التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 03:31 م , بتوقيت القاهرة

تحرير الإقتصاد المصري

اشتدت حدة الإنتقادات والهجوم على الإقتصاد المصرى قبل أيام، مع نشر صندوق النقد الدولى وثائق إقراض الحكومة المصرية، والحقيقة أنه رغم حرص رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى جمهورية مصر العربية على إصدار التصريحات حول الحالة الإقتصادية وتحفظه الشديد فى إستخدام التعبيرات لوصف الوضع الإقتصادى تقديرا لحساسية الموقف ومراعاة لأن أي حرفا زائدا قد يؤدى لإنفجار الوضع الاقتصادي بأكمله وإنهيار الصورة الإيجابية المبشرة التى كان الإقتصاد المصري قد بدأ فى رسم بداياتها مع إتخاذ الحكومة المصرية للعديد من الإجراءات التصحيحية الصعبة والتي كان منها تحرير سعر صرف الجنيه بالكامل.


إلا أن بعض وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة ذهبت لأبعد ما يكون فى تأويل تصريحات رئيس بعثة صندوق النقد الدولي خاصة فيما قاله عن إن إنخفاض سعر صرف الجنيه كان أكثر مما توقعه صندوق النقد الدولي، وإنصاع البعض لحس المؤامرة بالكامل مؤكدين أن الحكومة قد أخفت وثائق عن الصندوق، وهو أمر غير متصور منطقيا، إذ أن صندوق النقد لن يقرض جمهورية مصر العربية إلا بعد التأكد من قدرة حكومتها على تسديد القرض وفى حال تلاعبت الحكومة فإن الصندوق لن يوافق على منح الشريحة الثانية والثالثة من القرض، ففى النهاية نحن نتعامل مع مؤسسة مالية لا توزع الأموال والمنح دون ضمانات.


ولاشك أن مؤسسة بحجم صندوق النقد الدولى بالتأكيد تعتمد على في صدور قرارتها على خبراء يدرسون ويقييمون الوضع الإقتصادي بناءا على دراسات مستقلة ومعلومات ومؤشرات كما إن ذات التصريحات قد أكدت أن صندوق النقد الدولي قد قدمت لجمهورية مصر العربية النصائح وهى تعد برنامجها للإصلاح الإقتصادى المرتبط بالقرض، وهذا يعنى ضمنا أن البنك قام بدراسة الموقف ليستطيع تقديم هذه النصائح.


وفى تقديرى أن توقع سعر صرف الجنيه فى ظل الوضع الحالى يعد أمرا مستحيلا، فى ظل أن 80% من الإقتصاد المصري يقوم على ما يعرف بالإقتصاد غير الرسمى أو الإقتصاد الموازي وهو إقتصاد غير مسجل بالتالى يصعب تحديد قدرته على تلقى الصدمات وإستعيابها.


لقد استوعب هذا الإقتصاد غير الرسمى صدمات مماثلة إبان إعتماد الرئيس الراحل أنور السادات لسياسات الإنفتاح فى السبعينات من القرن الماضي، ثم التحرير الجزئي لسعر صرف الجنيه فى الثمانينات، ولا أحد يدرى الآن إن كانت هذه المنظومة العشوائية القائمة قادرة على إستيعاب صدمات جديدة خصوصا بعد الهزة التى خلفتها الأحداث السياسية خلال السنوات الأخيرة فى ظل غياب كامل للسياحة وتوقف تام للإنتاج وانحسار الحركة فى قناة السويس أم لا، ولعلنا هذه المرة تشير إلى أننا سنكتشف الإجابة على هذا التساؤل بطريقة أشد إليما، وهى التجربة.


ولاشك أن الجميع قد أجمع على أنه كان على الحكومة أخذ العديد من الإحتياطيات فى الإعتبار عند إتخاذ قرارتها الإقتصادية لتصحيح المسار، وفي ظني أن الهدف فى هذه اللحظة لابد أن ينصب على فتح الباب لتقنين الأوضاع، وإدراج كل المؤسسات غير الرسمية الصغيرة والمتناهية الصغر قبل المتوسطة والكبيرة تحت مظلة الدولة، من خلال تقديم الإعفاءات التشجيعية والدعم والإمتيازات الضريبية، ولاشك أن يكون تصحيح السياسات الإقتصادية هو الأساس في هذا الوقت وليس جمع الضرائب والتأمينات الأمر الذي من شأنه أن ينفر لا أن يحتوي فئة المستثمر الصغير والمتناهى الصغر لضمان التعايش مع الوضع الإقتصادى الجديد، وعبور الأزمة، فهؤلاء هم من يستطيعون خلق حركة إنتاج فى الأسواق تعوّض غياب وإرتفاع أسعار السلع المستوردة التى يعتمد عليها الإقتصاد المصرى بنسبة تتجاوز الـ 70 % فى أقل التقديرات، إضافة إلى خلق فرص العمل.