التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:58 ص , بتوقيت القاهرة

كيف تؤثر تحديات فرض الضريبة على أنشطة الاقتصاد الرقمي؟

تحديات فرض الضريبة على أنشطة الاقتصاد الرقمي
تحديات فرض الضريبة على أنشطة الاقتصاد الرقمي

يشهد الفضاء الإليكتروني إضافة 840 مشتركًا جديدًا بموقع الفيس بوك فى الدقيقة الواحدة، و455 تويتة في الدقيقة على موقع التدوينات القصيرة تويتر، ومشاهدة 4.5 مليون فيديو أيضا فى الدقيقة، وهذا الكم الهائل من تدفق البيانات يحقق أرباحا كبيرة للشركات العاملة فى التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم، وهى غير موجودة داخل الدول التى تحقق فيها هذه الأرباح الطائلة.

وفي هذا السياق ناقش المركز المصري للدراسات الاقتصادية أبرز التحديات التى تواجه الدول فى هذا المجال والحلول المقترحة، وكيفية مواكبة مصر للمتغيرات العالمية فى هذا الصدد.

حيث تمثل التجارة الإليكترونية 10.2% من حجم تجارة التجزئة فى العالم عام 2017 ومتوقع أن تصل النسبة إلى 17.5% عام 2021، ويحقق هذا النوع من التجارة مكاسب هائلة للشركات، حيث بلغت مبيعات شركة أمازون 178 مليار دولار عام 2017 – أي ما يمثل 3.6 ضعف إيرادات موازنة 2017/2018)، وحققت شركة على بابا مبيعات 25 مليار دولار فى يوم واحد فقط هو يوم العزاب فى نوفمبر 2017، ورغم ذلك لم تتمكن الضرائب من مواكبة تغيرات العولمة الهائلة فى العالم.

و ارتفع حجم انتقال البيانات من منطقة الشرق الأوسط إلى العالم  بواقع 150 مرة خلال العشر سنوات من 2005 حتى 2015، وهذا التطور الكبير فى العولمة لم يصحبه تطور كبير فى الضرائب.

وقال الدكتور مصطفى عبد القادر، مستشار الضرائب الدولية بلجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية، إن محاسبة الاقتصاد الرقمى ضريبيا أمر يمثل تحديًا كبيرًا للدول النامية والمتقدمة على حد سواء، حيث تعد فكرة الإقليمية فى ضرائب الدخل (أى تواجد مقر الشركة داخل الدولة التى تحصل الضرائب) ميراث قديم.

 

وأضاف مستشار الضرائب الدولية أن معظم الدول ذات النظم الضريبية الجيدة تخضع الدخل للضريبة وفقا لمبدأ عالمية الإيراد، أى عن الدخل المتحقق للشركة أو الشخص عن عمله من جميع أنحاء العالم، مع إلتزام دولة الإقامة بتجنب الإزدواج الضريبي بمنح الشركة خصما ضريبيا بمقدار ما دفعته فى دولة المصدر.

 

وأشار مصطفى عبد القادر إلى أن شركات الاقتصاد الرقمى تلجأ لنقل الإدارة إلى إحدى دول الملاجئ الضريبية لتجنب الضرائب، وحتى تخضع للضرائب فى دولة ما لابد أن يكون السيرفر داخل تلك الدولة، ونتيجة لذلك لجأت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية لمعيار جديد لفرض الضرائب وهو الدولة التى يتحقق فيها القيمة المضافة للنشاط.

 

وتنص القواعد التقليدية على فرض الضرائب على الوكيل التابع للشركة  إذا كان لهذا الوكيل سلطة التوقيع على العقود، وتحايلت الشركات على هذا النص بأن جعلت التوقيع يتم خارج دولة المصدر بأن يتم إرسال العقود لتوقيعها في المقر الرئيسي للشركة في دولة الإقامة، وبالتالي لا يعتبر الوكيل منشأة دائمة ولا يحق للدولة فرض الضريبة وفقا للقواعد التقليدية. وتعانى مصر أيضا من هذه المشكلة. واتجهت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لتغيير القاعدة بأن يكون مجرد تفاوض الوكيل أو الشخص أو قيامه بالدور الرئيسي فى التفاوض تجعله بمثابة المنشأة الدائمة التي تخضع للضريبة، ولكن عالميا أصبح هناك ما يسمى "المنشأة الدائمة الافتراضية".

وضرب  مصطفى عبد القادر مثلا بحالة عمل شركة أوبر فى مصر ، والتي تعمل فى مصر من خلال وكلاء، وفى حالة بيع الشركة للخدمة أو السلعة من خلال وكيل مستقل داخل مصر فهذا يعنى أن الشركة الأجنبية غير موجودة فى مصر ومبيعاتها غير خاضعة للضريبة في مصر.

وشرح حالة أوبر بان لدينا شركة دولية لن يكون لها تواجد داخل مصر كمنشأة، والأبليكيشن هو ملك للشركة الأجنبية وليس المصرية، أما الشركة المصرية فهى وكيل مستقل تتمثل إيراداتها فى العمولة التى تحصل عليها ويخضع هذا الصافى إلى الضريبة.

أما بالنسبة للسائقين فهناك جدل حول ما إذا كانت العلاقة بينهم وبين الشركة علاقة عمل أم علاقة تجارية، ولكن الضرائب تأخذ بالواقع الفعلي، وهو أن السائق يؤدى خدمة النقل بغض النظر عن أن النشاط مرخص به من عدمه، وفى هذه الحالة يخضع السائق للضريبة على دخله إذا ثبت قيامه بخدمة نقل الركاب أو البضائع، وفى هذه الحالة الحصول على بيانات السيارات وأرباح السائقين هام جدا لتحديد الضرائب المستحقة.

وأوضح مستشار الضرائب الدولية أن مصر وقعت على الاتفاقية الدولية متعددة الأطراف، والتي تتضمن إجراءات ملزمة وبعضها غير ملزم، ولكنها لن تستفيد من نصوص الاتفاقية إلا إذا وقعت الدول الأخرى، لافتا إلى أن هولندا هي الدولة الوحيدة التي وقعت من ضمن الدول التي تعد من الملاجئ الضريبية.

وتتجه منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى استبدال الضريبة على الأرباح، بالضريبة القطعية كنسبة من رقم الأعمال، ولكن من الضروري إعادة صياغة التشريع المصري الداخلي لمواكبة المتغيرات والاتفاقيات الدولية.

وفيم يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة فلا يوجد مجال للحديث عن ما يتعلق بفرضها على السلع لأن السلع المستوردة تخضع للضريبة، ولكن المشكلة هنا تتعلق بالخدمات، فالشخص داخل مصر مثلا يمكنه تلقى خدمة من خلال الإنترنت من دولة أخرى ويقوم بدفع مقابلها دون أن تعرف الإدارة الضريبية أي شئ عن هذه المعاملة.

وقال مصطفى عبد القادر إنه طبقا لقانون القيمة المضافة المصري، فإن المستهلك الذي يحصل على خدمة إليكترونيا ملزم بحساب الضريبة وتوريدها إلى مصلحة الضرائب، وهى نصوص قانونية غير قابلة للتنفيذ وثبت عالميا أن نظام تحصيل المشترى بدون حافز غير مجدي، وبدأ البحث عن نموذج ثاني هو تحصيل البائع والذي يقتضي أن تقوم الشركة غير المقيمة بتحصيل الضريبية وتوريدها للإدارة الضريبية في دولة المصدر، ولكن لابد أن يتم تقديم حافز لهذه الشركات لتشجيعها على القيام بذلك، مثل إجراءات إفراج سريعة، وتقديم الإقرارات والسداد إليكترونيًا.

وهناك نظام ثالث تتبعه بعض الدول يتمثل في تحصيل الوسطاء مثل المشغل البريدي، والذي يمكنه تحصيل الضريبة وتوريدها إلى مصلحة الضرائب، ولكن تواجه هذه الطريقة مشكلة خصوصية البيانات لأن أى منشأة مالية ليس لديها معلومات حول الدول المستحقة للضريبة، ولا يوجد اتفاقيات منع الازدواج الضريبي فيم يتعلق بضريبة القيمة المضافة نظرا لعدم الحاجة لها لأن الضريبة تفرض بسعر صفر على المصدر، ومن حقه استرداد أي ضرائب على مدخلات الإنتاج، ومن ثم لا تفرض الضريبة سوى فى دولة  المستورد، أي فى دولة واحدة فقط ولا يوجد ازدواج.

وقال أحمد أبو على، عضو مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، إن محاسبة الاقتصاد الرقمي ليس مشكلة مصر وحدها وإنما هى مشكلة عالمية تحتاج مواكبة النظم والإدارات الضريبية لهذه المتغيرات السريعة.

وأكد أشرف صبري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة فوري لتكنولوجيا البنوك والدفع الإليكتروني، أن أى معاملة تتم فى إطار منظومة الاقتصاد الرقمي تكون مسجلة، ويتم استخدام طرق الدفع مثل الكريدت كارد ، وبالتالي البنك اطلع على هذه المعاملة، ويمكنه أن يعرف لصالح من تتم هذه المدفوعات، وهو ما يعنى أن المعلومات موجودة بالفعل وهناك إمكانية لمتابعتها.

وأشار صبرى إلى أن المعاملات التجارية على فيس بوك كبيرة جدا، ولكن فكرة ربط المعاملات بين الأطراف المختلفة هو ما يمكن من التعرف عليها، وهناك فائدة كبيرة للمعاملات الرقمية بعكس المنظور السلبي عن أن الجميع يعمل إليكترونيا خارج إطار التشريعات.

وأشار حاتم منتصر، الشريك التنفيذي لمؤسسة حازم حسن للاستشارات، أننا فى مرحلة اختلفت آليات التجارة فيها بشكل كبير، واختلفت طريقة تداول المعلومات والسلع والخدمات بين الأفراد والدول، موصيا بضرورة تبسيط الإدارة الضريبية فى مصر للإجراءات، ووجود تغطية تشريعية لتتبع التحويلات.

وأكد منتصر أن الضرائب وسيلة للتنمية وليست هدف بحد ذاتها، مشيرا إلى أن مصر مستوردة للاستهلاك الرقمى، وهناك إمكانية كبيرة لأن تكون مصر مصدرة لذلك.

وأشارت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، أن الإدارة الضريبية فى مصر تعانى من مشكلة فى تحصيل الضرائب من أنشطة الاقتصاد العادية مثل المهن الحرة كالفنانين والأطباء، ولا تحصل ضرائب من الاقتصاد غير الرسمى، وتساءلت عن مدى جاهزية مصلحة الضرائب لمحاسبة أنشطة الاقتصاد الرقمى.

وطالب أشرف العربى، عضو اللجنة الاقتصادية لمجلس النواب، بتقليل سرية الحسابات البنكية أمام إدارة الضرائب، لافتا إلى أن قانون هيئة الرقابة الإدارية يمكنها من الإطلاع على سرية الحسابات البنكية، فى حين لا يسمح قانون الضرائب بذلك، وهو ما يجب إعادة النظر فيه حتى يمكن لمصلحة الضرائب التعامل مع البيانات التى تتلقاها حول المعاملات الإليكترونية.