هل تتقدم السلفية الجهادية المشهد من جديد؟
عبر مائة عام وفي إطار ما سماه المؤرخ البريطاني توينبي التحدي والاستجابة، جسدت الكيانات الحركية الإسلامية في علاقتها مع الغرب والأنظمة السياسة المختلفة، ما نستطيع أن نُطلق عليه الاستجابة الجزئية للتحدي الكامل.
ففي ظل تراجع واقع المسلمين سياسيا واقتصاديا اجتماعيا، برز السؤال العابر للزمن لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وهو ما حاول العديد من العلماء تقديم الإجابات عنه بطرق مختلفة، لكن الحركات الإسلامية على الأقل فى القرن الماضى انطلقت من ان انهيار الكيان الدولي للأمة هو ما جعلها نهبا مستباحا لأعدائها، محلقين مع فكرة الصراع الدينى كأساس للصدام.
جسد سقوط الخلافة في العام 1924 ضربة كبيرة لأحلام هؤلاء الذين تصوروا أن الخلافة العثمانية حفظت ما تبقى من مجد المسلمين، وجسدت كيانهم القوي الواحد رغم صحة تسميتها برجل أوروبا المريض، وتحول الإطار السياسي الذي جسدته الخلافة إلى أمر عقدي ديني في وعي الكثير من تلك الحركات، وطور كل فريق مقاربته الخاصة أو استجابته لتحدى ضعف الكيان الدولي للأمة وتراجع سلطان الدين في واقعها.
الحركة السلفية كانت ضربة البداية مع مطلع القرن، حيث ظهرت حركة محمد بن عبد الوهاب كأول استجابة سلفية، لتتطور السلفية مع جمال الدين الأفغاني إلى سلفية إصلاحية هذبها محمد عبده ثم رشيد رضا، تمظهرت الكيانات السلفية في كيانات مثل الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة التي كانت إطارا حركيا، اعتمد قضية التزكية والتربية والاهتمام ببناء التوحيد، الذي كان الخلاف حول بعض أموره الدافع لانشقاق تلك الجمعية إلى جمعيتين.
احتفظت الأولى بخطها الأقرب للأزهر بعقيدته، بينما تطرّفت الأخرى، وقدمت إطارا أكثر انغلاقا، وهي جماعة أنصار السنة المحمدية التي أسسها الشيخ محمد حامد الفقي في العام 1926، قبل أن تتطور الحركة السلفية على يد محمد رشيد رضا أحد شيوخ حسن البنا، الذي انتقل بالحركة الإسلامية من مساحة التربية والتزكية وتلقي العلوم الشرعية، دون صيغ تنظيمية صارمة.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين أول تجسيد لها، حيث أنشأ الرجل الجماعة في العام 1928 كأول كيان حركى يدين أعضاؤه بالسمع والطاعة لقيادة تعلن أنها بصدد مشروع ضخم لاستعادة الكيان الدولي للأمة، وهو الخلافة التي عدها البنا من الأصول، وليست من الفروع على خلاف كل أهل السنة متفقا مع الشيعة الإمامية في اعتبار الإمامة من أصول الدين.
الخط الزمني للحركات الإسلامية عبر قرن من الزمان من 1912 وحتى اليوم يقول، إنه بدأ سلفيا ثم إخوانيا ثم انتهى جهاديا مسلحا.. بدأنا بجماعات سلفية لا تؤمن بالمفاصلة والسلاح وتسعى للتربية والتزكية، وتخضع مقاربتها لتخليص الدين مما علق به عبر العصور وفهمه على طريقة سلف الأمة والاهتمام بتلقى العلوم الشرعية والتركيز على أمور التوحيد، وهو ما جسدته أنصار السنة والجمعية الشرعية وبعض الدعاة المحسوبين على السلفيين دون تبعية لأي كيانات تنظيمية.
ثم انتقل التطور إلى جماعة الإخوان التي طرحت نفسها ككيان سياسي ودعوي يخلط بين عمل تلك الجماعات السلفية في التربية والتزكية وتلقي العلم، وعمل الأحزاب السياسية في السعي للوصول للحكم والمنافسة على ذلك ارتدت الجماعة وجوه توسلت بها في بلوغ أهدافها، كان الصوفي هو أولها ثم الجهادي ثم السلفي قبل أن تعود جاذبية الوجه الجهادي المسلح لتلهم بعض أعضائها فيلجون سبيل العنف في أعقاب خروجهم من الحكم.
بعد تراجع مكانة الإخوان في معادلات السياسة والحكم والحضور، بدأ صعود داعش وحركات الجهاد المسلح، تأكيدا على أن الحالة الإسلامية تعود إلى المقاربة الأولى لها، وهي التي صنعتها وقعدت لها أفكار سيد قطب التي أسست لأفكار الجهاد والحاكمية والتمايز عن الكفر والمفاصلة مع الجاهلية؛ لذا عبرت كلماته عند خروج الإنجليز من مصر عن مكنون أفكاره التي جسدت أفكار السلفية الجهادية عندما قال: "خرج الإنجليز الحمر وبقى الإنجليز السمر"، في إشارة إلى مجلس قيادة الثورة أو النظام الحاكم الذي يعد وفقا لأدبيات السلفية الجهادية العدو القريب.
يلخص أبو مصعب السوري أحد أهم منظري السلفية الجهادية المعاصرة القول حول البنية الفكرية للتيار الجهادي المعاصر، حاصرا إياها في المعادلة الآتية "أساسيات من فكر الإخوان المسلمين مع المنهج الحركي للشهيد سيد قطب، والفقه السياسي الشرعي للإمام ابن تيمية والمدرسة السلفية، إضافة إلى التراث الفقهي العقدي للدعوة الوهابية، كل ذلك يصنع المنهج السياسي الشرعي الحركي للتيار الجهادي وفقا لتعبيره.
هل نفهم أننا أمام تحالف فكري وحركي قد نراه في لاعب واحد، بعد تعدد اللاعبين بين سلفي وإخواني وجهادي؛ ليصبح المستقبل هو لاعب واحد جهادي سلفي تمثل داعش وأخواتها أبرز مقدماته هذا هو سؤال اللحظة في تقديري.