التوقيت الأحد، 22 ديسمبر 2024
التوقيت 11:54 م , بتوقيت القاهرة

الكتالوج القديم.. علشان كلنا مانتفاجئش

انتشرت مؤخرا على الفيسبوك صفحة اسمها "علشان لو جه مايتفاجئش"، الصفحة ترصد بالصور المخالفات الموجودة في المستشفيات وغيرها من المؤسسات، وتقدمها إلى المسؤول السياسي، من أجل أن توفر عليه الخطوة الأولى - وغالبا الأخيرة - التي يشاغلنا بها كل مرة. خطوة إيه؟! خطوة الزيارة المفاجئة.


ما هو أصل حضرتك دا كتالوج قديم حفظناه. الخطوة التانية هيوعد بالضرب على يد المقصرين، ويمكن - ثالثا - هيفصل مسؤول أو مسؤولة هنا أو هناك. هناك رابعا وخامسا وسادسا بتحصل من ورا ظهرنا. المسؤولة التي فصلت ستتقدم بشكوى للقضاء الإداري، والقضاء الإداري سيعيدها إلى منصبه، وسنعيد دورة الحياة من أول وجديد ونعيش في تبات ونبات ونخلف مسؤولين ومسؤولات.


لحظة من فضلك. لا أشكو هنا من أن مجهودات السيد الوزير الفلاني ذهبت هدرا. ولا من عودة المسؤولين عن "الفساد". أبدا أبدا. أريد فقط أن ألفت نظرك إلى أن الحدوتة من أولها إلى آخرها اشتغالة، لا تمت إلى السياسة بصلة. ولا تقدم ولا تؤخر. من أول زيارة الوزير لحد الآخر. والمسؤولة المفصولة غالبا غالبا مش هي المسؤولة عن الخراب.


ليه؟


لأن هذا الخراب موجود لأسباب مادية موضوعية. أي أن وجوده مكتسب من عوامل حقيقية، قيم أصيلة في المعادلة الرياضية. تعالي أعطيك مثلا:


هل تظنين أن لاعبي فريق كفر تليمة لكرة القدم لا يحلمون بأن يحصل فريقهم على الدوري؟


أكيد.


ماذا ينقصهم؟


رؤية جيدة، تستطيع أن تأتي بموارد مالية تنافسية لازمة لتدريب وتجهيز لاعبين أكفاء، وتوفير الوسائل اللازمة للتدريب، وكافية لدفع مرتبات مجزية لهؤلاء اللاعبين لكي لا يتركوا النادي ويهربوا.


الآن تخيلي أن عمدة كفر تليمة استيقظ في منتصف الليل وتخفى وذهب إلى نادي كفر تليمة الرياضي في زيارة مفاجئة وأيقظ الحارس وعنفه، ثم التقط صورا للحالة المزرية. هل سيقدم هذا في الموضوع أو يؤخر؟


أبدا.


طيب تخيلي لو العمدة عنده ميزانية معينة. وأنه قرر أن يزيد البند المخصص لتحديث النادي الرياضي. ماذا سيحدث؟


لا بد أن ينقص من بند آخر في الميزانية لكي تظل هذه الميزانية منضبطة. يعني ممكن يزود النشاط الرياضي بس بند صيانة الكهرباء يقع.


أومال نعمل إيه؟


حل واحد وحيد. دعوة آخرين، غير حكومة العمدة المركزية، للاستثمار في النادي.


لماذا لا يفعل العمدة ذلك؟


لأنه يعرف أن هذا يعني مشاركة آخرين في "السلطة". إذا لا يقدم الناس أموالهم، فلذات قلوبهم، بلا قدرة على التصرف فيها. على الأقل لا يفعلون هذا في أمور الحياة الدنيا.


يسمون هذا السلوك الاستثماري "استثمارية" (رأسمالية). وهي بالمناسبة التي قادت إلى الديمقراطية و"تداول السلطة".


نعود إلى المستشفيات. ستقولين لي ولكن المستشفيات الاستثمارية لم تكن تجربة ناجحة. هذا كلام مغلوط. إنك تحكمين على المستشفيات الاستثمارية بمنطق المستشفيات العامة. تريدينها أن تعالج الناس بالمجان، وترفعين أمامها شعار "العلاج حق". وهذا يعني أنك تريدين أن تحوليها هي أيضا إلى "نادي كفر تليمة". إذ ستتناقص أرباحها وستخسر وتتراجع الخدمة فيها. كما أن المستثمرين سيفهمون الخدعة ولن يستثمروا عندك مرة أخرى.


الهدف السياسي من المستشفيات الاستثمارية شيء واحد فقط، أن تخفف العبء عن المستشفيات العامة. بأن تأخذ قطاعا ولو محدودا من القادرين على تحمل تكلفتها، تأخذهم بعيدا عن المستشفيات العامة. الحل الوحيد للمستشفيات الاستثمارية هو مزيد من المستشفيات الاستثمارية. والطريقة الوحيدة لتنفيذ هذا الحل هو جعل المستشفيات مشروعا مغريا للاستثمار فيه. لن نخسر شيئا. المجتمع لن يخسر شيئا. حتى لو كانت المكاسب محدودة فلن يخسر شيئا. عدد المرضى القادرين على العلاج في هذه المستشفيات، وبالتالي إراحة المستشفيات العامة منه، ليس المكسب الوحيد. هناك مكاسب جانبية كتوفير فرص عمل، وكتحسين مستوى الأطباء من خلال عملهم على أجهزة أحدث، وبإغراء القادرين على العلاج في مصر بدل السفر إلى الخارج.


المستشفيات مجرد مثل. لكن ما ينطبق عليها ينطبق على المدارس، وعلى المشاريع الإسكانية، على القطارات والطيران، وعلى كل قطاع آخر.


يؤسفني أن أقول إن هناك عاملين رئيسيين يمنعان مصر من اتخاذ الخطوات الاقتصادية الأنسب:


?1. رغبة الحكومة المركزية في الاستئثار بالسلطة. وضمان اعتماد المواطنين عليها اعتمادا كليا.


2. اللعب على "الحسد المادي"، وإلباسه قناع "العدالة الاجتماعية". لا نفيد الفقراء إذا سددنا الباب على الجميع. التمايز المادي موجود وأمر واقع، إن لم نوجد منفذا لإدارة أمواله في الداخل سيستخدمها في الخارج.


لو شيخ الغفر بقى عشر بلدوزرات في بعض لن يستطيع إصلاح شيء. مفيش جهاز ولا مؤسسة ولا حكومة بتقدر تعمل كل حاجة، لازم نتعلم نشارك الجهود، والنفع، والسلطات الطبيعية الناشئة عنه. لازم رؤية تكون دي أسسها.


ودمتم.



في مصر.. المصائب لا تأتي فردى