التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:34 ص , بتوقيت القاهرة

أوبك تفقد قدرتها على ضبط أسعار البترول؟!

يبدو أن منظمة "أوبك" تفقد سيطرتها وقدرتها على ضبط أسعار البترول بما يوازن بين مصالح الدول المُنتجة والدول المستهلكة، وثمة تقديرات شبه مؤكدة بأن أسعار البترول التي هبط أجود أنواعها (برنت) إلى ما دون الخمسين دولارا، ربما تهبط إلى حدود 40 دولارا أو أكثر قليلا.


ولو أن هذه التوقعات صدقت بالفعل، فذلك يعني أن كثيرًا من الدول المُنتجة خاصة في بحر الشمال سوف تواجه ظروفا بائسة، لأن تكاليف إنتاج البترول في هذه الأحوال سوف تفوق قيمة عائده، بما ينذر بهبوط شديد في دخول هذه الدول وزيادة متصاعدة في معدلات البطالة تخل بتوازنها الاقتصادي.


ويعتقد رئيس وزراء اسكتلندا أكثر دول بحر الشمال تضررا، أن  خسارة اقتصاد بلاده سوف تصل إلى حدود 6 بلايين إسترليني عام 2015؛ بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج عن معدلات عائده، وأن بترول بحر الشمال الذي أسهم على امتداد الأربعين عاما الماضية في تحسين اقتصاديات إسكتلندا وبريطانيا سوف يصبح عبئا على اقتصاد البلدين لفترة قادمة تتحسن فيها الأسعار مرة أخرى، بحيث تغطي تكاليف الإنتاج وتحقق فوائض تزيد قدرة الاقتصاديين البريطاني والاسكتلندي.


 وإن كانت الأوضاع على أرض الواقع تؤكد أن الأمر ربما يستغرق وقتا قد يطول إلى عام أو أكثر، بسبب زيادة حجم المعروض من البترول في السوق العالمية، وتباطؤ النمو الاقتصادي على مستوى العالم أجمع إلى حد لم يصل إلى حدود 3%، بينما كان المتوقع أن تتجاوز معدلات التنمية عام 2014 3.7%، الأمر الذي أدى إلى انخفاض توقعات زيادة الاستهلاك على مستوى العالم أجمع إلى حدود 700 ألف برميل يوميا، بدلا من مليون ومئتي ألف برميل، فضلا عن دخول الزيت الصخري عاملا منافسا في سوق الطاقة، بعد أن وصل إنتاجه إلى  معدلات تجارية عالية.


ولا يصدق الإيرانيون أن قضية انخفاض أسعار البترول هي في جوهرها قضية عرض وطلب كما تؤكد السعودية ودول الخليج، ويعتقدون أن هبوط الأسعار إلى حدود جاوزت 60 % خلال عام واحد حدث بفعل تخطيط مشترك، يصل إلى حد التآمر بين الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج، بهدف الإضرار بمصالح إيران وروسيا وفنزويلا، رغم أن انخفاض أسعار البترول سوف يؤثر على السعودية ودول الخليج بنسب عالية لأن نصيب البترول يشكل نسبة تتجاوز 90% من دخول هذه الدول.


 وردا على حملة الاتهامات الإيرانية، أكد وزير البترول السعودي علي النعيمي أخيرا، أن الحديث عن مؤامرات مزعومة من قبل المملكة لخفض أسعار البترول لا أساس له من الصحة، ويدل على سوء فهم وسوء قصد وتحليلات خاطئة ومشوشة، لأن المشكلة في جوهرها الحقيقي تكمن في غياب قدرة "الأوبك" على موازنة الأسعار بسبب الدول المنتجة خارج الأوبك التي ترفع إنتاجها دون ضابط، فضلا عن زيادة المعروض في السوق وتباطؤ الاقتصاد العالمي .


ويؤكد خبير البترول العالمي روبرت بلامر، أن 17 دولة منتجة بينها الولايات المتحدة وروسيا، سوف تعاني من انخفاض أسعار البترول أن هبط إلى حدود أقل من 46 دولارا للبرميل، لأن كُلفة الإنتاج سوف تزيد في هذه الأحوال على عائد البيع. 


ولهذا السبب أوقفت كثير من شركات البترول الكبرى وبينها شل وشيفرون عددا غير قليل من مشروعاتها الاستثمارية الجديدة في دول الخليج، إلى حد أن "شل" وحدها جمدت مشروعات مع قطر تتجاوز قيميتها 4 بلايين دولار، كما يتوقع معظم خبراء البترول هبوط حجم الاستثمارات الجديدة بنسبة ربما تتجاوز 30%، لأنه لا أحد سوف يستثمر في مشروعات خاسرة لا يتكافأ عائدها مع كُلفة إنتاجها.


 وقد تكون الصين المستفيد الأول من هذا الخفض الضخم في أسعار البترول لأن الصين هي أكثر الدول استهلاكا للطاقة؛ بسبب ارتفاع معدلات نموها الاقتصادي إلى حدود تقرب من 9%، يليها الهند التي تعتبر من أوائل الدول الناهضة التي تحقق معدلات نمو عالية ومستدامة، لكن يبدو أن العراق سوف يكون أكبر الدول الخاسرة، خاصة أن العراق سوف يرفع إنتاجه في غضون عام 2015 إلى الحد الأقصى، بينما تتدنى الأسعار إلى هذه المستويات الضعيفة.


وبرغم صعوبة التنبؤ بالمدى الزمني الذي سوف تستغرقه عملية خفض أسعار البترول، إلا أن كافة الخبراء يؤكدون أن الأزمة ربما لن تطول إلى أكثر من عام وبضع عام آخر، بعدها ترتفع الأسعار من جديد، خاصة أن استثمار أية حقول جديدة يستغرق الآن فترة زمنية تتجاوز سبعة أعوام هي المدة الزمنية  ما بين اكتشاف حقول جديدة والوصول بإنتاجها  إلى الحد الأقصى.