الدولة كل ما تتزنق: هاتوا الجنزوري
إذا كان العلم ضرورة، فإن التخصص الدقيق، يصبح أدعى أوجه الضرورات فيه، وحين يتعلق الأمر بتطوير وطن ورفع مستوى حياة شعب، وحين يقترن العلم بالتخطيط مع النجاح والخبرة، فإن اجتماعهم معا، يقود خطى القائد الإدارى أو التنفيذى أو السياسى إلى مراتب النجاح والرضا الشعبى" بهذه الكلمات بدأ بها كمال الجنزوري كتابه "سنوات الحلم والصدام والعزلة".
امتدت تجربة الدكتور كمال الجنزورى العملية، لأكثر من أربعة عقود، بدأت من وظيفة فى بدايات السلم الوظيفى، لتتدرج إلى سلسلة من الوظائف المسئولة، عاصر الجنزوري أربعة رؤساء وعمل مع اثنين منهم في الجمهورية الأولى هما أنور السادات وحسني مبارك، قبل أن يُكلف برئاسة حكومة تصريف الأعمال في الجمهورية الثانية، بقيادة الرئيس الأسبق محمد مرسي، والسؤال هنا من هذا الرجل الذي تجتمع عليه كل هذه الحكومات؟، أو ماذا يمتلك هذا الرجل من خبرات تدفع الدولة لاسترجاعه من حين لآخر؟ لعل الإجابة تكمن في السطور القادمة..
عين الرئيس الراحل أنور السادات الجنزوري محافظا لمدينتي الوادي الجديد وبني سويف عامي 1976 و1977 على التوالي، وسرعان ما تبوأ مناصب مهمة طيلة 17 عاما من عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بدأت بمناصب وزارية حيث شغل وزارة التخطيط عام 1982، ثم عُين نائبا لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرا للتخطيط والتعاون الدولي عام 1986، قبل أن يصبح رئيسا للوزراء من 4 يناير 1996، خلفا لرئيس الوزراء السابق عاطف عبيد.
كان اقتصاديا ناجحا يسعى لحمل مصر من براثن الفقر، لذا لقب بوزير الفقراء، فبدأ الجنزوري عمله كرئيس للوزراء بالمصالحة مع الشعب المصري، والارتفاع بمستوى المعيشة والدخول، بشكل يختلف كليا عما كان يجري من قبل، فأعلنت الحكومة أنه لا ضرائب ولا رسوم جديدة أو زيادة فئاتها خلال السنوات المقبلة، وتم إلغاء كل الرسوم التى فرضت دون سند قانونى، إعمالا بأنه لا رسم ولا ضريبة إلا بقانون.
وبدأ الجنزوري في عهد مبارك جملة من المشروعات العملاقة بهدف تسيير عجلة الإنتاج والزراعة، والتوسع بعيدا عن مناطق وادي النيل المزدحمة، من ضمنها مشروع مفيض توشكي الذي يقع في أقصي جنوب مصر، وشرق العوينات، وتوصيل المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام، ومشروع غرب خليج السويس، بالإضافة إلى الخط الثاني لمترو الأنفاق بين شبرا الخيمة والمنيب، للحد من الازدحام المروري بمحافظات القاهرة الكبرى.
كما أقر مجموعة من القوانين والخطوات الجريئة من بينها قانون الاستئجار الجديد محدود المدة، كما ساهم في تحسين علاقة مصر بصندوق النقد الدولي وكذلك بالبنك الدولي، رجل بكل هذا العمل الجيد والمشروعات التنموية لماذا أقبل الرئيس الأسبق حسني مبارك على إقالته من منصبة؟!
الجنزوري والخصخصة
أما فيما يتعلق بالخصخصة، قال الجنزوري في مذكراته "كانت هناك محاولة للتحرك فى موضوع الخصخصة، والتحرك هنا ليس المقصود به الإسراع فى بيع شركات القطاع العام، ولكن التحرك بقدر من العقلانية، فهناك قطاعات حاكمة وضرورية مثل البنوك والإسمنت والحديد والأدوية والأسمدة والمطاحن، قررنا أن تبقى فى نطاق الملكية العامة كاملة أو بنسبة عالية من رأس المال".
فى خلال السنوات من 1991 ــ 1993، عندما كان الدكتور عاطف صدقى رئيسا للوزراء ووزيرا لقطاع الأعمال كانت الشركات التى تم خصخصتها ثلاث شركات هى "الكوكاكولا"، و"البيبسى كولا"، و"المراجل البخارية" ، ثم زاد معدل الخصخصة والتركيز على البيع خلال السنوات التالية 1993 ــ 1995 عندما تولى الدكتور عاطف عبيد منصب وزير قطاع الأعمال، ومنذ تولى الجنزوري رئاسة الوزراء، استمر الدكتور عاطف عبيد وزيرا لقطاع الأعمال، وتحركت الخصخصة لأنشطة مختلفة بشكل يعطى رسالة للقطاع الخاص داخليا وخارجيا والمنظمات المالية الدولية، بأن مصر مقبلة على تحرر اقتصادى، واتهمه البعض بأنه كان سببا رئيسيا فى إدخال نظام الخصخصة إلى مصر، والتى تسببت فى ضياع العشرات من المشروعات الاستراتيجية على مصر بسبب فساد القائمين عليها.
وذكرت دراسة بعنوان "الجنزوري والخصخصة" تابعة للمركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن فترة تولي الجنزوري الوزارة، تعد من أشرس الفترات التى شهدت عمليات تصفية وخصخصة، وبيع شركات كاملة وأصول إنتاجية وأراضى تمتلكها الدولة، وبحسب الدراسة فإن الفترة من 1996- 1999 نجد أن الجنزورى قام ببيع وخصخصة حوالى 115 شركة من شركات القطاع العام.
11 عاما بين الإقالة والظهور من جديد
أقيل الجنزوري في 5 أكتوبر عام 1999، لعل السبب هو بزوغ نجمه في فترة تولية الوزارة، وبحسب مذكراته قال "أهل السوء حاولوا إقناع مبارك أن شعبيتي خطر عليه"، واعتزل الجنزوري العمل السياسي بعد خروجه من رئاسة الوزراء، وغاب عن الأنظار لأكثر من 11 عاما، وأظهرته ثورة يناير مع انهيار نظام مبارك، الذي اضطره للابتعاد عن الحياة السياسية، وضيق عليه وحاصره إعلاميا بعد مغادرته الوزارة.
وعاد وزير الفقراء من جديد للحياة السياسية، إذ رشحه المجلس العسكري بعد توليه زمام الأمور بعد ثورة يناير، لرئاسة الوزراء، وكلفه بتشكيل حكومة انقاذ وطني، بكافة الصلاحيات، ولكن ما الذي رشحه ليتولى هذا المنصب بعد 11 عاما من العزلة؟!
كانت أهم أولويات حكومة الجنزوري، الإشراف على الانتخابات البرلمانية، التي نظمت على عدة مراحل لانتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى، ورأى مراقبون أن خبرته الاقتصادية كانت من أهم أسباب استعانة المجلس العسكري به، والتي ساهمت بالفعل في إيجاد حلول عاجلة لمشكلات الاقتصاد المصري، ويعتقد خبراء أنه حقق نجاحا كبيرا في توثيق التعاون بين مصر وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في فترة كانت عصيبة بالنسبة للاقتصاد المصري الذي عانى مشكلات من أهمها تراجع عائدت السياحة بسبب موجة العنف المسلح.
بعد تسلم الرئيس الأسبق محمد مرسي السلطة من المجلس العسكري، كلف رئيس الوزراء كمال الجنزوري، وحكومته بالاستمرار في مهامهما لتسيير الأعمال لحين الانتهاء من تشكيل حكومة جديدة، وبذلك يكون الدكتور كمال الجنزوري عاصر حكومات مختلفة، وفكر مختلف لعل ما ساعده في ذلك هو المرونة والخبرة الاقتصادية التي يملكها، لنختم بما قاله في مقدمة مذكراته "لا إنجاز بغير علم ولا تطور بغير تخطيط".