اليوان الصينى يستعد لغزو العالم ومواجهة هيمنة الدولار الأمريكى
بدأت الصين أولى حلقات ردها على إجراءات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإشعال حرب تجارية عالمية بقيامه بفرض رسوم وقائية على واردات الولايات المتحدة من المعادن، حيث أعلنت الصين قرب إطلاقها عقود آجلة لشراء النفط مقومة باليوان وهو عملتها المحلية، فى محاولة للقضاء على هيمنة الدولار على التعاملات الدولية.
وتسعى الصين أيضا من خلال هذا الإجراء إلى توجيه رسالة مباشرة لأمريكا بأنها قادرة على الدخول فى حرب تجارية مقابل أمريكا، مستغلة فى ذلك حجم اقتصادها الكبير عالميا، وانضمام عملتها المحلية اليوان، إلى سلة العملات المعتمدة عالميا، من قبل المؤسسات الدولية، بالإضافة إلى أن الصين هى أكبر مستورد للنفط فى العالم بنحو 8.4 مليون برميل يوميا في 2017، مقابل 7.9 مليون برميل يوميا لأمريكا.
ورغم وجود تجربة سابقة فاشلة للصين فى هذا المجال، إلا أن الوضع الحالى للصين يختلف تماما، فقد أصبح اليوان أحد العملات الرئيسية المعتمدة في العالم إلى جانب الدولار واليورو والين اليابانى والجنيه الاسترلينى، بالإضافة إلى حالة الاستقرار النسبى الحالية فى أسعار النفط العالمية، حيث تزامنت التجربة الأولى مع حالة عنيفة من التذبذب فى الأسعار وهو ما أثر سلبا على التجرة الصينية الأولى، كما أن حجم الاقتصادى الصينى وقدرته الإنتاجية اختلفت بشكل جزرى عن حالته في بداية التسعينات، ووضعت الصين أيضا فى التجربة الجديدة عدة محفزات للمستثمرين أهمها إمكانية تحويل العقود إلى الذهب لطمأنة المستثمرين الذين يخافون من تقلب سعر اليوان.
لكن يبقى بعض العوائق التى يمكن إصلاحها، منها عدم استمرارية التداول في الأسواق الصينية بسبب بعض العادات، بالإضافة إلى كثرة العطلات التى يتوقف فيها التداول، وساعات التداول القصيرة في البورصة الصينية، وكذلك زيادة تكلفة تخزين النفط فى الصين، وهو ما سيؤثر على قدرة العقود الصينية على تحديد سعر خاص بها، مما يمكن معه التأثير على استمرار وبقاء التجربة.
وبلا شك ستستفيد الصين من نجاح هذه التجرية، خصوصا ما يتعلق بتعزيز مكانة اليوان الصينى في الأسواق العالمية، وخلق معيار جديد لتسعير النفط في آسيا مقابل الدولار، وتقليل استخدام المعايير الدولية للتسعير، ويبقى فقط مشكلة وحيدة أخرى تواجه التوجه الصينى، وهى حصة اليوان الصينى الضعيفة حتى الآن من المدفوعات العالمية والتى تبلغ حاليا نحو 1.6%، في مقابل 40% للدولار، و36% لليورو، و7% للجنيه الاسترلينى، و3% للين اليابانى، والباقى عملات أخرى.
وإذا كان كل من الصين وأمريكا تسعى لهيمنة عملتها واقتصادها على العالم، فأين يجب أن تكون مصر وسط هؤلاء الكبار، وكيف تحمى مصالحها، وإلى أى فريق يجب أن تنحاز؟
أولا، على مصر أن تحرص وبقوة على تعزيز علاقاتها مع الصين فى الفترة المقبلة، لعدة أهداف، أولا أن الصين هي أكبر مُصدِر مصر، ولذلك فإن جانبا كبيرا من الدولار فى البنوك المصرية يذهب إلى تمويل عمليات الاستيراد من الصين، مما كان يضغط على الاحتياطى النقدى بشكل كبير ويرفع من سعر الدولار مقابل الجنيه، إلا أنه لو قام المستوردون بالشراء من الصين وباليوان، فسيتراجع الطلب على الدولار بشكل كبير بالبنوك وهو ما سيعزز من قيمة الجنيه المصرى، خصوصا وأن هناك اتفاق مصرى صينى بمبادلة العملة في البلدين، وهو ما سيسمح للمستمرين المصريين بالحصول على اليوان بسهولة أكبر من الدولار.
ثانيا، يتوقع الكثير من الخبراء الماليين منذ فترة حدوث تقلبات عنيفة فى سعر الدولار عالميا بسبب إجراءات الرئيس الأمريكى والمشاكل السياسية الداخلية في أمريكا، وهو ما يستدعى من الحكومة المصرية الاستعداد لمواجهة هذه التقلبات بتنويع مصادر العملات بشكل متوازن فى الاحتياطى النقدى حتى لا يتأثر بشكل كبير فى حالة حدوث مثل هذه التقلبات.
ثالثا، رغم كل ما سبق يجب أن لا تتسرع الحكومة فى التوجه الحاد نحو الشرق، وخلق نوع من التوتر مع أمريكا، لأن التجربة الصينية مازالت وليدة وغير مؤكدة النجاح، رغم الاستعدادات الصينية الكبيرة والتصميم على انجاحها هذه المرة، كما أن هذه التجربة تحتاج عدة سنوات لاستقرارها واعتمادها كبورصة دولية لتسعير النفط، ولذلك يجب أيضا الحفاظ على علاقات اقتصادية متوازنة مع الجانب الغربى وأمريكا بشكل خاص، حتى لا تتضرر المصالح المصرية.
يذكر أن الدولار الأميركي يهيمن على تجارة النفط العالمية، حيث يسعر خام "غرب تكساس"، سعر الأساس في أميركا الشمالية بالدولار، كما هو الحال بالنسبة لسعر خام القياس "برنت" في أوروبا.