ماذا ستفعل مصر في معركتها الحقيقية بليبيا؟
تعتبر الأزمة الليبية الحالية هي أحد أهم المحاور الجوهرية لسياسات مصر الخارجية، والتي لا تقل أهمية عن تأمين العمق الاستراتيجي بمضيق باب المندب، تخوفا من سيطرة الحوثيين عليه، فضلا عن قضية نهر النيل وسد النهضة الإثيوبي، والوصول لتفاهمات حول نصيب مصر من مياه نهر النيل مع دول الحوض الإفريقي.
واتسمت العلاقات المصرية الليبية، في الأربعة أعوام الأخيرة، بشيء من التذبذب، نظرا لظروف اندلاع ثورتين بكلا البلدين، وتعدد إيدولوجيات الشخصيات الحاكمة، التي تولت السلطة بعد ذلك، فيما كان يُعرف الطابع التاريخي بين مصر وليبيا بأنه يتسم بمراحل صعود وهبوط، فمن انسجام وتفاهم في مرحلة الستينيات إلى توتر في عهد السادات، تطور إلى صدام في مرحلة الثمانينيات.
فيما تأتي فترة التسعينيات لتشهد تقاربا كبيرا بين البلدين، وخصوصا بعد حادث "لوكيربي"، وفرض حصار اقتصادي على ليبيا، حتى تعرضت لأزمة اقتصادية كبيرة، جعلت السلطات الحاكمة هناك تفتح الحدود والمنافذ التجارية على دول الجوار، وازدهرت في هذه الفترة، التجارة بين البلدين، واستقبلت ليبيا أعدادا كبيرة من العمالة المصرية في ذلك الوقت.
الأزمة الليبية الداخلية
بدأ الوضع الليبي في التأزم بعد ظهور عدة فصائل مسلحة تحاول السيطرة على السلطة هناك، وما أعقبها من شن قوات اللواء خليفة حفتر هجوما على معسكرات كتائب راف الله السحاتي، أحد أكبر الكتائب في بنغازي، وإعلان حفتر إطلاق عملية الكرامة لتطهير ليبيا من الإرهابيين، على حد وصفه، وإعلان عدم شرعية الحكومة والمؤتمر الوطني العام.
وقد أدت عملية حفتر لحالة من حالات الاستقطاب الهائل بين القوى السياسية الليبية، لتزيد من الاحتقان المسيطر على الشارع هناك، ما أدى إلى قيام مصراتة بالرد بعملية فجر ليبيا، وطرد حلفاء حفتر المتمثلة في قوات الزنتان "القعقاع" من العاصمة طرابلس، والدخول في مواجهة مفتوحة معه.
مصر تدعم حفتر
بدأت الأزمة بين مصر وبعض الجماعات المسلحة في ليبيا، بعد أن إنحازت الإرادة السياسية المصرية لشرعية اللواء خليفة حفتر والبرلمان الليبي المنتخب، والذي يُعقد جلساته بمدينة طبرق، التي تنعم بالهدوء النسبي، ذلك البرلمان الذي جاء بعد برلمان المؤتمر الوطني العام، وهذا ما زاد الأزمة مع أنصار المؤتمر الوطني العام، فضلا عن أنصار جماعة فجر ليبيا بمختلف انتماءاتهم.
لماذا حفتر؟
هناك أهداف مشتركة بين اللواء حفتر والقيادة المصرية، وهي محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة، وصد توغل جماعة الإخوان، ويظهر ذلك في مقابلة صحفية أجراها حفتر مع إذاعة "بي بي سي"، حيث أوضح: "إن الهدف من عملية الكرامة هو تطهير ليبيا من المتطرفين الظلاميين والتكفيريين وجماعة الإخوان".
وتوعد حفتر خلال اللقاء، بتقديم كبار مسؤولي المؤتمر الوطني العام "البرلمان" والحكومة، وهما أعلى سلطتين سياسيتين ودستوريتين في البلاد، للمحاكمة في حال اعتقالهم، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي خلال فترة توليهم السلطة.
ويرى اللواء الليبي، بحسب حديثه للإذاعة البريطانية، أن المؤتمر الوطني العام قاد البلاد نحو نفق مظلم لا يستطيع أن يخرج منه، وأن الثورة انتهت إلى طريق مسدود، وفي الوقت نفسه، اتهم جماعة الإخوان في ليبيا بتشكيل جماعات من الإسلاميين المتطرفين، ومنح مقاتليها جوازات سفر ليبية.
يذكر أن حفتر شارك في حرب أكتوبر 1973، وحصل على نجمة سيناء، وقاد القوات الليبية، خلال الحرب الليبية- التشادية في الثمانينيات، وحقق انتصارا سريعا في بداية الحرب، انتهى بهزيمة أدت لوقوعه في أسر دولة تشاد، وبعد تخلي القذافي عنه، تدخلت مصر للواسطة عنه مع حكومة تشاد، وخرج بعدها إلى المنفى في الولايات المتحدة، وقد عاد إلى طرابلس في عام 2011 بعد اندلاع الثورة الليبية.
تهديد
هناك الكثير من عمليات الاستفزاز للحكومة المصرية، على يد بعض الجماعات المتطرفة في ليبيا، وتنعكس هذه العمليات في قتل عمال مصريين وأسر صيادين، ومحاولات لتعطيل أعمال تجارية مصرية، وكان الدافع وراء هذه العمليات كثيرة، أبرزها الرد على الإدارة السياسية في مصر لدعمها للواء خليفة حفتر، وأيضا هناك دوافع أيدولوجية ترتبط بجماعة الإخوان بليبيا ترى أن ما تفعله في هؤلاء المصريين هو أبلغ رد على ثورة 30 يونيو، وما تبعها من عزل الشعب للرئيس الأسبق محمد مرسي.
وشنت القوات الجوية المصرية، في منتصف فبراير الماضي، عدة ضربات لأهداف تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا، على إثر بث التنظيم تسجيلا مصورا يظهر مقاتليه وهم يعدمون 21 مسيحيا مصريا ذبحا.
ومن المعروف أن جماعة الإخوان في ليبيا، يمثلها حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي للجماعة، وهو الحليف السياسي لمصراتة.
اللجوء لمجلس الأمن
دعا وزير الخارجية، سامح شكري، في فبراير الماضي، خلال مستهل جلسة خاصة لمجلس الأمن، إلى رفع الحظر الأممي عن تزويد ليبيا بالسلاح، وقال إن ذلك سيمكن القوات التابعة لحكومة عبدالله الثني "الشرعية" من التصدي لما وصفه بالجماعات الإرهابية هناك، معتبرا أن الحوار ومكافحة الإرهاب يمكن أن يتما بشكل متزامن.
كما دعا شكري في المقابل إلى منع تزويد القوات التابعة للمؤتمر الوطني العام في طرابلس، بالسلاح، فضلا عن طلب وزير الخارجية في حكومة الثني، محمد الدايري، برفع حظر التسلح عن ليبيا، وحث مصر على توجيه مزيد من الضربات الجوية لما سماها التنظيمات الإرهابية في البلاد.
مجلس الأمن يرفض طلب مصر
تم رفض طلب مصر، بشبه أغلبية من قبل دول عربية وأوروبية، ممثلة بأعضاء في مجلس الأمن، فقد قال المندوب التونسي، محمد خالد الخياري، إن بلاده تدعم الحوار في ليبيا، وتؤكد أن الحل السياسي هو السبيل الأمثل لوحدة شعبها.
وبدوره، قال الوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية، عبدالقادر مساهل، إن بلاده ستواصل عملها في إطار جهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل توافقي يصون وحدة الأراضي الليبية.
أما المبعوث الأممي، برناردينو ليون، فقد أكد أن ليبيا والمنطقة تتعرضان لخطر شديد يستدعي تضافر الجهود لإنضاج حل سياسي لهذه الأزمة، وبدعم دولي، قائلا: "إن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تتم إلا من خلال حكومة ليبية موحدة".
ودعا ليون إلى حوار سياسي لتسوية الأزمة الليبية، يشمل تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى التصدي للتحديات الأمنية، بما في ذلك انتشار التنظيمات التي توصف بالإرهابية.
وشدد مندوب إيطاليا بمجلس الأمن، سباستيانو كاردي، على خطورة الوضع في ليبيا، مؤكدا استعداد بلاده للمساعدة على التوصل إلى حل سياسي يشمل حكومة وحدة وطنية، ووقفا شاملا لإطلاق النار، كما أعلن أن بلاده مستعدة لتدريب قوات ليبية.
واضطرت القاهرة إلى خفض سقف مطالبها من مجلس الأمن بعد إعلان القوى الغربية الكبرى ضمنيا رفضها دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تدخل عسكري خارجي في ليبيا، وتأكيدها أن الحل السياسي هو الخيار الأفضل.
ومؤخرا استضافت القاهرة، مؤتمر "ملتقى شيوخ زعماء القبائل الليبية"، بمشاركة أكثر من 300 قبيلة، تحت عنوان لم الشمل وتوحيد الصف الليبي، وهو ما يدخل ضمن منظومة العمل الدبلوماسي، كإحدى الطرق التي تتبعها مصر لمواجهة هذه الأزمة.
حلول دبلوماسية أم عسكرية
يرى سفير مصر الأسبق بتركيا، ومدير الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي بوزارة التعاون الدولي، السفير فتحي الشاذلي، إن الوضع الحالي في ليبيا يمثل تهديدا للأمن القومي المصري، قائلا: "ليبيا للأسف أصبحت دولة فاشلة، ووجودها في هذه المنطقة دون سلطة مركزية، أصبح يهدد جميع دول الجوار".
وتابع الشاذلي: "مصر مسؤولة عن أمنها القومي، وهناك آليات تنظم ذلك، وإلى أن يتم تشكيل مجلس نواب بمصر، فالرئيس لديه كل الصلاحيات، وبالنسبة للعمل الدبلوماسي فهو غير مجدي، دون قوة ورائه، وبخاصة أننا نتكلم عن أزمة ربما تهدد الأمن القومي المصري لذا فكل الخيارات متاحه أمامنا".
ومن جانبه، قال سفير مصر السابق بروسيا، عزت سعد، "فشل المساعي حول تسليح الجييش الليبي ليست نهاية المطاف، مصر وبعض الدول تحاول دعم الشرعية، والوضع في ليبيا شائط جدا، فهناك حكومتين وعدة فصائل تتصارع على السلطة، لكن اعتبارات الجغرافيا ستُفرض على البلدين أن يكون هناك تنسيقا بعد استقرار الوضع".
وأضاف سعد: "التدخل العسكري وارد، ويسمح به القانون الدولي، وحق مشروع لكل دولة، وغير مستبعد استخدامه، لأن المادة 51 من ميثاق الأم المتحدة تعطي لنا هذا الحق، وإذا تعرضنا لأي عدوان، سيتم الرد عليه في إطار ما تقتضيه هذه المادة، وبخاصة أن مصر لها مصالح ورعايا في ليبيا، ربما تتعرض للخطر، لذا ليس هناك أي محظورات قانونية تمنع استخدام هذا الحق".