التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 05:26 ص , بتوقيت القاهرة

الحكومة تهدر مليارات الجنيهات بإهمال الأسواق العشوائية

سوق عشوائى
سوق عشوائى

تعانى كل محافظات مصر تقريبا من انتشار الأسواق العشوائية فى كل أحيائها تقريبا، وهو ما يؤدى للعديد من المخالفات اللاحقة، مثل سرقة التيار الكهربائى وانتشار البلطجة، وبيع منتجات غير صالحة، أو غير مرخص ببيعها، بالإضافة إلى انتشار المخلفات فى الشوارع التى تقام بها الأسواق والتى عادة ما تكون شوارع داخلية ضيقة لا تدخلها عربات النظافة.

ورغم مساوئ هذه الأسواق الكثيرة، على كل المستويات، إلا أنها تحمل فى طياتها العديد من المزايا أيضا، منها مثلا أن الشارع الذى يقام به سوق تجاري (حتى لو كان عشوائيا) ترتفع فيه قيمة العقارات والمحلات بشكل كبير باعتباره "شارع حي" كما يقال، كما أن هذه الأسواق توفر مئات إن لم تكن الآلاف من فرص العمل للشباب وغيرهم، وخصوصا من غير المتعلمين الذين عادة لا يجدون أى فرص عمل تتناسب مع إمكانياتهم إلا فى مثل هذه الأسواق.

وبعد عرض جانب من مساوئ ومنافع مثل هذه الأسواق، يجب أن نعرف لماذا تنتشر هذه الأسواق؟ وما موقف الدولة منها؟ وكيف يمكن أن نستفيد منها؟ وهل يمكن تطويرها؟ وكم ستحصل الدولة من تطويرها؟

هناك عدة أسباب لانتشار هذه الأسواق بشكل كبير فى شوارع المدن خاصة، وعلى رأسها القاهرة، أهمها أنه لا يوجد بديل رسمى لهذه الأسواق توفره الحكومة المركزية أو حتى الأحياء المحلية لتوفير السلع الرئيسية للناس بشكل دائم وجيد.

 كما أن الدولة، حتى في المدن الجديدة، لا يكون من ضمن تخطيطها وجود أسواق شعبية بالتالى تنشأ الأسواق العشوائية، وتكتفى إدارات الأحياء بالمحليات بمطاردة الباعة فى هذه الأسواق كل بضعة أيام لإثبات أنهم يقومون بعملهم، وغالبا ما يستولى موظفو الحى على رأس مال البائع بحجة مصادرتها طبقا للقانون، وفى نفس الوقت لا يتم إثبات ذلك رسميا، مما يزيد معاناة هؤلاء الباعة الذين لم توفر لهم الدولة مكانا للعمل ولا يتركوهم يعملون لكسب عيشهم.

والحقيقة أن هذه الأسواق العشوائية بكل مساوئها، إلا أنها تعتبر فى الوقت نفسه ثروة قومية يمكن استغلالها والاستفادة منها بشكل جيد، كما يحدث في عدد من الدول، وبمجهود بسيط من الإدارات المحلية بها، وذلك بقيام هذه الإدارات بتوفير بديل متطور ونظيف وراق لهذه الأسواق، وتقنين أوضاعها، حتى ولو كان ذلك فى نفس الأماكن الموجودة بها، بوضع آلية لتقسيم الشارع الموجود به السوق إلى وحدات صغيرة وتوزيعها على التجار، برسوم محددة حسب مكان ومساحة كل وحدة، وتسهيل منح تراخيص للعمل بهذه الوحدات، وفرض رقابة عليها سواء من وزارة الصحة أو التموين، وبالتالى يمكن الاستفادة من هذه الأسواق بشكل كبير فى عمليات التشغيل من جانب وتوفير احتياجات الناس الضرورية، وتوفير مكان آمن ورسمى للباعة الجائلين للعمل فى أمان، بدون مطاردة موظفى الأحياء "البلدية".

وإذا علمنا أن عدد الأسواق العشوائية فى مصر بلغ نحو 4425 سوقا فيمكن أن نقدر أن حجم الأموال المهدرة على الدولة سنويا يمكن أن تصل إلى نحو  120 مليار جنيه، عبارة عن رسوم الحصول على رخص فقط.

وللعلم فإنه صدر فى مصر قانون الباعة الجائلين رقم 105 لعام 2012، الذى يقضى بعدم بيع أى سلعة إلا بعد الحصول على رخصة من الحى المختص، ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس والغرامة إلا أنه لم يتم تفعيله حتى الآن.

وفي النهاية يجب أن نعلم جميعا أن حجم الأموال المهدرة في عدد من القطاعات فى الاقتصاد المصرى كفيلة بأن تسد العجز فى الموازنة العامة للدولة، إذا وجدت من يتابعها ويحافظ عليها وينميها، فبالأمس رصدنا أن حجم الأموال المهدرة على الدولة بسبب عدم وجود "سجل عينى" للعقارات يبلغ نحو 200 مليار جنيه، واليوم حجم الأموال المهدرة على الدولة في الأسواق العشوائية يبلغ نحو 120 مليار جنيه، أى أن قطاعين فقط يمكن أن يوفرا للدولة نحو 350 مليار جنيه، فى حين أن العجز فى الموازنة المصرية بالكامل هو 440 مليار جنيه، فهل تنتبه الحكومة لأموال الشعب المهدرة إما بقصد أو بجهل؟