلى الداخل الإسباني وأوروبا والعالم، وتشكل صادراتها 25 في المئة من حجم الصادرات الإسبانية الخارجية.
على أي حال فإن كثيرا من دول أوروبا تعارض انفصال كتالونيا عن إسبانيا، نظرا لما يثير من مخاوف بشأن انتشار "حالة الانفصال" وتشظي الدول الأوروبية إلى دويلات عديدة، خصوصا وأن هناك العديد من الحركات الانفصالية في دول مجاورة لإسبانيا مثل فرنسا وإيطاليا.
جيرونا تقول كلمتها "لن تسير وحدك برشلونة"
هذه المدينة التي تقع في شمال شرق إسبانيا، لم يكن يعلم سكانها الذي لم يتعدى عددهم المليون نسمة، أن كلمتهم ستسمع أخيرا في هذه اللحظة الفارقة.
وعقب إعلان الاستقلال نزعت مقاطعة جيرونا الكتالونية العلم الإسباني، من المجمع الحكومى بالمدينة، بالإضافة لنزع مدينة "ساباديل" العلم الإسبانى من المبنى الحكومى، لتصبح خامس مدينة تنزع العلم الإسباني، حسبما ذكرت صحيفة "أرا" الكتالونية اليوم.
ومن الناحية التي تهم كل متابع لفريقهم الذي يتأهل لأول مرة للدوري الإسباني في تاريخه، حضرت الجماهير بأعداد كبيرة في ملعب الفريق ورفعوا لافتات وأعلام كتالونيا واستطاع الفريق صناعة التاريخ في يوم مثالي بالفوز على أبناء العاصمة مدريد بنتيجة 2-1.
الطعنة تأتي من إسبانيول
دعا نادي إسبانيول الطرف الكتالوني الثاني في الليجا، جماهيره مساء يوم الاستقلال، إلى النزول من أجل تأكيد أن "الانقسام السياسي"، حسب وصف بيان للنادي، الذي يجتاح إقليم كاتالونيا، لن يؤثر على الأجواء في المباريات المقبلة.
وللنادي مواقف واضحة مؤيدة للوحدة مع إسبانيا، رغم وجوده في عاصمة كتالونيا "برشلونة"، التي تموج بالمتظاهرين، الذين خرجوا تأييدًا لإعلان برلمان الإقليم الاستقلال عن الحكومة المركزية في مدريد.
وتأسس نادي إسبانيول في 28 أكتوبر من عام 1900 على يد "أنجل رودريجيز" الذي كان يدرس الهندسة في إحدى جامعات برشلونة، المقر الرئيسي للنادي كان يقع في المنطقة الثرية للساريّا، وعُرِف مبدئيًا بنادي سوسيداد، وكان أول ناد إسباني يُبنى من أيدي إسبانية، أما ما سبقه من أندية فبنيت على أيدي المغتربين والمهاجرين لإسبانيا.
في 1910 تغير اسم النادي إلى نادي إسبانيول لكرة القدم، واختار النادي اللونين الأزرق والأبيض لتكون الألوان الرسمية للنادي، تكريمًا للأدميرال الكاتلوني "روجير دي لوريا"، الذي كان يرتدي درعًا مصبوغًا بالأزرق والأبيض، عندما أبحر في البحر الأبيض المتوسط لحماية كاتلونيا.
والنادي كان أحد النوادي، التي رعاها الملك الإسباني، وأعطي لها حق استخدام كلمة "ريال"، إضافة إلى استخدام التاج الملكي على الشعار، هذا الحق مُنِحَ لإسبانيول في العام 1912 بواسطة الحاكم ألفونسو الثالث عشر، وأصبح النادي معروفًا بعد ذلك بـ نادي ريال إسبانيول الرياضي.
بعد تنازل الحاكم ألفونسو الثالث عشر عام 1931 وإعلان إقامة الجمهورية الإسبانية الثانية. وبسبب منع استخدام الرموز الملكية تبنى النادي الكاتلوني أحد أكثر الأسماء حبًا من قبل الجمهور "إسبورتيو إسبانيول"، حيث كانت ترمز كلمة "إسبورتيو" للاحتراف الرياضي.
وبعد الحرب الأهلية الإسبانية والمنع اللاحق لها للغة الكاتلونية رجع اسم النادي إلى ريال إسبانيول الرياضي، أخيرًا، أعاد النادي التهجئة الكاتلونية لاسمه في فبراير من عام 1995.
في الأول من أكتوبر "2017" قامت الأحزاب الكاتلونية المطالبة بالاستقلال بتنظيم استفتاء شعبي لقول نعم لإنشاء دولة كتلونيا، وهو أمر رفضته الحكومة المركزية الإسبانية، وأرسلت قوات شرطتها لمنع تنظيمه.
حصل الكثير من أعمال العنف، وتعرض ما يقارب 100 شخص لإصابات، وتدخل نادي برشلونة، معلنًا تأييده للديمقراطية، والحرية حسب وصفه، وداعمًا الاستفتاء، أما إسبانيول، فكان موقفه مختلفًا، فإدارته خرجت وقالت "نطالب بالحوار والهدوء، نحن نقف على الحياد بين الجميع". ذلك الموقف أعاد ترسيخ وصف "الابن العاق للنادي"، وهو لقب يطلقه الكاتلونيون الانفصاليون على النادي لعدم دعمه النزعة الانفصالية التي يدعمها غالب سكان الإقليم.
وتم انتقاده كثيرًا في الإعلام من قبل صحفيين كتالونيين، ووصفه أكثر من كاتب بالخائن لكتالونيا في عقر دارها، لكن الإدارة أصرت على موقفها الهادئ، وأعادت نشر بيان آخر جاء فيه إنه يتفهم حرية التعبير للجميع، وليس لطرف واحد، ويريد حل المشكلات على طاولة الحوار.