التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 10:26 ص , بتوقيت القاهرة

مصطفى العقاد يبلغ الرسالة

توعد الله في كتابه في أكثر من موضع من يصدون عن سبيله ويبغونها عوجا، أو الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا، والذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله.. وهنا يدور التساؤل، من الذي يصد عن سبيل الله، وينفق أمواله في سبيل ذلك، هل هو مصطفى العقاد، وعبد الله غيث، وصانعو فيلم الرسالة، أم من ارتدى حزاما ناسفا وفجر الفندق الذي تواجد فيه المخرج السوري مصطفى العقاد ليموت إثر جراحه هو وابنته..!

بداية الحديث، يقول العقاد، "درست الإخراج في أمريكا، وعملت هناك لسنين مع أشهر المخرجين، لكن بعد الزواج وإنجاب أطفالي، بدأت أتساءل من الذي يعلم أولادي أمور دينهم. أنا رجل عربي مسلم، أعتز بهذا الدين، وأجد تقصيرا شديدا من الحكومات في إرسال مدرسين يعلمون أبناءنا أمور دينهم. ولكني بدلا من لوم الحكومات، اكتشفت أنها مسؤوليتي أنا. مسؤولية المبدع والفنان والمثقف. وبدلا من أن أضع إصبعي تجاه الغير أطالبه بالمسؤولية صرت أوجهه إلى صدري أنا.

ومن هنا كان انطلاق الفكرة.

كانت من أصعب الفترات في حياتي.. الموضوع حساس.. والتمويل صعب.. خاصة وأن هوليوود لن تقدم على تمويل عمل كهذا، نظرا لتأثير اللوبي اليهودي داخل هوليود. انتقلت من دولة إلى أخرى. ومن جهة إلى أخرى. وفي النهاية استطعت الحصول على تمويل ثلاثي من المغرب والكويت وليبيا.

الاسم في البداية كان محمد رسول الله.

وقعنا في أزمة قبل البدء في الفيلم. تشويه واغتيال معنوي لا ندري هل كان مقصودا أم لا. حيث انتشر خبر في مصر أن الفيلم سيكون بطولة أنطوني كوين. وانتشرت شائعة أن كوين سيقوم بتجسيد دور النبي محمد (ص) على غير الحقيقية، ولكن الشائعة راجت ولم نستطع مقاومتها. وهو ما بدأ الهجوم علينا قبل أن نبدأ.

سافرنا إلى مصر.. وظللنا سنة كاملة في كتابة السيناريو، وكان ذلك تحت إشراف كبار مشايخ الأزهر مثل الشيخ بيصار والشيخ عبد المنعم النمر والدكتور أحمد شلبي. وقام على الكتابة عبد الحميد جودة السحار وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي. هذا خلاف السيناريست الأمريكي هاري كريج، الذي يعمل بالتعاون مع الفريق العربي.

وانتهى السيناريو، وحصلنا على موافقة الأزهر بختم موثق على كافة صفحاته، ثم أخذنا موافقة المجلس الشيعي الأعلى في لبنان. ثم انتقلنا إلى رابطة العالم الإسلامي في مكة حتى نحصل على موافقتهم. لكن هؤلاء كان لهم رأي مغاير.. تحفزوا ضدنا، ولم يقرأوا السيناريو، ورفضوا حتى مشاهدة الفيلم قبل أن يخوضوا برأيهم. قولا منهم إن التصوير حرام شرعا..! حتى لو كانت قصة ناجحة ومؤثرة".

يصمت قليلا المخرج الكبير. ثم يتذكر أمرا بعيدا يعود لعشرات السنوات، حينما كان يدرس التصوير في كاليفورينيا.  يقول: "لقد علموني في الجامعة هنا في أمريكا أن الذي اخترع نظرية التصوير بالأساس رجل مسلم من الأندلس، هو الحسن بن الهيثم.

فهل بعد كل هذه القرون نرتد إلى ما هو أكثر تخلفا.!

نظر الرجل إلى الجريدة أمامه وقال لهم: ها هي صورة الملك فيصل بالجريدة. أليست هذه حرام أيضا..! قالوا له، هذه حبس للظل. أما ما تفعله أنت فهو وضع روح للصورة وهو حرام..!

ونظرا لرفض السعودية انسحبت الكويت من التمويل.

بداية التصوير كانت في المغرب، وكان الملك الحسن يرحب بالفيلم ترحيبا كبيرا. وفتح لهم أبواب البلاد لتصوير الفيلم مع توفير كافة التسهيلات. وأمضى الفيلم ستة شهور من العمل الجاد والمتواصل. إلى أن جاء اليوم الذي استدعى فيه الملك الحسن، المخرج مصطفى العقاد.. يصف المخرج المشهد.. حينما دخل بهو القصر على الملك الحسن. ووجده محرجا منه. ويقطع الرواق ذهابا وإيابا. ثم توجه له بالحديث وقال: "يجب أن يتوقف الفيلم".  فالملك فيصل ملك السعودية يهدد بعدم حضور القمة العربية في الرباط عام 1974 لو لم يتوقف تصوير الفيلم.

يقول العقاد "وهنا كانت الصدمة.. لماذا يعادوننا ونحن نقدم عملا نستهدف به خدمة ديننا. نحن في خندق واحد في الأخير. وصرنا نلملم المعدات ونجرجر الحزن مع أطراف الثياب. والشك يملأ قلوبنا. هل عسانا نستطيع السير وأكبر زعماء المنطقة الإسلامية يرفض بقاءنا..!"
ونكمل في مرة تالية..