التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 03:30 ص , بتوقيت القاهرة

الإخوان ومخاض المراجعة

ما يحدث الآن داخل جماعة الإخوان، هو مخاض ما قبل المراجعة، لأنه ما من جماعة اتخذت العنف وسيلة للعودة للسلطة إلا وأصابها الانقسام، وقد مرت الجماعة الإسلامية في سجون التسعينات بتلك المرحلة، ثم انتهت لمبادرة وقف العنف، وحصلت على فرصة للعودة من جديد.


وأعجبني قول أحد قيادات الإخوان، في تعقيبه على مقال محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد، الذي هاجم فيه شباب الجماعة، مشيرا إلى أنهم هم من ورطوا الجماعة في العنف، إن التغيير الذي ينمو داخل الجماعة أكبر من أن يوقفه أحد.


كان هناك احتمال لتسارع الأحداث وتضخمها، لم تدركه قيادة الإخوان، ومن الناحية الشرعية كانت ستتحمل الجماعة مسؤولية كل الدماء التي سوف تسفك نتيجة أعمال العنف، حتى لو لم تكن متورطة فيها بشكل مباشر، وستتحول بعد فترة إلى فرع من تنظيم القاعدة أو داعش، وسيتحول شبابها عن الأصل وهو الإخوان إلى الفرع وهو تنظيم داعش، لكن قيادة الجماعة لم تدرك ذلك أيضًا، وظلت ترفع شعارات الثورية، وشعارات عودة الشرعية.


وتسارعت الأحداث، وأصبح هناك أيضا فجوة بين القيادات القديمة التي انهزم منطقها، وفشل منهجها، وجيل الشباب الذي بدأ يتقدم وينتزع القيادة، خصوصا في المستويات القاعدية، حيث الشعب واللجان النوعية التي تتولى تسيير الأمور على الأرض، وقام الشباب ببناء مؤسسات جدية داخلية للتنظيم، مثل مكتب الإرشاد، ومجلس شورى الجماعة، والمكاتب الإدارية، ومجالس شورى المحافظات، وهي الكتل التنظيمية الجامدة، وحاولوا خلق ظروف لتغيير الرموز القيادية التاريخية القديمة، التي ارتأوها هي السبب في محنة التنظيم، وإعادة صياغة الأوزان التنظيمية من جديد.


وخرج محمود غزلان بعد اختفائه لمدة عامين ليقول: "والذي نريد أن نؤكده هنا أن السلمية ونبذ العنف من ثوابتنا التي لن نحيد عنها، أو نفرط فيها.


وتعرض الرجل لهجوم ضخم عقب مقاله، وكشف مقال منشور على موقع "نافذة مصر" التابع لجماعة الإخوان، أن 6 من أعضاء مكتب الإرشاد فقدوا منصبهم، منهم الدكتور محمود غزلان، والدكتور محمود حسين، وتم تكليف إدارة جديدة بدلاً منهم، وأن الشباب لا يرضى- كل الرضا- عن الإدارة الحالية لأنها مرتعشة في اتخاذ القرار لكنها أفضل من القيادة القديمة علي كل حال.


في هذه الظروف تم القبض على محمد وهدان، رئيس قسم الطلبة، والمشرف التنفيذى لأعمال الجماعة على الأرض، وتبين بعد ذلك أن محمود عزت وغزلان وعبدالرحمن عبد البر، قد عقدوا اجتماعاً لتنصيب عزت مرشدا وللسيطرة على التنظيم من جديد، إلا أن ذلك قوبل برفض شديد.


وسار الإخوان بطريق معكوس، وبعمى استراتيجي كعادتهم، وخلال محنتهم وصراعهم مع النظام، كانوا أمام نهايات طبيعية، أولها مواصلة النظام خطته في القضاء على التنظيم، واستخدامهم كفزاعة للخصوم، أو انتصار الجماعة عن طريق ثورة شعبية بعد الأزمات الاقتصادية، أو التفاوض للعودة للعمل السياسي، والحصول على شرعية منقوصة، كالتي كانت معهم أيام مبارك، أو انقسام الجماعة نصفين، منشقين ومنظمين، أو معتدلين ومتشددين، والقضاء على المتشدد وإبقاء المعتدل، وأخيرًا اعتراف الجماعة بالإخفاق والبدء في المراجعة.


وانقسمت الجماعة لنصفين في النهاية، الأول منهما، هو القيادات التاريخية التي أوصلت التنظيم إلى ما وصل إليه قبل 30 يونيو، والثاني هو من أوصله لما جرى بعد 30 يونيو، وتصارع الفريقان.


ولأن الحركات عادة تنتقل من الثورة إلى الإصلاح، سار الإخوان في طريق عكسي، ولم يتبق سوى شيء واحد، هو ثورة القيادات الوسطى على أولئك الذين يتحدثون عن عمل ثوري، بينما باقي التنظيم الدولي، في تونس والمغرب والأردن وغيرها، يتحول من الثورية إلى الإصلاحية، وإلى "الدسترة"، أي عبر الاندراج ضمن الثقافة السياسية في البلاد، إلى سياسة التعايش والتكيّف الإيجابي.


الانقسام مرشح للزيادة، والانشقاق سيستمر، لأن هذه هي محصلة نهائية لما جرى بعد 30 يوينو، لكنني أراه صحيًا، لأن المراجعات في الأغلب تتم بهذه الطريقة، وهذا هو مخاض المراجعة.