كاتب إسرائيلي للسعوديين والإسرائيليين: فلتتعلموا من السادات
يثير التقارب الأمريكي الإيراني في أثناء الوصول للأمتار الأخيرة لتوقيع اتفاق نووي قلق السعودية وإسرائيل، خوفا من انقلاب موازين القوى في المنطقة، لكنهما يقفان عاجزين أمام الاتفاق ويفكرون في حلول أكثر مجازفة ستزيد من الوضع سوء، حسب الكاتب الإسرائيلي جابرييل شينمان رئيس المركز اليهودي للسياسات، الذي يدعو الدولتين إلى تأمل تجربة الرئيس المصري أنور السادات، واستلهامها، وذلك في مقال بعنوان "حكاية ساداتين.. ما الذي يمكن أن تتعلمه إسرائيل والسعودية من مصر"، نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
ما الحلول المطروحة حاليًا من السعودية وإيران؟
يقول الكاتب إن جميع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط يشعرون بالغضب بدرجات متفاوتة من التقارب الأمريكي الإيراني، وعلى رأس تلك الدول المملكة السعودية وإسرائيل. حتى أن 30 يونيو المقبل وهو تاريخ توقيع الاتفاق النهائي، سيكون بمثابة لحظة الذروة لهذا الغضب، وقد تضطر تلك الدول لإحداث تغييرات جوهرية في سياساتها من منع توقيع الاتفاق إلى محاولة تخفيف نتائجها عليها.
ويتابع الكاتب متسائلا هل لا يزال في يد إسرائيل والسعودية حلولا حتى الآن؟.. يجيب الكاتب على السؤال مشيرًا إلى تصريحات مسؤول خليجي قال "لن نفعل مثلما فعل نتنياهو، نحن لا نضيع الوقت في مواجهة الاتفاق، فبدلا من ذلك، نحن نجهز أنفسنا لعالم ما بعد الاتفاق".
إلا أن عالم ما بعد الإتفاق قد يتضمن حلولًا من نوع ضرب إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، أو امتلاك السعودية لقنبلة ذرية.
ويضيف الكاتب أن الدولتين تدركان خطورة مثل هذه الحلول. وهو ما يجعل الموقف أكثر تعقيدًا إلا إذا تم تأمل مواقف الرئيس المصري أنور السادات واستلهامها.
ما الموقف الذي واجه السادات في السبعينيات؟
يشير شينمان إلى أنه منذ أربعة عقود واجه الرئيس المصري نفس حالة هذه القضايا، وفي كلا الحالتين اتخذ خطوات جريئة للحد من تداعيات التقارب الأمريكي السوفيتي عليه، ففي عام 1973 وبعد شعوره برغبة القوتين الكبرتين حينها بالإبقاء على الوضع الحالي مع سيطرة إسرائيل على سيناء، قام بإدخال الشرق الأوسط في حرب إقليمية ليفشل الهدنة بين الأمريكان والسوفيت، بل ويؤدي إلى ارتفاع دائم في أسعار النفط العالمية ووضع الولايات المتحدة في حالة تأهب نووي.
وفي عام 1977 جنب سيطرة أمريكا والسوفيت على الشرق الأوسط من جديد وإنزالهما قوات حفظ سلام على حدود الدول ليفشل الهدنة بين الدولتين مرة أخرى.
ويلفت شينمان إلى أنه ليس التقارب بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا في كلا الحالتين هو الذي شكل المنطقة، بل كانت ردود فعل السادات هي التي وضعت الشكل الحالي للشرق الأوسط، وتصرفات السادات تشكل خيارا مطروحا أمام حلفاء الولايات المتحدة في الوقت الحالي فيما يخص الملف الإيراني.
- المحاولة الأولى في 1973 وتخفيف نتائج التقارب
حينما تولى السادات حكم مصر عام 1970، كانت البلاد حينها تحت هيمنة الاتحاد السوفيتي، لكن مع توقيع أمريكا والسوفيت في مايو 1971 اتفاقية تقارب بين الطرفين تسببت ليس فقط في إجبار الاتحاد الاوروبي على دعم عملية السلام في الشرق الأوسط، بل وقف تقديم السلاح لمصر وإبقاء الوضع على ما هو عليه، ولأجل الحفاظ على شروط الاتفاقية توقف السوفيت عن لعب دور في إشعال الحرب بين العرب والإسرائيليين أو تقديم أسلحة قد تغير من اللعبة.
وكانت هذه الاتفاقية خيانة في ظهر القاهرة، ومع قليل من الخيارات، استمر السادات في إظهار علامات الدعم للرؤساء السوفيت قبل أن يقوم بحركة مفاجئة تتمثل في طرد الـ 15 ألف مستشار سوفيتي من مصر وشن هجوم مفاجئ على إسرائيل، وأصبحت روسيا أمام خيار واحد وهو توفير دعم بحري وجوي لمصر خوفا من أن تخرج البلاد كثيرا من يديها.
هذا في الوقت الذي قامت أمريكا بدعم إسرائيل، ونتيجة لهذه الحرب فرضت الأوبك حظر على البترول الأمر الذي تسبب في ارتفاع دائم في أسعار البترول وتراجع الاقتصاد الأمريكي لمدة 16 شهرا، وقد وصلت الأمور إلى مزيد من السوء حينما فاقت إسرائيل من صدمتها وبدأت تتعامل بندية مع مصر، الأمر الذي دفع موسكو لإصدار تحذير عسكري من طرف واحد.
المحاولة الثانية عام 1977 ومنع العودة السوفيتية للمنطقة
بعد حرب أكتوبر ابتعدت مصر بشكل تام عن الاتحاد السوفيتي وتقربت إلى أمريكا، ولكن مع مجيء كارتر عمل الرئيس الأمريكي الجديد على حل مشاكل الشرق الأوسط، لكن بشكل ثنائي فقط مع الاتحاد السوفيتي.
ففي أكتوبر وخلال مؤتمر أمريكي سوفيتي، أصدرت القوتين بيانا مشتركا ينص على "الحق الوحيد والطريقة الفعالة لتحقيق حل جذري لكل أوجه المشكلة في الشرق الأوسط ستكون تحت رعايتهما"، مقترحين إرسال قوات سوفيتية أمريكية مشتركة تعمل على تأمين حدود الدول.
شعر السادات أن هذا البيان موجه ضده وأن مصر سوف تعود مرة أخرة تحت حكم الكريملين، كما سيفتح الباب إلى وجود قوات سوفيتية من جديد على الأراضي المصرية، إضافة إلى أنه اعتقد أن الدول العربية المتطرفة في موقفها مثل سوريا- الحليفة لروسيا- ربما ستخطف مصالح مصر القومية، كما سيعيق هذا إلى جانب الدعم الشعبي للكفاح الفلسطيني، قدرته على التفاوض لإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات، لذا فقد كان على السادات اتخاذ خطوة حاسمة بدلا من الفرار.
تأثير الخطوة على إسرائيل
الخطوة كانت أيضا ضربة لإسرائيل، لذا تم تشكيل فريق سري بين الإسرائيليين والمصريين لبحث انفراجة في علاقتهما خارج سيطرة القوتين العظميتين، وخلال خطاب أمام البرلمان المصري أعلن السادات أنه على استعداد لزيارة الكنيست الإسرائيلي، العمل الذي كان يوصف بأنه "نهاية العالم"، وإجراء عملية سلام مباشرة مع الإسرائيليين، وقد عارض كارتر الاتفاقيات بين المصريين والإسرائيليين، لكنه إضطر في النهاية إلى الرضوخ وإدخال نفسه في عملية التفاوض، بل وتقديم المزيد من الأسلحة لمصر ومضاعفة المساعدات العسكرية المقررة لها.
يوضح شينمان أنه في كلا المرتين شعر السادات بالخيانة من حليف كبير أسرع في التوصل لاتفاق مع منافسه، وفي كلا المرتين تصرف بجرأة لتخفيف الآثار الضارة لهذه الاتفاقات وتسبب في تغيير شكل المنطقة، ففي عام 1973 أدخل المنطقة في حرب وجعل القوى الكبرى على حافة استخدام النووي، كما تسبب في أزمة بترول، وفي عام 1977 تسببت تحركاته في التوصل إلى أول اتفاق عربي إسرائيلي وإنهاء الحرب العربية الإسرائيلية بل وإنهاء دور السوفيت في المنطقة، بل وإجبار الدول الحامية على زيادة دعم السلاح لها.
- كيف يمكن لإسرائيل والسعودية استخدام سياسة السادات؟
يقول الكاتب إن الخيارات التي استخدمها السادات تضع إطارا لطرق تعامل إسرائيل والسعودية مع الاتفاق النووي، فكلا الدولتين يمكنهما استخدام استراتيجية السادات عام 1973 لتخفيف نتائج التقارب، يمكن استخدامه من خلال دخول الدولتين في حروب بالوكالة في المنطقة والتهديد بالحصول أو استخدام الأسلحة النووية.
هذان الحلان من الممكن أن يكون لهما آثارا سيئة على الاتفاق النووي الإيراني، وسيزيد من انهيار المنطقة، الأمر الذي سيجعل الولايات المتحدة لتتحرك يائسة لإعادة السيطرة وستجد نفسها أمام حل واحد وهو العودة إلى حلفائها، ومن المحتمل أن تزيد من حزمة المساعدات والأسلحة لهؤلاء الحلفاء.
ويشير الكاتب إلى أن السعودية من الممكن أن تستمر بالضغط من خلال ورقة الحرب في اليمن وتوفير تدعيمات قوية للجماعات المسلحة في سوريا، واستغلال القاعدة في حربين باليمن والسعودية، أما إسرائيل فيمكنها أن تزيد من الضغط على حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد.