التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 10:01 ص , بتوقيت القاهرة

قصة بيانين: نهاية فصل بين الإخوان والأمن

أخطأ الإخوان خطأين استراتيجيين في أسبوع واحد. أيدوا بيان "نداء الكنانة" الذي - لو أحسن استغلاله - لأدى إلى إدراجهم في مصاف التنظيمات الداعمة للإرهاب، وإلى ملاحقة الموقعين عليه فردا فردا، بمعرفة سلطات دولية. الخطأ الثاني هو فيديو القيم الأمريكية الخاص بمحمد سلطان، والذي أظهر أن الإخوان ازدواجيون، يستفيدون من القيم الأمريكية ويعبرون عن حبهم لها بينما يصورون أمريكا وقيمها لنا نحن بأنها الشيطان الأكبر. يقولون لرئيس أمريكا إنهم فعلوا بالضبط ما طلب منهم أن يفعلوا في 25 يناير، ويقولون لنا إن 60% من جهود الإدارة الأمريكية في أثناء الثورة كانت لإجهاضها.



يصب الخطآن في صالح ترسيخ صورة واحدة، لطالما اتهم بها الإخوان، ولطالما رفضوها: أن مصر والوطنية المصرية بالنسبة لهم مجرد سبوبة. وأنهم يظهرون وجوها عدة، مع أطراف عدة، لغرض واحد ووحيد. هو حيازة السلطة ثم احتكارها. بدءا من السلطة الاجتماعية إلى سلطة الحكم. هذا غرض مشروع بشرط واحد هو القبول بقواعده التنافسية. والتي تقضي بأن تتمتعي أنت وغيرك بنفس الحرية، بنفس الحقوق والواجبات، وأن تتخلي عن العنف تخليا تاما ونهائيا، وإلا صار قاعدة تنافسية تحتكمين إليها أنت وخصومك.


لقد أدخل الإخوان ببيان "نداء الكنانة" العنف رسميا كقاعدة من قواعد المنافسة. بعد أن نجحوا في إخفائه عن الإطار الرسمي عقودا.


ولقد أظهر الإخوان أنهم يطلبون لأنفسهم الحرية والمساواة والقيم الأمريكية علنا، بينما يلومون على غيرهم هذا. بل إن ابن قيادي فيهم يقبل أرض المطار في أمريكا. أفهم تماما أن هذه قد تكون مجرد حركة عفوية. لكن المهم هنا هو الصورة الإعلامية، الصورة الذهنية التي نتجت عنها.


كل هذا كان تمهيدا ولا أفضل لأن يصدر البيان الآخر، من القوى الأمنية. الأجواء صارت مثالية لإصدار البيان، قبل يوم من زيارة السيسي إلى ألمانيا التي ينشط فيها الإخوان بقوة، والتي شهدت أكبر نكاية استطاع الإخوان تحقيقها ضد الإدارة المصرية الحالية. وقبل يوم واحد من الميعاد المفترض للنطق بالحكم في اتهام الرئيس الأسبق محمد مرسي بالتخابر (مد أجل الحكم لاحقا). وهو يشدد على أن التكليفات المتماشية مع ما جاء في بيان "نداء الكنانة" وصلت خلال فترة رئاسته.



وهذا البيان، المقروء بنبرة تشبه نبرة بيانات 1952 عن الملك، والمتبوع بأغان وطنية، أظهر نفسه على النقيض تماما من بيان الإخوان. الإخوان يتآمرون، القوى الأمنية تدافع عن الوطن. الإخوان يهددون ويستعدون، القوى الأمنية تطمئن شعب مصر الأبي. الإخوان "خونة" يحبون بلادا خارجية، البيان يهتف بحياة مصر وشعبها.


ربما يظهر البيان كتحرك إعلامي. لكنني أعتقد أن أهدافه السياسية تمتد إلى أبعد من ذلك:


1. في ظل ما يتردد في أجهزة الإعلام الداخلية والخارجية، وعلى ألسنة مقربين من إدارة الحكم، عن وجود محاولات لإضعاف الرئيس، يأتي البيان بصورة تفصيلية عن "عدو" واحد ووحيد ينبغي أن تتوحد الجهود ضده.


?2. البيان مكتوب بصيغة خطاب داخلية تعودنا عليها في مصر. لكنه - على الرغم من ذلك - موجه إلى دول إقليمية تحاول مغازلة الإخوان، ولعلها تريد تخفيض الأحكام عليهم كعربون تعاون لتحقيق مصالح إقليمية مشتركة (وهذه طبيعة السياسة).


البيانان، على هذا، يأتيان من منبعين مختلفين جدا، لكنهما يصبان في مصب واحد.


بيان "نداء الكنانة" بيان يائس، يدل على الإحباط، وعلى "تقطيع البطاقة"، وفقدان الحلفاء المؤسساتيين، والاستنجاد بالميليشيات الجهادية عيني عينك.


وبيان الأجهزة الأمنية بيان يقتنص الفرصة ويلتقط الخيط، ويلف به عنق الخصم.


تختلف التفسيرات والنتيجة واحدة. فصل المواجهة إلى ذروته الدرامية. هل تكون الذروة هي النهاية، أم تكون "أنتي كلايماكس"؟ هذا ما سنراه.