الازدواجية فينا بس ربنا هادينا
كلنا وزير العدل في حتته.
عن تلك الجمل الرنانـة ذات السَجــــع في مجتمعنا العظيم، ومدى تكريسها للازدواجية، تلك الجمل التي لا يمر يوم دون أن نستمع لإحداها ذلك بحد أدنى.. الجمل اللطيفة من نوعية:
- مجتمع مُتدين بطبعه.
- إيـه يا عم هو إحنا غِلطنا في البخاري.
- ربنا يسهل (التي تحمل رفض ضِمني مُستتر).
- خليها على الله (كِناية عن التواكل ونسيان الأمر برمته).
- إحنا مسلمين ياعم مش عبيد.. أصلا الإسلام لغى الرِق يا عبدة الطاغوت.
وعلى سبيل التوضيح العابر، فإن هذه الجملة هي مثال للافتراء البواح، فالإسلام لم يلغْ الرِق ولك في رسول الله ص أُســوة حسنة، حيث تؤكد الروايات أنه كان للرسول أربع سراري كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد: 1/114 أما الإمام علي حين تُوفـــي كان تحت يمينه 19 سرية فقط !!! ابن كثير : 7/244- تاريخ الخلفاء : 176، ولن نتعرض للخلفاء والصحابة والتابعين حرصا على مشاعر القراء ممن تربوا على مبادئ إعلان حقوق الانسان.
ولم نقف عن هذا الحَـد بل اُخترعت مقولات تُـخّدم على الكذب، ولا تقل غرابة عن أخواتها من الأصول.. مقولات مثل:
- تدرج في التحريم.
- إلغاء تدريجي للرِق.
وكان من العقل، في رأيي، أن يتم الاعتراف بشجاعة أن الإسلام قَنّن الرِق الذي هو عادة مجتمعية آنذاك وشكرا. وكان يمكن أيضًا لفقهاء الإسلام أَن يُقِــروا بتحريم الرِق صراحة كما فعل (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) لكنهم لم يفعلوا.. لماذا؟ ذلك لأن شريعة الرِق تُعطي غِطاءً شرعيًا لحاكم مسلم أن يفعل ما يحلو له بنفوس الخَلق من باب المعاملة بالمثل أو إذلال العدو! نعم أنتم تقرأون هذا الكلام في الألفية الثالثة.
وكَتطبيق عملي على سبيل المثال، علينا أن نرضى عقلا وشرعًا بأن نُقيم معسكرات لِاغتصاب نساء الصرب بذات الطريقة التي حدثت في البوسنة من باب المعاملة بالمثل التي تُجيز لنا استرقاق الكفار؟
لا تتعجب مما تقرأ ولا تستهجنه، فقط إن ساورك شكٌ فيما ذكرت فلك في باب فقـه الرِق منشودك عن أي ضالة في هذه المسألة. وكي لا أطيل ومنعًا لأفكاري من اجترار واقع مُر وتراث أَمَـــر، قررت أن أكتب في شأن مجتمعي عادي جدا وإذ بي أعود أدراجي للجمل الرنانة ذاتها والازدواجية نفسها، وكأني أدور في حلقة مُفرغة تعيسة من الشيزوفرنيا والخلل العقلي.
فإن جاورتني عزيزي القارئ العزيز على مقاعد المتفرجين وشاهدت كَم الغضب والاستياء الذي قوبل به التصريح شديد العنصرية والواقعية معًا للسيد وزير العدل القائل إن ابن الزبّال (باللفظ الدارج الصادق الذي يستخدمه ذات الأشخاص الذين يكتبون عامل النظافه) صَرَح الوزير بأنه ويقصد (ابن الزبّال) عنده مِهن عديدة تُناسبه غير مهنة القضــــــاء!
وأرعد وأزبد المصريون في إنسانية شديدة رافضة مُستهجِنَة لتصريح وزير عدلهم الموقر.. وهم ذاتهم من لو تقدم لإحدى بناتهم ابن الزبّال لتحولوا إلـى ياسمين النَرش في جزء من الفمتو ثانية، متهكمين عليه صارخين بعد كيل السباب مقولات أثيرة للنفس مثل :
بُص على قدك - اللي يبص لفوق يتعب - أنت عارف أنت جاي تناسب مين وغيرها وغيرها من المقولات المعتادة التي تتردد في كل بيت مصري تقريبا.
لكن.. ونقف عند لكن منتبهين أنه مع استحداث المجتمع الموازي الجديد، ذلك العالم الافتراضي الذي يمارسون فيه ازدواجيتهم المحببة في أريحية شديدة دون رقيب.. يجسدون أحلامهم وما طمحوا أن يكونوه مُسهبين في التنظير والتحليل والأفورة والكذب أحيانا كثيرة .. ذلك لأن معشر الرافضين المُستهجنين هم ذاتهم من يشيدوا بسماحة الإسلام وقبول الآخر ولا يجدون أي غضاضة في أن يرددوا بمنتهى الخشوع (اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين.. فقط المسلمين واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.. فقط المسلمين).
وهم ذاتهم من يبغضون الإخوان والسلفيين، بينما يستأمنون أصحاب اللحى في معاملاتهم لأنهم بتوع ربنا، وهم ذاتهم من يقسمون بأغلظ الأيمان أن الإسلام ألغى الرق، وهم ذاتهم من يرون أن البخاري أعظم كتاب بعد كتاب الله وهم لم يقرأوه، وهم ذاتهم من يرددون الجمل الرنانة ذات السجع، وهم ذاتهم من استهجنوا تصريح وزير العدل، وهم ذاتهم من يعاملون الزبّال وابنه بمنتهى الطبقية.
لنعترف بأمراضنا المجتمعية التراثية ذات الصبغة الدينية كَــ خطوة أولى على سلم العلاج.. ذلك إن أردنا العلاج.. إن أردت ابن الزبّال أو ابن العامل أو ابن البواب أو أيا كان من أباه من الكادحين الشرفاء، ابدأ بنفسك وضع يدك في يديه واعطه ابنتك أو زوج ابنك لابنة أحدهم. قبل أن تطالب وزيرك التخلص من عنصريته.. تخلص منها أنت مجتمعيا ودينيا وشخصيا.
ابـــــــــــــدأ بنفسك أيها الإنسان.
اقرأ أيضا