اختطاف لوجه الله
أنظر إلى الطفل الذي يقف وحده يشاطرني عذابات انتظار المصعد، أنظر خلفي فإذ بالجدار يبتلع بقية أسرته التي لا زالت تعبر الممر الطويل، فلا سبيل لهم إلى رؤيتنا. أتساءل بتقززي الفطري من الحمقى لماذا يأتمنني هذا الصغير على سلامته، ويقف بجانبي وكأنه قد أخذ مني وعدا بلفوريا بحمايته؟
توكلنا على الله: سأختطفه.
الفتى الذي خرج ولم يعد، والفتاة التي قُتلت وأُلقيت جثتها للكلاب، وتلك التي أقفل عليها الآسيوي كومار باب بقالته، جميعهم ضحايا ضُرب بهم المثل لبث الرعب فينا، وإشعار أقدامنا الحافية بأن الذئب البشري يسلك أسنانه بانتظارنا خلف كل مدرسةٍ. ورغم ذلك، لم نرتعد يوما، فعشنا طفولتنا بالطول والعرض، بل ولكم حطمنا قوانين الفيزياء على رأس أينتشتاين ورفاقه.
ولا غرو بأن جيل الإنترنت والهواتف الذكية تجاوز جاهليتنا بمراحلٍ، فلو ألّفت لأحدهم قصةً عن الفتاة التي ذهبت بمفردها إلى الحديقة العامة واختفت إلى أبد الآبدين، سيفحمك ببحثٍ مفصّلٍ في جوجل عنها، وربما تتبع خطواتها إلى منزلها عبر "جوجل إيرث". ولكني أعلم بأن الطفل منهم لا زال يتعرض لكميةٍ هائلةٍ من الرعب والإرهاب بغرض حمايته...ولا يتعظ.
بالطبع، لست بمختطفةٍ للأطفال. أنا لم أحترف المهنة، على الأقل.
كل ما أردت فعله هو جرّ ذلك المسكين الذي "وقع ومحدش سمّى عليه" إلى المصعد وإغلاق الباب. سآخذه في جولةٍ مخيفةٍ عبر الطوابق، سأضغط على زر الطوارئ فأتسبب في إطلاق صفارات الإنذار، وربما أتسبب في إطلاق أشياءٍ أخرى من مثانته الصغيرة. سأزمجر، سأصرخ، سأتوعد. سأهدد بأن أقذفه في بئر المصعد، بأن أسرق محفظته، بأن أنحر "سبونج بوب". لا يهم.
كان الهدف أن أحفّظه درسا معتبرا في الحيطة والحذر لا أكثر، فأنا سأطلقه في النهاية ليعود إلى أهله سالما معافى، في ما عدا بعض الآلام النفسية الضرورية، والصدمات العنيفة، والمخاوف العميقة، ليفكّر أثناء جلسات الطب النفسي في الضريبة الحقيقية التي كان ليدفعها لو لم يكن قلبي الأبيض-هكذا قيل لي-هو الذي تحكّم بأزرار المصعد.
وأحيانا، نود للدول والشعوب أن "تُختطف" لوجه الله أيضا.
إنها ترى التحذيرات من حولها في نظرات المرضى المتربصين، وتُسرد على مسامعها قصص العشرات الذين لم يحالفهم الحظ في العودة إلى بيوتهم...ولا تتعلم الدرس.
كالطفل السفيه، تعتقد أممنا بأنها ستنفذ من المخاطر، وبأنها تمتلك حصانةً ضد مشتهي الثروات، ومختطفي الحريات، ومستعبدي العقول، فتخرج لتلهو وتعبث في أزقة الأدلجة والتطرف والطائفية والعنصرية، ولا بأس أن تتوهم أيضا بوجود منفعةً عظمى من وراء لهوها.
وإن كانت الأمم والشعوب كالأطفال تماما في المسار الأليم الذي تتبعه نحو النضج، فلا بد وأنها لن تفقه الحياة حتى تقع في شر غبائها المُضحك، ولكن هل يعقل أن يحالفها الحظ في كل مرةٍ فتجد محسنةً خيّرةً مثلي لتقفل عليها باب المصعد؟