التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 05:42 ص , بتوقيت القاهرة

سرت الليبية.. الطرف الثالث

من موقع الحراسة، حيث يقف الجندي الليبي محمد أبوشبر على الخط الأمامي، يمكنه أن يرى المواقع التي يتحصن بها مقاتلو "داعش" بأسلحتهم الثقيلة، على بعد أقل من كيلومتر واحد.


واستولى المتشددون فعليا على مدينة سرت، مسقط رأس الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، مستغلين حربا أهلية بين حكومتين متنافستين من أجل تعزيز تواجدهم في شمال إفريقيا.



ينشطون ليلا


محمد، الذي يتشبث هو ورفاقه على المشارف الغربية لمدينة سرت، بآخر موقع للقوات التي تنتمي لواحدة من الحكومتين المتنافستين في ليبيا، وهي حكومة المؤتمر الوطني العام، التي تسيطر على العاصمة طرابلس، ومعظم المنطقة الغربية من البلاد.


وقال محمد "لا ينشطون إلا ليلا"، مشيرا إلى موقع المتشددين في بيت على الطريق، تسد مدخله أكياس الرمل. وينام محمد في سقيفة بجوار مواقع إطلاق النار، حيث تتناثر على الأرض بقايا قذائف الدبابات المستخدمة.



ثالث معاقل داعش


وانزلقت ليبيا إلى حالة من الفوضى منذ ساعدت طائرات حلف شمال الأطلسي، في الإطاحة بحكم القذافي في حرب أهلية عام 2011، وأصبحت الآن ثالث معقل كبير للتنظيم الإسلامي، الذي أعلن قيام دولة الخلافة في الأراضي التي استولى عليها في سوريا والعراق.


وأصبح مقاتلو "داعش" قوة رئيسية العام الماضي في درنة، التي تعد معقلا حصينا للجهاديين في شرق ليبيا، وانتشروا بسرعة إلى بنغازي، أكبر مدن الشرق، حيث نفذوا هجمات انتحارية في الشوارع المقسمة بين الفصائل المسلحة.


المصريون في سرت


وباحتلال سرت خلال الأشهر الأربعة الماضية، سيطر المتشددون على مدينة كبرى بوسط البلاد، على امتداد الطريق الساحلي الذي يربط شرق البلاد بغربها.


وأعلن المتشددون عن وجودهم بقوة في فبراير، باختطاف أكثر من 20 مسيحيا مصريا، ممن يعملون بصناعة النفط، وذبحهم على شاطئ، ونشر لقطات فيديو لعملية الذبح على الانترنت.



وفي ليبيا تنشر الجماعة مقاتلين جندتهم محليا، بقيادة مبعوثين أرسلوا من سوريا والعراق. ومن هؤلاء ليبيون عادوا من القتال في جبهات سوريا والعراق، بعد أن استوعبوا أساليب الجماعة، المتمثلة في استخدام العنف المفرط والحرب المتواصلة، بين من يعتبرونهم المسلمين السنة الحقيقيين وبقية الناس.


وأثارت المكاسب التي حققها التنظيم في ليبيا قلق حكومات أوروبية وجيرانها في شمال إفريقيا. غير أن الدول الغربية التي تشارك في قصف مواقع التنظيم في سوريا والعراق أحجمت حتى الآن عن التدخل على نحو مماثل في ليبيا.


انهيار


وساهم انهيار سلطة الدولة في ليبيا في تمدد تنظيم "داعش".. ولا يملك أي من الحكومتين المتنافستين في ليبيا سيطرة رسمية كبيرة على الأراضي. ولكل منهما قوات تسمي نفسها الجيش، لكنها في الواقع مؤلفة من تحالفات فضفاضة من الثوار السابقين، الذين أطاحوا بالقذافي، ورفضوا نزع سلاحهم واختلفوا منذ ذلك الحين حسب انتماءاتهم القبلية والسياسية والإقليمية.


وتدفع كل من الحكومتين رواتب للجنود من عائدات النفط الليبي، ما يمنح كل جانب المال اللازم والحافز الذي يغذي الحرب إلى ما لا نهاية.



ويعارض تنظيم الدولة الاسلامية الحكومتين مستغلا مشاعر السخط بين السكان المحليين.. واستولى التنظيم على سرت من الحكومة التي تعمل انطلاقا من العاصمة طرابلس، والتي تستمد دعمها في الأساس من مقاتلين في مدينة مصراتة الغربية، برز دورهم كواحد من أقوى الفصائل في البلاد بعد سقوط القذافي.


الفرصة


ووصل مسلحو الدولة الإسلامية في سيارات "بيك أب" إلى المنطقة في فبراير، عندما كانت قوات مصراتة مشغولة على بعد 150 كيلومترا إلى الشرق، في محاولة لانتزاع السيطرة على ميناء السدر النفطي من أيدي قوات الحكومة الأخرى، التي تعمل الآن انطلاقا من شرق البلاد.


ولانتشار قوات مصراتة على جبهات تمتد ألف كيلومتر، سرعان ما استولى المتشددون على مستشفى سرت وجامعة ومجمع واجادوجو، الذي استضاف فيه القذافي الزعماء الأفارقة، ومحطة للبث الإذاعي تبث تلاوات من القرآن.



وعندما عادت قوات مصراتة بأعداد كبيرة إلى سرت في مارس، بعد إخفاقها في السيطرة على ميناء السدر، كان مقاتلو "داعش" قد أقاموا نقاط تفتيش.


ومنذ ذلك الحين وسع الجهاديون نفوذهم. وأصبحت آخر حاجز تفتيش تسيطر عليه قوات مصراتة، يبعد الآن نحو كيلومتر عن موقعه من وسط المدينة.


وقال قائد من قوات مصراتة، يدعى تهامي أحمد، ويرابط على المشارف الغربية قرب محطة تزود المنطقة بالكهرباء "هم يقصفون الآن محطة الكهرباء، لذلك نقلنا نقطة التفتيش الأخيرة للمدنيين للوراء."


وأحاطت قوات مصراتة بمدينة سرت، وتعمل على تحويل حركة المرور على الطريق الساحلي إلى المناطق الصحراوية الداخلية. وتحمي مدافع مضادة للطائرات نقاط التفتيش.


معاناة البنزين


ويصف سكان سرت، الذين يتنقلون بين الجبهتين للحصول على البنزين في الضواحي التي تسيطر عليها قوات مصراتة، المعاناة داخل المدينة نفسها التي لم تعد شركة النفط الحكومية تزودها بما تحتاج إليه.


وقال صاحب مقهى في محطة للبنزين، اكتفى بالقول إن اسمه صالح، "الكهرباء تصلنا أحيانا." وتوجه ساكن آخر إلى مطعم مغلق تستخدمه قوات مصراتة كاستراحة بحثا عن المياه، إذا قال إنه لا توجد مياه في منزله.



موالون للقذافي


وتشبه قوات مصراتة هذه المواجهة بما حدث عام 2011، حين أبدى القذافي مقاومته الأخيرة في سرت، التي كانت هذه القوات تحاصرها وتقصفها. ووقع القذافي في النهاية في الأسر وقتل خارج سرت، بعد أن حاول الهرب على الطريق الذي كان مقاتلو مصراتة يسدونه.


وقال تهامي، القائد بقوات مصراتة قرب محطة الكهرباء، إن الخصم الجديد المتمثل في تنظيم "داعش" قوي بفضل تأييد الموالين للقذافي ودعم أجانب. أضاف وهو يقف أمام شاحنة تويوتا "انضم إليهم أجانب سودانيون وتونسيون ومصريون ويمنيون لديهم 106" مشيرا إلى عيار المدافع الكبيرة.


وقدر هو وعدد من رجاله أن عدد مقاتلي "داعش" في سرت يتجاوز المئة.



وحتى الآن لم يكسب التنظيم أرضا في ليبيا بالسرعة التي توسع بها في العراق وسوريا، فهو يصور نفسه على أنه حامي حمى الإسلام السني في حروب طائفية على حكومات يقودها مسلمون من المذهب الشيعي.


ويغلب المذهب السني على الليبيين، وترجع خلافاتهم لأسباب قبلية وإقليمية لا لعوامل طائفية.


غير أن سرت، التي نهب ثوار مصراتة بيوتها بعد سقوط القذافي، أصبحت أرضا خصبة، إذ يرى كثير من السكان أنهم خرجوا خاسرين من الثورة، ويشعرون بالسخط على مقاتلي مصراتة.


وقال الطالب محمد علي، الذي يعيش في ضاحية قرب محطة الكهرباء "قبل الثورة كانت الحياة أحسن كثيرا. كان عندنا كهرباء وأمن. والمدارس كانت دائما مفتوحة."


وعلق على تنظيم "داعش" قائلا إنهم لا بأس بهم، مضيفا "هم يتركونك في حالك ما لم تقاتلهم."



أجانب سرت


أضاف أنه شاهد تونسيين وأجانب آخرين وموالين للقذافي ينضمون للتنظيم. ويشبه ذلك الوضع في العراق، حين أيد ضباط سابقون في جيش صدام حسين تنظيم "داعش".


واستطاعت الجماعة تنفيذ تفجيرات انتحارية ضد قوات مصراتة، قرب محطة الكهرباء، وعلى نقاط التفتيش على الطريق السريع، بينها تفجير على أطراف مصراتة، أثار فزع السكان.


وقال علي المهدي، وهو صاحب مكتبة في وسط مصراتة، مستخدما الاسم الشائع للتنظيم "نحن قلقون من داعش. ونحتاج لمحاربتهم."