ماذا يريد المصريون من الرئيس بفترته الثانية حتى يشعروا بتحسن أحوالهم؟
بعد الفوز الساحق للرئيس السيسى فى انتخابات رئاسة الجمهورية لفترة ثانية، ورغم أن الرئيس بدأ منذ الفترة الأولى لرئاسته فى تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى ضخم، تزامن مع تدشين عدد كبير من المشروعات القومية الاستراتيجية، إلا أن رغبتى فى مزيد من النجاح للرئيس واستفادة عدد أكبر من الناس من عائد هذا النجاح، يسمح لى بتقديم نصيحة إن جاز لى ذلك، للوصول لهذا الهدف.
في البداية، يجب أن نوضح أن الرئيس السيسى يتمتع بفكر استراتيجى كبير وطويل المدى، ويظهر ذلك بوضوح فى نوعية المشروعات القومية الكبرى التى يقوم بتنفيذها، فهى فى أغلبها مشروعات لن يحصل على عائدها فى صورة كاملة خلال ولايته، لكن ستستفيد منها الأجيال المقبلة بقوة، وهو ما يظهر مدى وطنية الرجل ورغبته فى أن يكون هناك تحولا حقيقيا في مصر بصرف النظر عن تأثير ذلك على شعبيته، رغم أن الانتخابات الأخيرة أظهرت أن توهمات البعض عن الشعبية كانت خاطئة، بعدما فاجأ المصريون الفقراء العالم بالحشود الكبيرة أمام صناديق الانتخابات.
وهذا الفكر الاستراتيجى للرئيس، صاحبة إصلاح شامل فى الدعم وخصوصا دعم الطاقة، والذى عادة ما يؤثر على الطبقات الفقيرة جدا، بسبب ما ينتج عنه من ارتفاع جنونى فى أسعار السلع، بعد ارتفاع تكلفة النقل، بالإضافة إلى ما صاحب ذلك من تراجع قيمة الجنيه المصرى نفسه أمام الدولار وهو ما خلق موجة طاغية من ارتفاع الأسعار، عمل الرئيس على التصدى لها بالتوسع في الدعم الاجتماعى النقدى في بطاقات التموين ومشروعات تكافل وكرامة وغيرها.
وبالفعل فى السنة الرابعة من الفترة الرئاسية الأولى شاهدنا بأنفسنا أن تراجع التضخم بدأ بالفعل بمعدل كبير من 33% إلى 12% وهو انجاز ضخم، وشهد الاقتصاد العام مؤشرات تحسن كبيرة أشاد بها معظم مؤسسات العالم المالية.
لكن المشكلة أن قطاعا كبيرا من المصريين الفقراء لا يشعرون بهذا التحسن بالنسبة المطلوبة، ببساطة لأنه يظهر أولا في أداء الشركات الكبرى والأداء الكلى للاقتصاد مثل ارتفاع الصادرات وتراجع الواردات وارتفاع النمو وغير ذلك من المؤشرات الكلية التى لا يعرفها ولا يشعر بها الفقراء..إذن كيف نجعل الفقراء يشعرون بهذه الانجازات الكبيرة فى الاقتصاد وهذا المجهود الضخم الذى يبذله الرئيس؟
وللإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى طرح سؤال آخر، وهو، ماذا يحتاج الفقراء حتى تتحسن أحوالهم؟ ببساطة الفقير ومتوسط الدخل يريد توفير 5 أشياء رئيسية (مستشفى – تعليم – أمن- بيئة صالحة – تكافؤ فرص)، وإذا نظرنا إلى هذه الأشياء سنجدها تندرج كلها باستثناء الأخيرة تحت قطاع الخدمات.
وأرى أن الطريق الوحيد للوصول إلى المواطن هى تقديم الخدمات اليومية الضرورية له بصور جيدة ومريحة، بدون رشوة ولا واسطة ولا بلطجة، وأن تكون هذه الخدمات متاحة للجميع بلا استثناء ولا تمييز، لأن هذه الخدمات من الحقوق الدستورية للمواطن، ولذلك على الحكومة المصرية أن تضع استراتيجية كاملة لتطوير قطاع الخدمات بكل جوانبه بدءا بالموظف الذى يقدم الخدمة إلى أن تصل إلى صاحبها.
ورغم بساطة تنفيذ تطوير هذه الخدمات، إلا أن المسئولين دائما يتحججون بالتمويل والتكلفة العالية للصحة والتعليم وخلافه، إلا أن التجارب المحيطة وخصوصا في دبى مثلا تؤكد أن تطوير هذا القطاع غير مكلف بالمرة وهو يحتاج فقط لبرامج ميكنة لهذه الخدمات وبعدها يصبح هذا القطاع قطاعا رابحا لأن المواطن الذى سيحصل على الخدمة بسرعة وبشكل جيد لن يضطر إلى دفع عدد من الرشاوى قبل أن يحصل على الخدمة، وبالتالى سيكون مقبولا لدية أن يدفع تكلفة الخدمة الحقيقية وعليها هامش ربح، وسيكون المجموع أقل بكثير مما كان يدفعه في صورة رشاوى وإكراميات تذهب للفاسدين من الموظفين ولا تستفيد الدولة منها شيئا، بل تحصد سخط وكره الشعب لها، وينتشر الفساد في المجتمع حتى يدمره.
أرجو أن ينتبه الرئيس السيسى والحكومة لهذا القطاع المهم، الذى يمكن أن يغير شكل مصر بشكل كامل ويؤسس للدولة القوية الحديثة الشريفة التى يسعى لها الرئيس ونسعى لها جميعا.
وعلى الجميع أن ينتبه ويحاول أن يجيب على السؤال: لماذا تسعى جميع الدول والمجموعات التى ترغب في الاستثمار فى مصر وتضع في خططها الاستثمار والاستحواذ على قطاع الخدمات بالذات مثل الصحة (المستشفيات – معامل التحاليل – والأشعة – الأدوية ) وفي خدمات النقل وفى خدمات التعليم وفي خدمات الاتصالات وغيرها الكثير، ببساطة السبب هو أن من يسيطر على هذه القطاعات الخدمية يسيطر بالضرورة على الشعب كله ومقدراته ويستطيع أن يستنزف أمواله مقابل هذه الخدمات التى تخلت عنها الحكومة بقصد أو بجهل.